توقع خبراء تراجع الجنيه المصري أمام الدولار لتصل قيمة الدولار إلى 40 جنيها مع اقتراب الموافقة النهائية على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي. وقال الخبراء إن "صندوق النقد سوف يفرض على حكومة الانقلاب تعويما جديدا مع استلام القرض خلال أيام، متوقعين أن يخضع نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي لهذه الإملاءات وسوف يقوم بتخفيض الجنيه بنسبة تصل إلى 20% أو 25% خلال الأشهر المقبلة". يشار إلى أنه مع استعداد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي للاجتماع في 16 ديسمبر الجاري؛ يدور جدل حول ما إذا كان الصندوق سيقتنع بوتيرة تراجع الجنيه منذ نوفمبر الماضي ، وما إذا كانت حكومة الانقلاب قد طبقت نظام سعر الصرف المرن أم لا؟ وقال جوردون باورز، محلل في "كولومبيا ثريدنيدل" للاستثمارات ومقرها لندن، إن "هناك علامات على أن العملة ما تزال تُدار إلى حد ما في إشارة إلى أن البنك المركزي المصري يتدخل لدعم العملة المحلية". وأكد باورز -بحسب بلومبرج- أن صندوق النقد الدولي قد يحتاج إلى مزيد من الإثباتات على أن دولة العسكر اعتمدت سعرا مرنا للصرف حقا وهو ما سيحدث عبر تخفيض جديد لقيمة الجنيه . وتوقع إما التخفيض لقيمة العملة مرة أخرى أو تسارع وتيرة الهبوط قبل الاجتماع ، مشيرا إلى أنه تم خفض قيمة الجنيه في مارس الماضي، ثم مرة أخرى بنسبة 18% في أواخر أكتوبر في نفس اليوم الذي أعلن فيه عن صفقة صندوق النقد الدولي وتراجعت العملة المصرية إلى أدنى مستوياتها، وهي الأسوأ أداء في العالم، في الربع الرابع من العام 2022.
القطاع الخاص من جانبه توقع الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار محاضر بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، أن يخسر الجنيه المصري خلال الأيام القليلة المقبلة 20% من قيمته مجددا ، مشيرا إلى أن هذه النسبة سوف تكمل عقد التعويم الكامل للجنيه بنسبة 100%. وقال نوار في تصريحات صحفية إن "هناك دعوات لتخفيض الجنيه أو للتحرير الكامل للعملة من أجل الضغط لسرعة توقيع اتفاق صندوق النقد الدولي، محذرا من أن المعضلة التي تواجه السوق تتمثل في شح الدولار، لا توجد أرصدة دولارية كافية لتمويل العجز في الحساب الجاري، ولا حتى لسداد ثمن البضائع المكدسة في الموانئ، ولم يتم الإفراج عنها بسبب عدم تسوية مدفوعاتها للمصدرين في الخارج". وكشف أن الدعوة إلى تحرير كامل للجنيه هي تحدّ يواجه القطاع الخاص نفسه، من أين سيشتري القطاع الخاص دولارات لتمويل نشاطه إذا كان عائد الصادرات يقل عن نصف تكلفة الواردات؟ وأوضح نوار أن هناك إصلاحات هيكلية مطلوبة تتمثل في نقل الأنشطة الاقتصادية من دولة العسكر إلى القطاع الخاص، هذه الإصلاحات ضرورية لجعل القطاع الخاص قادرا على إدارة كل مكونات المعاملات في السوق بقوانين السوق ، موضحا أنه في الوقت الحالي يتم تمويل العجز التجاري بموارد دولارية لم ينتجها القطاع الخاص ، وهذا ليس نتيجة عدم قدرته على ذلك، ولكن نتيجة تهميشه بقسوة خلال السنوات الأخيرة . وشدد على أن القطاع الخاص يجب أولا أن يعود إلى مواقعه السابقة في هيكل الاقتصاد.
موازنة الأسرة وقال الخبير الاقتصادي علاء السيد "من المفترض أن تحرير سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل العملة المحلية يصب في مصلحة الاقتصاد المحلي ، إذ يؤدي إلى ثقة المستثمرين الأجانب ويمنحهم القدرة على التخطيط السليم لتكلفة المشروعات والعائدات المتوقعة منها، ويؤمن قدرتهم على شراء الدولار من السوق المحلية بالسعر العادل عندما يرغبون في تحويل عائدات استثماراتهم خارج البلاد بالدولار". وأوضح السيد في تصريحات صحفية أن تحرير سعر الصرف يخدم قطاعات السياحة والصادرات والتصنيع والزراعة والخدمات؛ لأنه من المفترض أن يمنع وجود أسواق موازية وسوداء للعملة الأجنبية ويساعد على توفر الدولار الأمريكي وتداوله بيسر في البنوك وشركات الصرافة، كما أنه يساعد المنتجين على وضع خططهم الإنتاجية وسهولة استيراد المواد الخام وقطع غيار خطوط الإنتاج وتوقع عائدات التصدير . وكشف أن مشكلة الدولار ترجع إلى أن مصر دولة قليلة الإنتاج وتعتمد على تأمين نحو 70% من احتياجاتها من خلال الاستيراد بالدولار الأمريكي وهناك عجز كبير بين إجمالي الواردات السنوية التي تتعدى ال80 مليار دولار أمريكي سنويا وبين إجمالي الصادرات المتواضعة، بخلاف أقساط الدين الخارجي وخدمة الدين والتي تمثل عشرات المليارات من الدولارات سنويا، ما يمثل طلبا كبيرا على الدولار الأمريكي مقابل مصادر متواضعة من تدفقات النقد الأجنبي لمصر. وحذر السيد من أن تخفيض الجنيه أو تحرير سعر صرف الدولار الأمريكي سيؤدي إلى زيادة كبيرة للغاية في أسعار السلع في الأسواق المحلية، ما سيمثل ضغطا كبيرا على موازنة الأسرة المصرية ذات الدخل المتواضع والمحدود؛ في ظل تفاقم معدلات الفقر والبطالة وانخفاض الرواتب وارتفاع معدلات الضرائب والرسوم وأسعار الوقود والمواصلات العامة ونقل المنتجات .
سعر الصرف الاسمي وطالب الدكتور جودة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة بضرورة ارتكاز السياسات الاقتصادية على فكر اقتصادي رصين سواء كان ذلك بصورة صريحة أو ضمنية، وأن يحكم عملية صياغة السياسات الاقتصادية معياران هما الكفاءة والعدالة، مشددا على أهمية العمل على تعزيز تنافسية الاقتصاد المصري باعتباره القضية المحورية حاليا. وحذر "عبد الخالق" في تصريحات صحفية من أن تخفيض سعر الصرف الاسمي (Nominal Devaluation) إذا لم تسانده سياسات ملائمة، قد ينتهي إلى ارتفاع قيمة العملة (Real Appreciation)، وبالتالي فقدان التنافسية الدولية. وقال إن "تحسين الأداء في الملف الاقتصادي يتطلب مجموعة من الإجراءات من بينها ضبط وترشيد الإنفاق الحكومي، ودعم المصانع المتعثرة، وتحديد سقف للدين العام، ومحاربة الفساد ووضع قيود على الواردات إعمالا لحقوق مصر كعضو في منظمة التجارة العالمية طبقا للمادة 18- ب من اتفاقية الجات، ووضع حد أقصى لزيادة كمية النقود بمعدل يساوي زيادة الإنتاج لضمان الاستقرار النقدي، وإعادة النظر في نظام دعم القمح والخبز والسلع التموينية لمكافحة وردع المتلاعبين، إضافة إلى تغيير نظام سعر الصرف بربط الجنيه المصري بسلة من العملات ممثلة للشركاء التجاريين لمصر، وإصدار تشريعات لتحقيق الكفاءة والعدالة لاسيما ما يتعلق بتعديل قانون إيجارات العقارات القديمة وقانون العلاقة الإيجارية للأراضي الزراعية.
المربع صفر وقال سامح حسن الرئيس التنفيذي لمجموعة صافولا للأغذية إن "قرارات تعويم الجنيه المتكررة تعيد المستثمرين إلى المربع صفر في كل مرة تقدم فيها حكومة الانقلاب على هذه الخطوة، لأن الاستثمارات الموجهة داخل مصر تفقد قيمتها". وأكد حسن في تصريحات صحفية أن التعويم يخيف المستثمرين ويصيب الاستثمار المباشر في العمق، حيث يبقيهم أمام أمرين كلاهما مر، إما تحميل زيادة الأسعار على المستهلكين أو يفقد المستثمر قدرته على تحقيق عوائد وحماية أصوله من التراجع في قيمة العملة، بما يدفعه إلى خسائر متلاحقة. وطالب حكومة الانقلاب بالتوقف عن التعويم المتكرر للعملة، مشيرا إلى أن تراجع قيمة الجنيه بنسبة 25% إضافية كما هو متوقع ستدفع أسعار كافة السلع والخدمات للصعود الفوري بنسبة 35%، وترفع خسائر المستثمرين الصناعيين، بنحو 30% من استثماراتهم المباشرة. وتوقع حسن استمرار حالة الانكماش في الاستثمارات المحلية والأجنبية، في ظل التراجع المستمر لسعر صرف العملة المحلية، بالإضافة إلى الضغوط التضخمية العالمية والمحلية، وتراجع الأرباح وقيمة الاستثمار بالشركات.