الغراب والإعلامي أحمد موسى وجهان لكارثة واحدة، وكما يشمئز الناس وتقشعر جلودهم من نعيق الغربان، باتت إطلالة أحمد موسى تثير في نفوسهم التوتر والقلق من القادم، إلا أن الإعلامي الغراب ضرب بقلق الناس عرض الحائط، وأطل مستعرضا مجموعة من الفيديوهات من شاطئ العريش، بمحافظة شمال سيناء، حيث قامت المخابرات بتنظيم أكبر مائدة إفطار جماعي على شاطئ العريش لأول مرة منذ 12 عاما، وهي السنوات التي اخترعت فيها مسرحية الإرهاب المصطنع. بمعرفة اللواء عباس كامل صانع لقطات السيسي، كانت أطول مائدة إفطار جماعي على شاطئ العريش بطول بلغ نحو 5.7 كم، وبمشاركة نحو 21 ألف مواطن من القبائل الموالية للعسكر، تلك القبائل التي لم تهدم بيوتهم ولم ترمل نساءهم ولم تيتم أطفالهم، وفوق ذلك هم كومبارس المخابرات في مسرحية الإرهاب.
فاغنر وشركاه وعلى طريقة بشارة البوم، لم يكد يقول السيسي للمصريين بمناسبة مائدة العريش "انتهى الإرهاب" إلا واندلعت المعارك في السودان بين البرهان حليف السيسي، وحميدتي حليف أثيوبيا والسعودية وروسيا وربما الإمارات، ونشرت صحيفة "التايمز" تقريرا بعنوان "المعارك في السودان، اتهامات لمرتزقة روسيا بتأجيج الصراع" سلطت من خلاله الضوء على شكوك في أن مرتزقة فاغنر الروس، يلعبون دورا في المعارك. وكشفت وثائق بريطانية، أن شبه جزيرة سيناء، لم تفارق خيال الصهاينة، باعتبارها منطقة هامة وحساسة، رغم انسحابهم منها، مسلطة الضوء على ما قامت به بعد احتلالها المنطقة عام 1967. ونشرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تقريرا بمناسبة ذكرى إعادة العريش إلى مصر، عام 1979، وقالت وثائق للسفارة البريطانية في تل أبيب: إن "سيناء تعني أشياء كثيرة بالنسبة للصهاينة فهي ساحة قتال ضار، غير أنها في أوقات أخرى ملعب مترامي الأطراف لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وحلم سياحي وذخيرة طبيعية ومشروع تجريبي زراعي، وهي أيضا نقطة التقاء تجمع البدو بالجمال". وفوق كل هذا هي امتداد لحدود إسرائيل الضيقة توفر متنفسا روحيا من ضغوط الحياة، ولربما احتاجت إسرائيل في المستقبل مسمارا كمسمار جحا لاحتلال سيناء مرة أخرى، وذلك لن يكون إلا بتورط السيسي مع فاغنر وجلبهم إلى سيناء. ولفتت الوثائق إلى أن صحراء النقب، كانت هي البديل الوحيد أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي المنسحب من سيناء، وقدرت التقارير البريطانية تكلفة نقل القواعد والمنشآت العسكرية من سيناء إلى النقب بنحو مليار دولار أمريكي في عام 1979 وحده، ووصفت التقارير هذه التكلفة بأنها "عبء ثقيل". بينما قال تقرير صحيفة "التايمز": إن "حميدتي وقوات الدعم السريع التي يسيطر عليها، توفر الحماية لشركة ميرو، للذهب، وهي إحدى شركات التعدين التابعة لفاغنر، ويديرها رئيس مجموعة المرتزقة يفغيني بريغوجين، والمتهم بتهريب الذهب من السودان إلى موسكو للمساهمة في دعم حرب الحكومة الروسية، على أوكرانيا". وأشار الكاتب إلى أن مسؤولين أمنيين غربيين كشفوا لصحيفة وول ستريت جورنال أن الولاياتالمتحدة تشك في وجود صفقة بين فاغنر وحميدتي، وبالتالي فقد دفعت واشنطن مصر إلى مساندة ودعم القوات المسلحة السودانية، ورئيس المجلس السيادي، عبد الفتاح البرهان، بهدف طرد فاغنر من البلاد. ونقل التقرير عن كاميرون هادسون، من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، قوله: إن "سيطرة 'فاغنر' على السودان ستربط خطوطها من البحر الأحمر إلى أفريقيا الوسطى، وبالتالي ستصبح السودان جوهرة التاج الأفريقي". واستعان الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير بخدمات المرتزقة الروس للمساعدة في دعم نظامه المترنح في عام 2017، بعد لقاء جمعه مع بوتين والذي وعد فيه البشير هذا الأخير بجعل بلاده مفتاح أفريقيا لروسيا، تضمنت الخطط المشتركة أيضا إنشاء قاعدة للبحرية الروسية في البحر الأحمر في بورت سودان، وهو مشروع دعمته مجموعة فاغنر.
المرتزقة الروس منذ ذلك الحين، وبحسب تليغراف ، زودت فاغنر السودان بكميات كبيرة من الأسلحة والمعدات، بما في ذلك الشاحنات العسكرية والمركبات البرمائية وطائرات هليكوبتر للنقل، لكن بعد سقوط البشير في عام 2019، أعاد المرتزقة الروس اصطفافهم إلى جانب اللواء عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية وحميدتي اللذين قادا في ما بعد انقلابا أطاح المجلس العسكري الانتقالي في عام 2021، المرتزقة الروس وبحسب التقارير كانوا أكثر دعما لحميدتي وقربا منه. كذلك، فاغنر وبمساعدة حميدتي استمرت في تشغيل شركة "ميرو غولد" Meroe Gold للتنقيب التي تفيد التقارير باستغلالها مناجم السودان وتهريب كميات هائلة من الذهب إلى خارج البلاد، بالتالي ملء جيوب زعيمها يفغيني بريغوجين وحرمان السودان من الإيرادات التي هو بأمس الحاجة إليها، بالنسبة إلى بوتين، فإن هذا من شأنه أن يساعد جهود التهرب من العقوبات الغربية، والسماح له بتمويل حربه غير القانونية في أوكرانيا. في الواقع، تختم الصحيفة، قد يكون السودان أول دولة أفريقية تنهار تحت النفوذ الروسي، لكن سعي المرتزقة الروس إلى تعزيز النزاعات القائمة، ودعم الأنظمة الاستبدادية، وقمع الجهود المبذولة نحو الديمقراطية، ونهب الموارد الطبيعية، وطرد النفوذ الغربي في كل من جمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق وليبيا ومالي، لن يكون بالأمر اليسير في المستقبل. في الوقت الحالي ربما تكون "فاغنر" ضد طموح السيسي بل وربما تشكل خطرا على حلفاء الجنرال، إلا إنها لا تشكل ذلك الخطر للانقلاب نفسه، قد يكون السودان أول دولة أفريقية تنهار تحت النفوذ الروسي، لكن سعي المرتزقة الروس إلى تعزيز النزاعات القائمة، ودعم الأنظمة الاستبدادية، وقمع الجهود المبذولة نحو الديمقراطية، ونهب الموارد الطبيعية. والأهم من ذلك طرد النفوذ الغربي في كل من جمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق وليبيا ومالي والسودان، وعليه لن يكون بالأمر اليسير احتواؤه في المستقبل، وربما يصل إلى مصر وعلى السيسي أن يكون مستعدا لتبديل روسيا بأمريكا وتغيير صنم بآخر، وقد فعلها عبد الناصر والسادات من قبل والسيد له خادم والخادم له ألف سيد، الأهم من ذلك فيما لو تعرض السيسي لخيانة من داخل عصابة العسكر، أو محاولة للانقلاب على الانقلاب مدعومة غربيا في زمن تقلب المصالح، فمن يكون غير فاغنر تقف معه وتحميه كما تقف مع حميدتي.