شهدت المناقشات التي شهدها برلمان الانقلاب مؤخرا بشأن الحساب الختامي لموازنة (2020/2021) اتهامات بالفساد والتلاعب بالأرقام من أجل تزييف الواقع وتحسين الأوضاع المتردية؛ فقد كشفت الحساب الختامي للموازنة زيادة حجم الدين الخارجي الذي وصل إلى 137.4 مليار دولار بنهاية يونيو 2021، بزيادة 14 مليار دولار عن السنة السابقة عليها يونيو 2020م. وبحسب تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، حصلت حكومة الدكتاتور عبدالفتاح السيسي، على قروض كثيرة بمليارات، ولم تستفد منها، ما يمثل عبئا على الاقتصاد، وعبئا في تسديد فوائد خدمة الدين، ولكن الكارثة الكبرى أن تلك القروض لم تستغل في مشروعات اقتصادية منتجة توفر فرص العمل وتزيد الإنتاج والدخل القومي. واتهم النائب فريدي البياضي، عضو المجلس عن "الحزب المصري الديمقراطي"، أن الحكومة تتلاعب بالأرقام المخصصة للدعم استنادا إلى ملاحظات تقرير «الجهاز المركزي للمحاسبات»، حيث طلبت الحكومة في موازنة السنة المالية 2021/2020 مبلغ قيمته 338.9 مليار جنيه تحت بند الدعم والمزايا الاجتماعية، وفي الحساب الختامي لموازنة العام نفسه، قالت إنها صرفت 1.8 مليار جنيه إضافية عن المعتمد في الموازنة في هذا البند، لكن تقرير «المركزي للمحاسبات» كشف أن ما صرفته الحكومة فعليًا في هذا البند خلال السنة المالية المنتهية في يونيو الماضي يقل بنسبة 20%عن المبلغ المخصص في الموازنة، وهكذا فإن الحكومة تقدم للمجتمع والبرلمان أرقاما «مضروبة» وليست حقيقية. بحسب البياضي. لكن غاب عن البياضي أن الفقراء لا يحصلون (وفقا لأرقام موازنة 2021/2022) سوى على نسبة 33% من مخصصات الدعم، موزعة ما بين نسبة 16% لدعم الخبز، و11% لدعم سلع البطاقات التموينية، و6% لمعاشات التضامن الاجتماعي وتكافل وكرامة المتجهة لشريحة الفقراء. حيث بلغت مخصصات دعم الخبز 50.6 مليار جنيه، ودعم سلع البطاقات التموينية 36.6 مليار جنيه ومعاشات الفقراء 19 مليار جنيه، من إجمالي رقم الدعم البالغ 321 مليار جنيه. وهو ما يعني على الجانب الآخر اتجاه نسبة 67% من الدعم بالموازنة لغير الفقراء، حيث يحصل المصدرون على نصيب من ذلك الدعم، وكذلك وزارة الإنتاج الحربي وأندية العاملين بوزارة المالية وكذلك نوادي الشرطة، وحتى دول حوض النيل، ومن خلال رصد توزيع مخصصات الدعم بالموازنة تبين حصول كل الوزارات على نصيب منها مع اختلاف القيمة فيما لكل منها. لتتواجد ضمن قائمة الحاصلين على الدعم دار الأوبرا المصرية ومكتبة الإسكندرية وهيئة قصور الثقافة والمحكمة الدستورية العليا، والهيئة الوطنية للصحافة والمجلس الأعلى للإعلام والمجلس القومي للرياضة وهيئة الرقابة الإدارية وغيرها من الجهات الحكومية، بينما يظن كثيرون أن مخصصات الدعم تتجه إلى الفقراء كما يدعي مسؤولو الحكومة وإعلام الصوت الواحد بمصر. تلاعب الحكومة وفقا للبياضي في حوار أجراه مع موقع «مدى مصر» السبت 23 إبريل 2022م امتد أيضا إلى تخصيص 5.9 مليار جنيه لتسديد فوائد السندات الدولارية، ولكن الحساب الختامي كشف أن الحكومة سددت 2.1 مليار جنيه فقط، ولم تكشف الحكومة خلال المناقشات عن أسباب طلبها خلال مناقشة مشروع موازنة 2021/2020 مبلغ إضافي بقيمة 3.8 مليار جنيه في هذا البند وغيره، وكأنها تقدم للبرلمان إيصالات «مضروبة». هناك أيضا وفقا للبياضي عدم التزام الحكومة بترشيد النفقات فهناك وزارات لا داعي لوجودها، مثل وزارة قطاع الأعمال لأن الشركات التابعة لها عددها أقل من الشركات التابعة لبعض الشركات القابضة غير التابعة للوزارة، وفي ظل وجود أزمة اقتصادية هناك أولوية لإلغاء تلك الوزارة ودمج وزارات أخرى لترشيد النفقات. كذلك هناك خسائر غير مبررة في موازنات الهيئات الاقتصادية بالمليارات، فمثلا هيئة استاد القاهرة لديها خسائر في الحساب الختامي قيمتها 51 مليون جنيه في الوقت الذي تصر الحكومة فيه على غلق الاستاد رغم تأكيدها على وجود استقرار أمني، فما المانع من تشغيل الاستادات، واستمتاع الناس بالرياضة الأولي في مصر كرة القدم، ووقف الخسائر. التلاعب بالأرقام من جانب حكومة السيسي يمتد كذلك إلى النسبة الدستورية المخصصة للصحة والتعليم؛ فالمادة (18) من الدستور تنص على:" تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية". فيما تنص المادة (19) على:"تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية". أما المادة (21) فتنص على:"تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم الجامعى لا تقل عن 2% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية". لكن الحكومة تتلاعب بالأرقام حتى تصل إلى هذه النسبة بطرق مزيفة وغير حقيقية؛ فتحمل الحكومة ميزانياتهما ببنود لا تمت لهم بصلة لكي يصلوا إلى النسب الدستورية، فيتم حساب ميزانيات مستشفيات الجيش والشرطة والأوقاف وغيرها ضمن موازنة الصحة على سبيل المثال، وتحسب مرتين، مرة في موازنة «الصحة» ومرة في موازنة «الأوقاف» أو الجيش أو الشرطة وهكذا. وكذلك الحال بالنسبة للتعليم، فيتم حساب ميزانيات التعليم الأزهري ضمن الموازنة العامة كما تحسب تكلفة سداد فوائد الديون، وبالتالي الإنفاق الفعلي على الصحة أو التعليم أو البحث العلمي يكون أقل بكثير من الرقم المخصص لهما في الموازنة. ورغم ضآلة المبلغ المخصص للبحث العلمي في موازنة السنة المالية 2021/2020 إلا إن الحساب الختامي للموازنة كشف أن هذا المبلغ لم ينفق من الأساس، فمثلًا خصصت الموازنة 129 مليون و300 ألف للتدريب وأنفق منهم حتى 30 يونيو2021م 66 مليون و600 ألف جنيه فقط. ورغم وضوح الفساد الذي يستوجب العزل والمحاكمة؛ إلا أن المستشار حنفي جبالي، رئيس البرلمان وصاحب حكم سعودية تيران وصنافير ، رفض استخدام عبارة "فساد" وفضل استخدام وصف "شبهة فساد" بشأن قرض البنك الدولي لتنمية الصعيد (خصوصا محافظتي قناوسوهاج) الموقع في أغسطس سنة 2019 بقيمة 500 مليون دولار؛ حيث كان مقررا أن يصرف على دفعات حتى 2021، ولكن حتى الآن لم يستخدم في أي مشاريع ولكن صرف منه فقط على شراء سيارات فارهة للمسؤولين في محافظتي سوهاجوقنا ب12 مليون جنيه، إلى جانب 16 مليون جنيه أخرى لمرتبات لم تحدد الحكومة تفاصيلها، وذلك في الوقت الذي دفعت فيه الحكومة فوائد وعمولات ارتباط عن المبلغ الذي لم يصرف من القرض! يقول البياضي معلقا: «بناخد قرض عشان تنمية الصعيد وندفع عليه فوايد عشان البهوات يركبوا عربيات فارهة وياخدوا رواتب بالملايين»!