ذكرت وسائل إعلام وخبراء مصريون أن إثيوبيا بدأت المرحلة الثالثة من تشغيل سد النهضة الإثيوبي الكبير المثير للجدل، حيث لا يزال النزاع حول السد دون حل بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا. يأتي ذلك بعد أن أعلنت إثيوبيا في منتصف يونيو أنها أنجزت 88٪ من أعمال البناء في سد النهضة، وتتطلع إلى الانتهاء الفعلي من بنائه بحلول نهاية عام 2023. وأظهرت صور الأقمار الصناعية الأخيرة أن مستوى المياه في بحيرة سد النهضة قد تجاوز مستوى العام الماضي، مع اختفاء بعض الجزر الصغيرة، ويقترب مستوى المياه من سد السرج الخرساني ، الذي بنته إثيوبيا كسد احتياطي لسد النهضة. وفي منشور على فيسبوك بتاريخ 11 يوليو، قال عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة إن "عملية تخزين سد النهضة ستستمر حتى نهاية يوليو، إذا استمر فتح بوابات قاع المخرج (60-70 مليون م3/يوم) على مستوى 590 مترا فوق مستوى سطح البحر للمجرى المركزي (بمساحة تخزين تبلغ حوالي 4 مليارات م3) أو الخامس من أغسطس على مستوى 595 مترا (مع تخزين 5.5 مليار م3)". ووفقا لمقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط في 12 يوليو، من المرجح أن "تثير المرحلة الثالثة المزيد من التوترات مع دول المصب مصر والسودان، على الرغم من التوقعات بضرر محدود في المرحلة الحالية في ضوء ارتفاع معدلات هطول الأمطار في دول المنبع". وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق جمال بيومي للمونيتور "تمارس مصر ضغوطا دبلوماسية بكل الوسائل المتاحة لاستئناف المفاوضات الثلاثية حول سد النهضة، والحفاظ على حقوقها التاريخية في مياه النيل، وفضح تعنت إثيوبيا في رفض اتفاق ملزم حول آلية لملء وإدارة السد". ولا تزال المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا متعثرة، وعقدت الدورة الأخيرة بين الدول الثلاث في منتصف عام 2021 تحت رعاية الاتحاد الأفريقي في كينشاسا، دون التوصل إلى اتفاق. وبناء على ذلك، رفعت القاهرة والخرطوم الأمر إلى مجلس الأمن الدولي، الذي أصدر بيانا في منتصف سبتمبر 2021، حث فيه مصر وإثيوبيا والسودان على استئناف المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، بهدف وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق مقبول وملزم لجميع الأطراف، في أقرب وقت ممكن، بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، ومع ذلك فإن هذا لم يحدث بعد. وأوضح البيومي أن "الملء الثالث لسد النهضة يعني أنه سيتم الاحتفاظ بعدة مليارات من الأمتار المكعبة من المياه، لكن هذا لن يؤثر على حصة مصر من المياه". ورأى أن المشكلة سياسية وليست تقنية، حيث ترفض أديس أبابا التزحزح عن موقفها ضد دول المصب، وترفض أي اتفاق يتم صياغته. وكانت إثيوبيا قد رفضت اتفاقا صاغته الولاياتالمتحدة والبنك الدولي بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة في عام 2020. وقال ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، للمونيتور "بطبيعة الحال، ستعترض مصر والسودان على هذه الخطوة، لكن حتى الآن كان هذا الملء متوقعا إلى حد كبير ولم يكن مفاجئا". وقال "من المرجح أن يكون للملء الثالث تأثير محدود على حجم المياه لدول المصب، ولا أعتقد أن هذا الملء سيؤثر بالضرورة على المفاوضات المستقبلية". ولم تعلق مصر رسميا بعد على هذه الخطوة. وأضاف فابياني "من المرجح أن يتم احتواء الضرر الناجم عن الملء الثالث ، ربما لسببين، الأول هو أن البناء في السد الإثيوبي متأخر عن الجدول الزمني المحدد، مما يجعل قدرة إثيوبيا على الاحتفاظ بالمياه أقل مما تم الإعلان عنه رسميا. ثانيا، يبدو أن كمية الأمطار المائية قريبة من متوسطها التاريخي، مما يعني أنه لا ينبغي أن يكون هناك نقص في إمدادات المياه لدول المصب". وقال نادر نور الدين، الخبير المصري في شؤون المياه وأستاذ الأراضي والمياه في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، للمونيتور "حتى الآن، لم تكشف إثيوبيا علنا عن حجم التخزين المستهدف في الملء الثالث هذا العام، وفي نهاية عام 2021، قدر تخزين المياه في خزان بحيرة السد بنحو 8 مليارات متر مكعب". وأضاف "على الرغم من عدم وجود علامات على استئناف المفاوضات، إلا أن الملء الثالث بدأ هذا الشهر مع بدء الأمطار الغزيرة وموسم الفيضانات. وقبل ذلك، رفعت إثيوبيا ارتفاع الممر الأوسط لسد النهضة الذي يعيق المسار المائي للنيل الأزرق، وكلما ارتفع هذا الممر، زادت كمية المياه المخزنة. وأوضح أن مصر تراهن على هطول أمطار غزيرة وفيضان كبير هذا العام، وهذا يعني أن حصتنا المائية لن تتأثر بالملء الثالث للسد، لأننا سنحصل على كمية كافية من المياه". في غضون ذلك، يتحدث خبراء مصريون عن عدد من الأضرار التي من المرجح أن تتعرض لها مصر نتيجة الملء الثالث لخزان السد، وفي منشور على فيسبوك بتاريخ 13 يوليو، أشار شراقي إلى أضرار مائية واقتصادية وسياسية واجتماعية، نتيجة الملء الثالث، أبرزها أن إثيوبيا تواصل فرض الأمر الواقع من خلال اتخاذ قرارات أحادية الجانب ، وهو ما يحرج المسؤولين في مصر والسودان أمام شعبيهما". ورفع عبد الفتاح السيسي النبرة عندما تحدث مؤخرا عن تحرك إثيوبيا لملء السد دون اتفاق مسبق مع مصر. وفي حديثه للصحفيين في محافظة المنوفية في 13 يونيو، قال السيسي "لن أقول الكثير سوى أنه لن يلمس أحد مياه مصر، مضيفا أن الحكومة تنفذ مشاريع غير مسبوقة لتحقيق أقصى استفادة من المياه المتاحة". وقال الباحث في معهد الشرق الأوسط محمد سليمان للمونيتور إن "أي خطوة أحادية الجانب دون موافقة متبادلة ستثير المزيد من التصعيد والتوترات بين الدول الثلاث وتقوض مفاوضات سد النهضة، وتشكل الموارد المائية في المنطقة مصدر قلق للأمن القومي للقاهرة والخرطوم". وفيما يتعلق بمستقبل نزاع سد النهضة، قال إن "الحفاظ على الوضع الراهن بين الدول الثلاث قد لا يكون مستداما على المدى الطويل، ويمكن أن يؤدي التصعيد المؤسف إلى زعزعة استقرار السلام والأمن الإقليميين في شمال أفريقيا وحوض النيل". ويتفق سليمان وفابياني على أن الولاياتالمتحدة يمكن أن تلعب دورا في حل هذه الأزمة بين الدول الثلاث، وقال سليمان "من المؤكد أن الاتحاد الأفريقي فشل في إيجاد حل لكن الولاياتالمتحدة لديها نفوذ وهي لاعب رئيسي في المنطقة خاصة فيما يتعلق بالتعاون الأمني والمساعدات، ومن الممكن أن تصبح واشنطن أكثر انخراطا في قضية سد النهضة في ضوء دور الصين المتنامي في المنطقة". وخلص فابياني إلى أن "هناك حاجة إلى حل وسط الآن أكثر من أي وقت مضى، ويجب أن تكون الأطراف الثلاثة على استعداد لتقديم تنازلات للتوصل إلى اتفاق".