تشهد مصر موجات متتالية لارتفاعات الأسعار في مختلف السلع والمنتجات، وهذه الارتفاعات تستنزف المصريين وتزيد من أعداد الذين يعيشون تحت خط الفقر، والذين وصل تعدادهم إلى أكثر من 60% من إجمالي السكان بحسب تقارير البنك الدولي . هذه الموجات تسببت في عجز ملايين المصريين عن الحصول على احتياجاتهم اليومية الأساسية، بسبب عدم توافر الدخول الكافية وتسريح ملايين العمال والموظفين نتيجة تصفية وبيع شركات القطاع العام، بجانب تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد.
موجة تضخمية تعليقا على هذه الأوضاع المأساوية، قال محمد عبد العال خبير مصرفي إن "العالم يشهد موجة تضخمية غير مسبوقة، حيث وصل معدل التضخم في أوروبا ل 4.5%، وفي الصين وصل لأعلى مستوى منذ 26 عاما، مؤكدا أن هذا التضخم يؤثر كثيرا على مصر، لأنها تستورد جزءا كبيرا من احتياجاتها من الخارج". وكشف عبد العال في تصريحات صحفية، أن متوسط أسعار السلع الغذائية وفقا للأمم المتحدة زادت 35% مع أزمة كورونا، وانخفضت الآن ل23%، وهذا بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، مما انعكس على ارتفاع أسعار الأسمدة، كما أن ارتفاع أسعار السلع والخامات المستوردة يعني ارتفاع الأسعار في مصر. وأشار إلى أن مصر تستورد 60% من مستلزمات الإنتاج الصناعي من الخارج، وفي هذه الحالة لا تصلح سياسات البنك المركزي لمواجهة هذا الارتفاع، موضحا أن الحل الأمثل لمواجهة التضخم هو زيادة الإنتاج، وهذا الأمر ممكن من خلال تمويل المشروعات بفائدة مخفضة . وأكد عبدالعال أن رفع معدل الفائدة من شأنه أن يزيد تكلفة التمويل، وهذا سينعكس على سعر السلعة المباعة للمستهلك في النهاية، ما سيؤدي إلى زيادة معدل التضخم . ولفت إلى أن الدول التي لا تشهد استقرارا سياسيا يرتفع فيها معدل الفائدة، مثل الأرجنتين التي وصل معدل الفائدة بها ل 44%، لكن معدل التضخم كان كبيرا للغاية، وكان يقوم بابتلاع هذه الفائدة.
ارتباك كبير وحول ما تشهده الأسواق المصرية من ارتفاع غير مسبوق في أسعار العلف وهو ما انعكس على أسعار اللحوم والدواجن والبيض والسلع الغذائية، قال عمرو السيد عوض، تاجر وصاحب مصنع أعلاف إن "سوق الأعلاف يشهد ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار خلال الثلاثة أشهر الماضية، خاصة الذرة والردة". وأضاف عوض في تصريحات صحفية، أن طن الذرة كان ب4500 جنيه ووصل إلى 5600 جنيه و6 آلاف في بعض الأحيان، وطن الردة أصبح يتراوح بين 4300 و4500 جنيه مقارنة ب3400 جنيه، وطن السرسة وصل إلى 1000 جنيه مقارنة ب 300 جنيه. وأوضح أن هذه الارتفاعات الرهيبة في الأسعار لم نشهدها من قبل، فالطبيعي أن ترتفع ما بين 200 إلى 300 جنيه للطن في بعض الأوقات من العام، ولكن هذه المرة وصل الارتفاع إلى 1100 و1300 جنيه، ما أدى إلى ارتباك كبير في السوق وإحداث أزمة لدى التجار والمربين. وأكد عوض أن الارتفاع في الأسعار، سوف يؤثر على هامش ربح التاجر ومربي المواشي، إضافة إلى زيادة السعر على المستهلك النهائي، سواء بالنسبة للحوم أو الدواجن، مشيرا إلى أن رأس الماشية الواحدة تستهلك من 4 إلى 5 كيلو علف يوميا أي 150 كيلو شهريا، وهذه الزيادة في الأسعار ستؤثر على جودة العلف المقدم للمواشي، لأن المربين بدأوا الاتجاه نحو شراء الأعلاف الرخيصة ذات الجودة المنخفضة، وبالتالي ستتأثر الماشية سلبيا بهذا الأمر.
شركات كبرى ولفت إلى أن زيادة الأسعار ستؤدي إلى انخفاض أرباح المربين، وبالتالي التأثير سلبا على دورة التربية القادمة التي تستغرق 6 أشهر، لأن المربي ينفق على تربية مواشيه من خلال هذا الربح، وفي ظل الوضع الحالي لن يستطيع تحصيل أي أرباح تمكنه من استمرار التربية الموسم المقبل، ما يعني ترك عدد كبير منهم لأعمالهم وانخفاض أعداد رؤوس الماشية في الأسواق وبالتالي ارتفاع أسعار اللحوم وارتباك السوق . وكشف عوض أن هناك من 4 إلى 5 شركات كبرى تتحكم في سوق الأعلاف بمصر، فهي تستورد كميات ضخمة من الخارج عندما تكون الأسعار منخفضة، ثم تقوم بتخزينها وبيعها عندما يقل المعروض في السوق وترتفع الأسعار، مؤكدا أن السوق يعاني من احتكار وتحكم عدد قليل من الشركات، يستوجب تدخل حكومة الانقلاب لمنع الممارسات الاحتكارية.
خسائر فادحة وقال فرج العربي، تاجر مواشي إن "شيكارة الذرة الدشيش 50 كيلو أصبحت ب300 جنيه مقارنة ب150 و200 جنيه". وأضاف العربي في تصريحات صحفية ، أن هناك عددا كبيرا من التجار تكبدوا خسائر فادحة بسبب ارتفاع الأسعار، لأنهم لم يكونوا يمتلكون مخزونا كافيا قبل ارتفاع الأسعار . وأكد أن ارتفاع أسعار الأعلاف تسبب في خسائر كبيرة للتجار ولمربي العجول والخرفان الحية والمواشي بصفة عامة.
زيادة أسعار العقارات وفي القطاع العقاري توقع طارق شكري رئيس غرفة التطوير العقاري أن تشهد أسعار العقارات زيادات تتراوح من 10% إلى 15% وذلك نتيجة ارتفاع أسعار المدخلات المكونة والمنتجة للعقار كالحديد والأسمنت والنحاس والألومنيوم والكابلات، فضلا عن ارتفاع أسعار العمالة، مشيرا إلى أن كل هذه الزيادات في الأسعار جاءت نتيجة الموجة التضخمية العالمية التي حدثت خلال الشهور الماضية. وقال شكري في تصريحات صحفية إن "هناك سببا رئيسيا أدى لارتفاع أسعار العقار يتمثل في زيادة أسعار الشحن التي تضاعفت خلال الفترة الماضية إلى 6 أو 7 أضعاف، مشيرا إلى أنه – على سبيل المثال – ارتفع سعر شحن كونتينر خامات الأسانسير من 1000 دولار إلى 7 آلاف دولار خلال 6 شهور فقط، بالإضافة إلى ارتفاع سعر جميع أنواع مدخلات الصناعة الأخرى الخاصة بمواد البناء، وبالتالي كل ذلك يجبر المطور أو المستثمر على رفع سعر العقار . وأضاف أن بعض المستثمرين أو المطورين يستخدمون وسائل ذكية لضمان استمرارية عمليات البيع والإقبال على الشراء، من خلال رفع السعر بشكل تدريجي كل فترة حتى لا يشعر العميل برفع السعر بشكل مفاجئ.