يحرص نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي على إشعال الفتنة بين مكونات المشهد الليبي وحركاته وأحزابه وفرقائه؛ حيث كشفت مصادر مصرية مطلعة على دهاليز اللجنة الوطنية المعنية بالملف الليبي، أن نظام السيسي ومخابراته تعرقل التحركات التركية الرامية لوأد الفتنة بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا رئيس ما تسمى بحكومة الاستقرار. وتنقل صحيفة "العربي الجديد" عن هذه المصادر أن تركيا قدمت مبادرة للوساطة بين الرجلين المتنازعين على رئاسة الحكومة، بينما كشف الدبيبة عن خطة تقوم على إجراء انتخابات برلمانية قبل 24 يونيو 2022م. وبحسب التفاصيل فإن أنقرة دعت كلا من الدبيبة وباشاغا لعقد لقاء بينهما للتوصل إلى حل لأزمة الانقسام الراهنة ومنع الاحتراب مجددا. باشاغا الذي يحظى بدعم نظام الدكتاتور السيسي أجرى اتصالات مع جهاز المخابرات المصري الذي نصحه بعدم تلبية الدعوة بدعوى أن الحل يجب أن يكون داخليا ومن قلب ليبيا. الأمر الذي يفسره البعض بأن القاهرة تحاول الاستئثار بالملف الليبي وتعزيز مكانتها الإقليمية بتهميش الدور التركي الذي كان له قول الفصل في الصراع العسكري ومكنت حكومة الوفاق الوطني من هزيمة مليشيات الجنرال خلفيفة حفتر في عدوانه على العاصمة طرابلس. وتسعى القاهرة التي شاركت في اختيار باشاغا من جانب مجلس النواب بطبرق، تعول على كثيراً على تلك الخطوة لاستعادة توازن الأدوار في ليبيا، في ظل التحالف بين الدبيبة وأنقرة. أنقرة من جانبها تدرك أن اختيار البرلمان لباشاغا لرئاسة الحكومة وهو الرجل القوي بغرب ليبيا هي خطوة ملغومة قام بها تحالف الثورات المضادة (أبو ظبي القاهرةباريس) وكذلك حفتر وعقيلة صالح رئيس البرلمان، يستهدفون بها تفخيخ الغرب وتلغيم المشهد الليبي وبث الفتنة بين مكونات الغرب الليبي على أمل أن تنشب حرب أهلية بين الطرفين تطيح بهما وبالتالي يكون الفائز الوحيد هو شرق ليبيا الذي يهمين عليه الجنرال حفتر المدعوم من القاهرة من أجل إقامة نظام حكم عسكري على غرار السيسي في القاهرة. ولهذه الأسباب تسعى أنقرة إلى وأد هذه الفتنة وعدم السماح بجر الأطراف نحو اقتتال أهلي لن يفوز فيه سوى حفتر وداعميه في القاهرة وأبو ظبي وباريس. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد، مؤخرا، أن علاقة بلاده بكل من الدبيبة وباشاغا طيبة. وقال، في تصريحات صحافية: "علاقاتنا مع فتحي باشاغا جيدة. من ناحية أخرى العلاقات طيبة أيضاً مع الدبيبة"، قبل أن يضيف أن "الأمر المهم هو من سيختاره الشعب الليبي وكيف". وتابع أردوغان: "نريد إجراء الانتخابات في ليبيا، بحيث يختار الليبيون شكل الحكومة التي يريدونها ويرغبون بها". وخلال الأيام الماضية قام نظام السيسي بعدة تحركات تستهدف تعزيز فرض باشاغا لرئاسة الحكومة وهي الخطوة التي قد يكون الهدف الخفي من ورائها إشعال فتيل الحرب في غرب ليبيا على نحو يعزز مكانة حفتر وتحالفه في حكم ليبيا منفردا. أو شن عدوان جديد بدعوى فرض الأمن والاستقرار بين الأجنحة المتحاربة (الدبيبة وباشاغا). * الخطوة الأولى، هي لقاء بين رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، برئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل في القاهرة، مساء الأحد الماضي، حيث أطلع صالح رئيس المخابرات المصرية على آخر التطورات في الأزمة الليبية، وتفاصيل اللقاء الذي جمعه بالمستشارة الأممية في ليبيا ستيفاني وليامز. * الخطوة الثانية هي التنسيق المستمر مع فرنسا بهدف إقناع البعثة الأممية في ليبيا والتي باتت رقما مهما في المعادلة القائمة، ويحاول المصريون والفرنسيون استمالة الولايا المتحدةالأمريكية نحو دعم اختيار باشاغا وخفض الدعم الأممي والأمريكي للدبيبة، حيث لا تزال واشنطن ترى في حكومة الدبيبة الممثل الشرعي في ليبيا وهو ما يعرقل المخططات المصرية الرامية لتعزيز مكانة باشاغا على حساب الدبيبة. فواشنطن تراهن على مسار الدبيبة خاصة أنه يضمن إجراء انتخابات قريباً، على عكس التصور الخاص بحكومة باشاغا، الذي يرجئ المسار الانتخابي لفترة أطول". ويخشى معسكر الدبيبة من فقدان الدعم الأممي لا سيما في أعقاب اللقاء الذي جمع عقيلة صالح بالمبعوثة الأممية والتي صرحت أن صالح أطلعها على تفاصيل الآلية التي سيقوم بها مجلس النواب لمنح الثقة للحكومة الجديدة، في إشارة أثارت مخاوف معسكر الدبيبة، بشأن مباركة أممية لباشاغا. وقالت وليامز، الأسبوع الماضي، إن صالح أطلعها أيضاً على خطة عمل مجلسي النواب والأعلى للدولة، وفقاً للتعديل الدستوري رقم 12، بما في ذلك إنشاء لجنة خبراء مشتركة، من 24 عضواً، لمراجعة مُسوّدة دستور 2017. في هذه الأثناء، شرع باشاغا في مشاوراته مع أطراف ليبية مختلفة من أجل تسمية أعضاء حكومته، مشددا على ثقته بأن عملية التسليم والتسلم ستتم وفق الآليات القانونية والدستورية، وبالطرق السلمية، وفق وصفه. وقال: "لن تكون هناك عوائق، خاصة أن الدبيبة شخصية مدنية محترمة، وينادي دوماً بالابتعاد عن الحروب، ونحن على يقين بأنه يؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة". ومن المقرر أن تتضمن حكومة باشاغا 13 حقيبة وزارية لإقليم غرب ليبيا، و9 للإقليم الشرقي، و5 للإقليم الجنوبي. وسط أنباء تؤكد أن التحركات التي أجراها التحالف الداعم لباشاغا قبل تسميته من جانب البرلمان رئيسا للحكومة في 10 فبراير وكذلك المشاورات التي أعقبتها لعبت دورا كبيرا في تسمية الشخصيات التي ستتولى تلك الحقائب. من جانبه يسعى الدبيبة للحفاظ على الدعم الأممي والأمريكي لحكومته وذلك بالإعلان في كلمة متلفزة مساء الإثنين 21 فبراير 2022 عن خطة لتنظيم انتخابات برلمانية قبل نهاية يونيو المقبل، وترحيل الانتخابات الرئاسية إلى وقت لاحق. وأوضح أن خطته التي أطلق عليها تسمية "إعادة الأمانة إلى أهلها"، تقوم على إجراء انتخابات برلمانية قبل 24 يونيو المقبل، أي قبل موعد انتهاء خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي، الذي اختار حكومته قبل نحو عام في جنيف. وتنص الخطة على "إجراء الاستفتاء على الدستور بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية". وأشار الدبيبة إلى أنه في حال تعذر إجراء الانتخابات، نظراً لاستخدام القوة ومنعها من بعض الأطراف، فإنّ خيار "التصويت الإلكتروني" سيكون "قائماً". كما لمّح للجوء إلى "الانتخابات الجزئية في بعض المناطق"، وفقاً لتجارب دولية عدة. واعتبر أنّ خطته هي "الحل الوحيد" الذي يخرج جميع الكيانات السياسية، بما فيها حكومته، من المشهد الحالي. ومن اللافت في خطاب الدبيبة أنه ذكر الحرب ثمان مرات في كلمته محذرا من محاولة "الطبقة السياسية المهيمنة" الهروب من إجراء الانتخابات، مؤكداً أنّ هذا الأمر "يهدد بعودة الانقسام، وسيؤدي حتماً إلى الحرب مرة أخرى". وقال: "سأسلم الأمانة بالانتخابات، ولن أقبل تسليمها للفوضى. الانتخابات فقط هي الحل الوحيد". وناشد ما أسماها "حركة وطنية حقيقية" الضغط من أجل إجراء الانتخابات. يشار إلى أن الدبيبة التقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على هامش مشاركته في قمة منتدى الدول المصدرة للغاز في الدوحة أمس الثلاثاء.