ارتفعت أعداد القتلى في السودان إلى 300 قتيل بحسب الصحة العالمية ضمن حصيلة ضحايا الاشتباكات الدامية في السودان وأكثر من 2600 آخرين أصيبوا منذ اندلاع القتال السبت الماضي. في سياق الحديث عن تسوية محتملة بين قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، والجيش السوداني بقيادة البرهان، استبعد محللون وجود فرص حقيقية للتسوية السياسية بين طرفي النزاع حاليا. "أصبح الاثنان عالقين الآن في صراع داخلي كلاسيكي" قال آلان بوسويل كبير المحللين لمنطقة القرن الإفريقي في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية. وأضاف أن كلا الجانبين لهما قواعد في جميع أنحاء البلاد، كلاهما يرى هذه المعركة من منظور وجودي، هذا صراع خالص على السلطة من أجل من سيسيطر على السودان. وأضوح بوسويل أن هذه الحرب تبدد بالفعل أي آمال في استعادة سريعة للحكم المدني، وأنها تخاطر بامتصاص العديد من الجهات الفاعلة الخارجية، وتنتقل عبر حدود السودان إذا لم يتم القبض عليها قريبا. وقال تقرير لواشطن بوست إن: "المعارك التي اندلعت منذ أيام في السودان، تحمل كل علامات حرب أهلية محتملة، حيث اشتبكت الفصائل المسلحة المتناحرة، وهي جيش البلاد بقيادة الرئيس السوداني والقائد الأعلى الفريق عبد الفتاح البرهان وقوة شبه عسكرية كبيرة تعرف باسم قوات الدعم السريع، بقيادة نائب الرئيس محمد حمدان دقلو، في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى". ومقاتلو الدعم السريع وبخاصة من دارفور، يشكلون الخطوط الأمامية للجهود الحربية التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن، وكذلك الصراع في ليبيا، حيث تجمع قوى إقليمية، بما في ذلك الإمارات وقطر وليبيا وروسيا، كلهم متورطون. الكاتب والمحلل السياسي، محمد عثمان الرضي، قال في تصريحات صحفية إن: "هناك تعنتا من الطرفين وتمسك بالتصعيد العسكري، مما قد يؤدي إلى استمرار المعارك". وقال الرضي إن: "انتصار الجيش يعني أن هناك واقعا سياسيا جديدا ستتحكم فيه القوات المسلحة بزمام الأمور، وهي التي ستحدد من الذي يدير البلاد في الفترة المقبلة وستختار رئيس الوزراء والوزراء ومؤسسات الدولة والقرار سيصبح عسكريا". ورأى أنه حتى المدنيون الذين سيتم اختيارهم سيكونون داخل بيت الطاعة العسكري، وبذلك سنرى نسخة جديدة للحكم العسكري بثوب مدني، على حد قوله. اللواء المتقاعد محمد عجيب، أيضا قال في تصريحات إن: "انتصار القوات المسلحة يعتبر هزيمة للاتفاق الإطاري واستبداله بواقع جديد يستوعب كل القوى السياسية الأخرى في إشارة للإسلاميين". وأضاف العجيب أن "الجيش لن يتوقف عن عملياته إلا بتفكيك كامل لقوات الدعم السريع التي لن تتوقف هي الأخرى ما لم يستسلم قادة الجيش". وأفصح العجيب عن تخوفاته من أن انتصار القوات المسلحة على قوات الدعم السريع في هذه المعركة يصب في إعادة هيمنة الحركة الإسلامية السودانية بأقوى مما كانت عليه، إذ تستطيع العناصر الإسلامية داخل القوات المسلحة أن تستعيد نفوذها في حالة شلل العملية السياسية. أما المحلل السياسي الجميل الفاضل، فأضاف في تصريحات مصاحبة "في حال انتصرت قوات الدعم السريع في المعركة، فإنها لا تستطيع التراجع عن التعهدات التي أطلقتها سابقا باستمرار العملية السياسية وإخراج المكون العسكري من السياسة". أما اللواء "عجيب" فيعتقد أنه حال فازت قوات الدعم السريع بالمعركة، فستستخدم الاتفاق الإطاري لإقصاء القوى السياسية الأخرى ، مما يجعل من الحكومة التي تشكلها حكومة أقليات تحكم البلد بالحديد والنار؛ لأن تلك الأحزاب المتحالفة مع الدعم السريع ليس لها رصيد سياسي ومناصرين من الشعب. وأشار إلى أن هذا الاحتمال من شأنه أن يجعلَ الفترة الانتقالية للحكم طويلة وقد تصل لعشر سنوات، على حد قول عجيب، مضيفا "سيحكمون بشرعية الثورة وليس بشرعية دستورية مما سيطول أمد الفترة الانتقالية". ولكن عثمان الرضي قال إن: "تلك القوات بزعامة دقلو إن انتصرت ستتجه للحواضن الخارجية وسيدار البلد من الخارج، وفي هذه الحالة ستكون مفاصل الدولة لدى دول أخرى، مما يتيح الفرصة لأصحاب الجوازات الأجنبية لاعتلاء السلطة". وأشار "الرضي" إلى وجود فرص ضئيلة للتسوية من خلال مبادرة أفريقية، بما يمكن أن يكون توافقا بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة والأحزاب السياسية المتحالفة مع الطرفين لقيادة البلاد بالمناصفة. صراع الجنرالات العسكريان المتناحران كلاهما بنى مسيرتهما المهنية في شن حملة وحشية لمكافحة التمرد ضد انتفاضة في إقليم دارفور بغرب البلاد بدأت في عام 2003 ويُنظر إلى الفظائع التي ارتُكبت ضد التمرد على أنها أعمال إبادة جماعية. برز حمدان، المعروف عالميا باسم حميدتي، كقائد لميليشيا عربية موالية للحكومة سيئة السمعة تعرف باسم الجنجويد، والتي تحولت فيما بعد إلى قوات الدعم السريع. وبعد أن كان جزءا من المؤسسة العسكرية التي قررت في عام 2019 الإطاحة بالديكتاتور عمر حسن البشير، تعاون البرهان وحميدتي لاحقا في إسقاط حكومة هشة بقيادة مدنية في عام 2021. وقال محللون إن: "الفشل في تشكيل الحكومة وتدهور الوضع الاقتصادي والأمني في البلاد، دفع مختلِف الأطراف العسكرية والمدنية لتوقيع اتفاقية إطارية في ديسمبر 2022، والتي حظيت بقبول واسع من قبل المدنيين وأطراف مهمة ومؤثرة من المجتمع الدولي، والمجتمعات الإقليمية، إلا أنه كان سببا أخيرا في تطاحن البرهان وحميدتي المشرفين على الانتقال السياسي نحو الديمقراطية". وأدت الإطاحة بالبشير إلى خروج السودان، ثالث أكبر دولة في إفريقيا، بإخراج وزارة الخارجية الأمريكية السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بينما قام كل من البرهان وحميدتي رغم جرائمهما السابقة بحسب الأممالمتحدة بجولات في عواصم العالم المختلفة. وفي 25 أكتوبر 2021، أعلن قائد القوات المسلحة، عبد الفتاح البرهان، حل مجلسا السيادة والوزراء والمؤسسات الانتقالية، وكذلك أعلن حالة الطوارئ وتعليق العمل بمواد من الوثيقة الدستورية. وبعد تأجيل توقيع الاتفاق النهائي للاتفاق الإطار مرتين هذا الشهر، اندلعت اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم ومدن أخرى، نتيجة خلافات بين الحليفين السابقين اللذين شاركا في إطاحة البشير.