"القومي لذوي الإعاقة": المجلس كثف جهوده خلال الثلاث سنوات الماضية محليًّا ودوليًّا    برئاسة عوض تاج الدين.. انعقاد اجتماع مجلس أمناء جامعة أسيوط الأهلية    قافلة دعوية بمساجد رفح والشيخ زويد في شمال سيناء    تعرف على أسعار الأسماك اليوم الجمعة 9 مايو 2025    وزيرة التخطيط تعقد جلسة مباحثات مع وزير التنمية اليوناني لتعزيز العلاقات الاقتصادية    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    «تكشف عن مزايا جديدة».. بيان من الضرائب بشأن منظومة الفاتورة الإلكترونية (تفاصيل)    منها 4 مشروعات قومية.. اللجنة العليا لتراخيص الشواطئ توافق على 25 مشروعًا (تفاصيل)    نائب رئيس حزب المؤتمر: مشاركة الرئيس السيسي في عيد النصر رسالة سياسية تعكس مكانة مصر الدولية    بابا الفاتيكان وترامب.. صحف عالمية تكشف أسباب العداء    استشهاد 4 فلسطينيين فى قصف إسرائيلى على قطاع غزة    المستشار الألماني: مستعدون لزيادة الضغط على روسيا بفرض العقوبات    تعرض حكم مباراة الزمالك وسيراميكا لحادث سير    10 لاعبين يمثلون مصر في البطولة الأفريقية للشطرنج بالقاهرة    مصرع ربة منزل ونجلتها في حريق شقة سكنية ببنها    محافظة الجيزة تعلن غلق كوبري 26 يوليو لمدة 10 أيام    ضبط عاطل وابن أخيه انتحلا صفة موظفي بنك وسرقا أموال مواطن بالقاهرة    قبل افتتاحه الرسمي.. المتحف الكبير يستقبل 163 قطعة من كنوز توت عنخ آمون (تفاصيل)    تعرف على العروض المشاركة بمهرجان المسرح العالمي في دورته ال40    «الرعاية الصحية» تُقرر فتح باب التقدم للقيد بسجل الموردين والمقاولين والاستشاريين    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    تواجد صلاح ومرموش.. أفضل 11 لاعبا للجولة 36 من فانتازي الدوري الإنجليزي    محمد صلاح يحصد جائزة "لاعب الموسم" من رابطة الكتاب 22 مايو    بسبب حادث سير.. تغيير في طاقم تحكيم مباراة الزمالك وسيراميكا    سقوط شبكة دولية لغسل 50 مليون جنيه من تجارة المخدرات بمدينة نصر    سنن النبي وقت صلاة الجمعة.. 5 آداب يكشف عنها الأزهر للفتوى    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة بالأسواق (موقع رسمي)    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    خلافات عميقة وتهميش متبادل.. العلاقة بين ترامب ونتنياهو إلى أين؟    5 حالات اختناق بمنزل وحادث اعتداء على سوداني بالجيزة    بوتين: روسيا ستبقى قوة عالمية غير قابلة للهزيمة    احتفالات روسيا بالذكرى ال 80 للنصر العظيم..حقائق وأرقام    جدول امتحانات خامسة ابتدائي الترم الثاني 2025 بالقليوبية «المواد المضافة للمجموع»    مروان موسى ل«أجمد 7» ألبومى الجديد 23 أغنية..ويعبر عن حياتي بعد فقدان والدتي    حفيدة الشيخ محمد رفعت: جدى كان شخص زاهد يميل للبسطاء ومحب للقرآن الكريم    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني للطلبة المصريين في الخارج غدا    إنفانتينو يستعد لزيارة السعودية خلال جولة ترامب    «دمياط للصحة النفسية» تطلق مرحلة تطوير استثنائية    افتتاح وحدة عناية مركزة متطورة بمستشفى دمياط العام    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 9- 5- 2025 والقنوات الناقلة    أسعار الدولار أمام الجنيه المصري.. اليوم الجمعة 9 مايو 2025    جوميز: مواجهة الوحدة هي مباراة الموسم    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجارب لأنظمة صواريخ باليستية قصيرة المدى    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    أحمد داش: الجيل الجديد بياخد فرص حقيقية.. وده تطور طبيعي في الفن    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رابعة- قندهار.. سلميتنا ورصاصهم

قبل ثماني سنوات وقعت مجزرة رابعة التي راح ضحيتها ألف شهيد، وقبلها بعام وقعت مجزرة أصغر على يد جنود أمريكان في ولاية قندهار الأفغانية التي سيطرت عليها طالبان قبل ثلاثة أيام ضمن العديد من الولايات الأخرى في إطار معركتها الحالية لاستعادة حكمها على كل أفغانستان، والذي فقدته منذ عشرين عاما إثر الغزو الأمريكي.
الحقيقة أنه لا رابط بين المذبحتين، ولا تشابه من حيث الجاني أو عدد الضحايا، ولكن ما يقفز إلى الذهن في ذكرى مذبحة رابعة التي تواكبت مع الانتصارات المتواصلة لحركة طالبان واقترابها من دخول العاصمة كابل هو معادلة السلمية والرصاص.
فمن فوق منصة رابعة انطلقت صيحة مرشد الإخوان الدكتور محمد بديع "سلميتنا أقوى من الرصاص"، والحقيقة أنها لم تنقذ المعتصمين السلميين من رصاص الجيش والشرطة الذي حصد أرواح مئات الأرواح البريئة في ساعات قليلة، في حين رفعت حركة طالبان شعار"الجهاد المسلح" أو الرصاص في وجه تحالف دولي واسع بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؛ يمتلك أعتى وأحدث الأسلحة، وحكومة محلية عميلة لذلك التحالف.

وقد نجحت الحركة بعد عشرين عاما من طردها من الحكم في أن تسترد العديد من الولايات مع انسحاب القوات الأمريكية والغربية؛ تطبيقا لاتفاق سياسي جرى توقيعه في الدوحة قبل عام مع حركة طالبان نفسها. والحقيقة أن توقيع ذلك الاتفاق لم يكن هدية مجانية من الولايات المتحدة، كما لم يكن محض نبل أو كرم أمريكي تجنبا لإراقة الدماء، بل جاء بعد عشرين عاما من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان عقب تفجيرات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، والتي نفذها تنظيم القاعدة الذي كان يتخذ من أفغانستان في تلك الفترة مقرا له، وبالتالي تم تحميل حركة طالبان المسئولية عن تلك التفجيرات رغم أنها لم تكن مسئولة بشكل مباشر، لكنها كانت هدفا سهلا للأمريكان للثأر والانتقام، وتبريد نار الشعب الأمريكي الغاضب.

خلال عشرين عاما من الاحتلال لم تتوقف المقاومة، كانت تشتعل حينا وتهدأ حينا، وأوقعت الآلاف من القتلى والجرحى في صفوف القوات الغازية وحلفائها المحليين، وهو ما دفع إلى تصاعد الأصوات الأمريكية المطالبة بالانسحاب من أفغانستان مع استمرار وصول نعوش الضباط والجنود من ساحة المعركة، وأصبح الانسحاب من أفغانستان هدفا محل إجماع قومي أمريكي لا يختلف فيه الحزب الجمهوري الذي قاد الغزو ثم بدأ المفاوضات مع طالبان في أواخر حكم ترامب؛ عن الحزب الديمقراطي الذي نفذ الانسحاب مع بداية حكم بايدن.
كان من الطبيعي أن تحمل حركة طالبان السلاح في مواجهة الغزو الأمريكي، وهو التصرف الطبيعي لمواجهة أي احتلال أجنبي، وهو ما تفعله حماس في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بل ما فعله المصريون من قبل ضد الاحتلال الإنجليزي؛ بمشاركة كل الفصائل الوطنية ومنها التنظيم الخاص لجماعة الإخوان الذي تأسس خصيصا لهذا الغرض.
وكان من الطبيعي لحركة تحررية أن توفر السلاح لمقاتليها بكل الطرق الممكنة، سواء عبر الشراء من السوق السوداء، أو عبر اغتنامها من قوات العدو، أو حتى من الدول الصديقة، ومن الطبيعي أن توظف طالبان التناقضات الدولية القائمة لصالحها خاصة الخلاف الصيني الأمريكي، والذي فتح أمام الحركة مخازن السلاح الصيني.
وقد نجحت الحركة بسلاحها وبعقيدتها الجهادية في إجبار المحتل على الجلوس على طاولة تفاوض معها بعد أن صنفها كحركة إرهابية، ووافق المحتل بعد جلسات التفاوض على الانسحاب من أفغانستان على مراحل تنتهي آخرها بحلول 31 آب/ أغسطس الجاري. ومع تنفيذ هذه المرحلة الأخيرة تهاوت الروح المعنوية لقوات الحكومة المحلية العميلة، وبالتالي سقطت المدن والولايات الأفغانية تباعا في قبضة طالبان، وكانت منها ولاية قندهار أحد المعاقل القديمة للحركة، والتي مثلت رمزا لحكمها في الوعي المصري؛ حتى تم وصف مليونية المطلب الوحيد (تسليم السلطة) في 29 تموز/ يوليو 2011 بجمعة قندهار، نظرا لغلبة الجلابيب واللحى على المظاهرة.
الانتشاء بانتصارات حركة طالبان لم يقتصر على أنصارها داخل أفغانستان بل شمل الكثيرين في عموم العالم الإسلامي وفي القلب منه مصر، وخاصة لدى المكلومين وضحايا الانقلاب والاستبداد. وبعض هؤلاء المنتشين بانتصارات طالبان يزعمون أن تجربة طالبان أكدت أن المقاومة المسلحة هي فقط الطريق لمقاومة الانقلاب العسكري ونظام السيسي في مصر، ويجددون سخريتهم من شعار"سلميتنا أقوى من الرصاص"، الذي أطلق من فوق منصة رابعة والذي وقعت بعده بأيام المذبحة البشعة.
الحقيقة أن صاحب هذا الشعار الدكتور محمد بديع يستحق جائزة نوبل للسلام لأنه أنقذ مصر من حرب أهلية مدمرة كانت لتسيل بحورا أكبر من الدماء، والحقيقة أن الزعم بأن المقاومة المسلحة هي الحل الوحيد لمواجهة الانقلاب هو نوع من السذاجة التي لا تعرف أو تتجاهل أحكام الشرع حول عصمة الدماء (ولا يغير هذه الأحكام انتهاك العسكر لها وارتكابهم لمذبحتي رابعة والنهضة وغيرهما)، كما لا تعرف حسابات موازين القوى، وتتوهم أن امتلاك عدة قطع من السلاح الخفيف، أو القنابل البدائية كفيلة بهزيمة جيش يمتلك أقوى الأسلحة الخفيفة والثقيلة، ناهيك عن اختلاف طبيعة المعركة بين أفغانستان ومصر.
ففي أفغانستان واجهت طالبان غزوا أجنبيا وحكومة محلية تابعة له، واستغلت طبيعة جغرافية، وتناقضات دولية وإقليمية ساعدتها بالمال والسلاح، أما في مصر فإن المواجهة هي مواجهة محلية بين مصريين، ولا يصلح لها إلا الطرق السلمية، وهي كثيرة وتصل إلى حد العصيان المدني الذي لم تتم تجربته بعد؛ ربما لعدم توفر البيئة الملائمة له، والتي تحتاج إلى جهد كبير في معركة الوعي.
خيار القوة المسلحة في مواجهة النظم الانقلابية والاستبدادية، وفي ظل انقسام مجتمعي هو خيار غاشم، يوفر غطاء شعبيا لتلك الأنظمة، ويمنحها الفرصة لاستخدام قوتها الغاشمة للإجهاز تماما على كل دعاة الحرية والتغيير والديمقراطية، والقضاء المبرم على روح المقاومة لدى الشعب، وقتل أي أمل في التغيير.
وفي المقابل، فإن المقاومة السلمية بأشكالها المتعددة هي التي توفر للشعب فرصة للنضال من أجل حقوقه، وهي التي تمنحه الأمل لاستعادة هذه الحقوق كما حدث في تجارب دول وشعوب أخرى، وهي التي يمكن أن تجد بيئة حاضنة محليا أو دوليا حسب قدرة المتصدرين لتلك المقاومة على طرح بضاعتهم، بالخطاب واللغة المناسبين.
استمرار المقاومة السلمية ولو في حدها الأدنى لمدة ثماني سنوات أمر جيد بحد ذاته؛ في مواجهة نظام يمتلك كل أدوات القوة الغاشمة ولديه داعمون ورعاة إقليميون ودوليون، لكن هذه المقاومة السلمية تحتاج إلى تطوير في الأدوات والسياسات والشخوص، والاستفادة من التغيرات والتقلبات والتناقضات السياسية المحلية والإقليمية والدولية، كما فعلت طالبان التي استمرت مقاومتها قبل الانتصار لمدة عشرين عاما، كما استمرت مقاومة غيرها لعقود أطول قبل أن تحقق نصرا. ولنا في تجارب شعوب قاومت الانقلابات العسكرية بالطرق السلمية في أمريكا الجنوبية وأسيا وأفريقيا؛ عبرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.