محافظ كفرالشيخ يناقش عددا من الملفات ومشاكل الدوائر مع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ    محافظ بورسعيد: هذه إنجازات الدولة المصرية على أرض المحافظة خلال عام    ترامب: الإيرانيون سيحتاجون المال لإعادة البلاد إلى سابق عهدها    بورتو يستقر على إقاله مدربه عقب الإقصاء من المونديال والتعادل مع الأهلي    حكم نهائي بإلغاء سحب أرض الزمالك في مرسى مطروح    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث إنقلاب ميكروباص بطريق أسيوط الغربي    رئيس الوزراء: 53 ألف ممول دخلوا على المنظومة الضريبية الجديدة    محافظ الغربية يتابع سير العمل بمشروع الصرف الصحي في عزبة الناموس بسمنود    الاتحاد العربي للفنادق والسياحة يُكلف محمد العجلان سفيرًا للاتحاد.. ويُشكل الهيئة العليا للمكتب بالسعودية    رئيس الأركان يشهد تخرج دورات من دارسي الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا    ترامب: مسؤولون أمريكيون وإيرانيون يجرون مباحثات الأسبوع المقبل    الصين: مستعدون للعمل مع "بريكس" لإحلال السلام في الشرق الأوسط ودعم الأمن الإقليمي    صلاة البراكليسي من أجل شفاء المرضى وتعزية المحزونين    قرار جمهوري بإضافة كلية الطب البشري إلى كليات "جامعة الحياة" الخاصة    مصدر من اتحاد الكرة ل في الجول: إقامة كأس مصر خلال تحضيرات المنتخب لكأس الأمم    الزمالك يستعيد أرض مرسى مطروح بحكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا    مجلس جامعة المنوفية يعلن الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد 2025/2026    مصرع طفل غرقا في بحر يوسف ببني سويف    أبو يطرح أولى أغنيات ألبومه "توبة" بعنوان "أحلى حاجة".. (فيديو)    أيمن سليم: "عبلة كامل حالة استثنائية وهتفضل في القلب"    أجمل عبارات ورسائل التهاني بمناسبة رأس السنة الهجرية الجديدة 1447ه    بعد قليل.. الإفتاء تعلن موعد أول أيام العام الهجري 1447    الإفتاء تكشف عن حكم التهنئة بقدوم العام الهجري    رئيس الوزراء يستعرض تعاون "أكسفورد" و500500 في علاج السرطان    شرب الماء أثناء الأكل يزيد الوزن- هل هذا صحيح؟    جيش الاحتلال يعلن اعتراض مسيرة أطلقت من اليمن قبل دخولها المجال الجوي    الرقابة الإدارية تنفى صدور أى تكليفات لها بضبط عضو نيابة عامة أو ضباط    عاطل يقتل شقيقه السائق بعيار ناري خلال مشاجرة بسبب خلافات بشبرا الخيمة    الرقابة الإدارية توكد عدم صحة ما تداول بشأن ضبط أحد أعضاء الهيئات القضائية    التعامل مع 92 شكوي..محافظ الجيزة يتابع نتائج لقاءات المواطنين بالأحياء والمراكز    الحرية المصرى: 30 يونيو استردت هوية الدولة المصرية.. والاصطفاف الوطني "ضرورة"    «النداهة».. عرض مسرحي في «ثقافة القصر» بالوادي الجديد    «أجهزة لكشف الكذب».. 4 أبراج تستطيع اكتشاف الأشخاص المزيفة من جلسة واحدة    "حماية التراث الثقافى الغارق بالمياه الاقتصادية" ورشة العمل بمكتبة الإسكندرية    «يومين في يوليو».. «المحامين» تعلن موعد الإضراب العام اعتراضًا على الرسوم القضائية    في الذكرى ال12.. مجمع إعلام القليوبية يحيي ثورة 30 يونيو    زد يضع الرتوش النهائية على صفقة ضم خالد عبد الفتاح من الأهلي    منتخبا شباب وشابات الطائرة الشاطئية يتوجهان للمغرب استعدادا للبطولة الأفريقية    سجل سلبي يطارد العين قبل مواجهة الوداد في كأس العالم للأندية    المدير التنفيذي للتأمين الصحي الشامل: التحول الرقمي ضرورة لتحقيق العدالة في إتاحة الخدمات الصحية    محافظ الدقهلية: 1517 مواطنا استفادوا من القافلة الطبية المجانية بميت غمر    في أسبوعين..تامر حسني يكسر حاجز ال 12 مليون مشاهدة ب حلال فيك    التقويم الهجري: من الهجرة إلى الحساب القمري.. قصة زمنية من عهد عمر بن الخطاب حتى اليوم    «حمى القراءة.. دوار الكتابة».. جديد الروائي الأردني جلال برجس    الأمم المتحدة: وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران فرصة لتفادي تصعيد كارثي    من البحر إلى الموقد.. كيف تؤمن سفن التغويز احتياجات مصر من الغاز؟    «العربية لحقوق الإنسان»: مراكز المساعدات لمؤسسة غزةتشكل انتهاكاً خطيراً لمبادئ القانون الإنساني    محافظ الجيزة يتابع ميدانياً جهود إطفاء حريق بمخزن دهانات بمنطقة البراجيل بأوسيم    قرار جمهوري بتعيين سلافة جويلي مديرا للأكاديمية الوطنية للتدريب    المشاط تبحث مع المنتدى الاقتصادي العالمي تفعيل خطاب نوايا «محفز النمو الاقتصادي والتنمية»    تطور قضائي بشأن السيدة المتسببة في حادث دهس "النرجس"    خالد عبد الغفار يوجه بضرورة تطوير التقنيات الحديثة في مجال الصحة الرقمية    محافظ القاهرة يبحث مع وزير الثقافة تحويل حديقة الأندلس لمركز فنى وثقافى    وزير الرياضة: منتخب اليد يستحق جهازا فنيا على أعلى مستوى    صور جديدة تظهر الأضرار اللاحقة بمنشآت فوردو وأصفهان ونطنز    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة.. مواجهات نارية في كأس العالم للأندية    رسميًا درجات تنسيق الثانوية العامة 2025 في بورسعيد.. سجل الآن (رابط مباشر)    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخيرًا وبعد عقدين من الزمان.. لماذا في سبتمبر أمريكا تقرر إنهاء احتلال أفغانستان؟
نشر في بوابة الأهرام يوم 15 - 05 - 2021

دور مشبوه للإعلام الغربى لمحاولته تبييض صفحة الولايات المتحدة من جرائم وانتهاكات ارتكبتها قواتها ضد المدنيين الأفغان.
التقارير الصحفية تستعرض خسائر «العم سام» المادية والبشرية خلال العشرين عاما وتعتبرها تضحيات.. وتتجاهل خراب دولة بالكامل على يد المحتل.
تضارب تقديرات تكاليف الغزو على واشنطن.. وتعتيم شامل علي كميات اليورانيوم والزمرد التى استولت عليها قواتها خلال الاحتلال
إخفاء متعمد لحقائق ومعلومات وصور الغزو الأمريكى من الشبكة العنكبوتية.. تزوير التاريخ يبدأ من هنا
وقبل هذا وذاك تجدر الإشارة إلى التأكيد مجددا على أن الإعلام لم ينته دوره وأنه مازال يلعب دورا مهما وحيويا ولا نبالغ إذا قلنا استراتيجيا فى الحروب العالمية كسلاح شديد الأهمية، وأنه يجرى استخدامه فى تزييف الحقائق وتزوير التاريخ على أعلى مستوي، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك قضية غزو واحتلال أفغانستان من جانب الولايات المتحدة وحلفائها الاثنين والأربعين الذين شاركوها الغزو لإضفاء صفة الشرعية الدولية عليه وعدم تعرض واشنطن للانتقاد حال الاعتداء على أفغانستان وهو ما حدث بالفعل بمؤامرة دولية متعددة الأطراف، ولا أحد يملك معلومات عما إذا كان حلفاء الولايات المتحدة شاركوها الغنائم التى حصدتها على مدى عقدين من الزمان أم لا.
...
ويمكن البدء فى مناقشة القضيتين معا بالتوازى (الغزو الأمريكى لأفغانستان .. والدور المشبوه للإعلام الغربي) انطلاقا من مقدمة صغيرة نشرها الموقع الإلكترونى لفضائية فرنسا 24 فى الثانى من مايو الجاري، لتقديم فيديو قصير حول الانسحاب الأمريكى من أفغانستان.. تقول المقدمة:
"بدأت الولايات المتحدة رسميا السبت سحب آخر جنودها من أفغانستان لتنهى أطول حرب خاضها الجيش الأمريكى واستمرت عشرين عاما، بدأ التدخل الأمريكى فى أفغانستان عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر. فما هى أبرز المحطات التى مر بها الجيش الأمريكى فى أفغانستان منذ دخوله إلى البلاد لغاية انسحابه؟ "
يلاحظ وجود مغالطات تاريخية كبرى فى صياغة المقدمة بداية بوصف الغزو الأمريكى لأفغانستان الذى بدأ فى أكتوبر 2001 ب "التدخل"، مع ربط هزيل وغير موثق بينه وبين هجمات سبتمبر، ووصف الاحتلال الأمريكى لهذا البلد ب "أطول حرب خاضها الجيش الأمريكى واستمرت 20 عاما".
مع أن الأمر على الأرض كما شاهده العالم كله على الهواء مباشرة لم يكن فيه وجه شبه لحرب بين أمريكا (القوة الأعظم فى العالم) وأفغانستان (الجمهورية الصغيرة)، فجيش الاحتلال الأمريكى استخدم مطرقته الثقيلة لإحكام سيطرته على أفغانستان فى أقل وقت ممكن، وخلال أيام قليلة من بداية الغزو، أمطر مدنها وقراها بآلاف الأطنان من القنابل، وقتل مئات الآلاف من سكانها جراء القصف العنيف والمركز والمجنون، تحت مزاعم الثأر لضحايا هجمات سبتمبر من دون تقديم أى دليل يثبت تورط أفغانستان أو طالبان التى هى فى الأصل صنيعة أمريكية فى هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001 التى استهدفت برجى التجارة العالميين جنوب مانهاتن، وأصبح هو المسيطر تماما على مقدرات البلاد، وأصبح الاحتلال أمرا واقعا، وشبحا جاثما فوق صدر الشعب الأفغاني، فلم يكن فى الأمر حرب، وإنما اعتداء عنيف جدا وبالغ الشراسة من جانب واحد مع عدم وجود مقاومة على الإطلاق من الجانب الأفغاني، ما يعنى غياب أى شكل من أشكال التكافؤ على أى مستوى بين طرفى الحرب هذا إذا سلمنا بأن ما جرى فوق أراضى هذا البلد الضعيف حربا، وليس اجتياحا دمويا مدمرا للبنى التحتية والقدرات العسكرية والمؤسسات الاقتصادية الأفغانية والمجتمع بأسره.
وعندما يشار لما جرى على أنه كان حربا بين طرفين فى قناة فرنسية فهذا يعنى تجاهل كامل من جانب تلك القناة وهى منصة غربية مهمة للسياق الأصلى للأحداث، وتسطيح مقصود يهدف إلى أخذ القارئ إلى منطقة خالية من أى حقائق. ويمكن القول أن الإعلام الغربى ممثلا فى الجرائد ووكالات الأنباء العالمية، ومنصات التواصل الاجتماعي، وعبر الفضاء الالكترونى يحاول تسويق رسالة تتنافى مع أى مهنية أو حياد أو مصداقية من أى نوع.
فمن منتصف أبريل الماضى والتقارير التى تبثها هذه المواقع تفترض أنها توجه رسالتها لجمهور من المغفلين، أو المرضى بخرف الشيخوخة (الزهايمر)، وأن هذا الجمهور لا يتمتع بأى قدر من التمييز أو الفهم، ولا تحترم هذه الرسالة المراقبين والمحللين السياسيين الذين عاصروا الغزو الأمريكى لأفغانستان وكانوا شهودا على كل تفاصيله.
ويبدو وكأن القائمين على هذه المنصات يعتقدون أنه يكفى لتنفيذ مهامهم أن يعلنوا فى ميكرفون مدرسة العالم خلال طابور الصباح ما يشاءون من أخبار مفبركة بشكل ساذج يخالف الوقائع، طالما أنهم اختاروا لهذه المهمة تلاميذ حسنى المظهر يجيدون فن الإلقاء ويرتدون زيا أنيقا ويتمتعون بصوت رخيم وملامح بريئة رقيقة، وأن على جمهور المتلقين استقبال تلك الرسائل كما هي، من دون مناقشة تفاصيلها، باعتبارها الحقيقة المجردة من كل زيف، رغم أنها الزيف بعينه.
وتحت عنوان "أفغانستان تواجه لحظة تاريخية حاسمة مع استعداد الأمريكيين للانسحاب منها" كتبت ليز دوسيت كبيرة المراسلين الدوليين فى بى بى سي
البريطانية "علينا أن نطوى صفحة الحرب التى استمرت على مدار عشرين عاما"، هكذا أعلن المسئول الأمريكى عزم بلاده سحب قواتها من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر المقبل.
تبدو كلمات عنوان تقرير المحررة البريطانية وتصريحات المسئول الأمريكى أن واشنطن تقدم هدية أو تسدى معروفا للشعب الأفغانى بقرار الانسحاب من أراضيه، وكأن أفغانستان هى من اتخذ قرار الغزو الساحق لأراضيها وليست الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش "الابن".
وتستكمل ليز دوسيت تقريرها بقولها:
وبعد مرور عشرين عاما، ما الذى ترويه "صفحات الكتب" عن الأوضاع فى البلد الذى سيغادره عشرة آلاف من أفراد قوات حلف شمال الأطلسى (ناتو) بقيادة أمريكية؟
قمة التزييف
وتواصل كبيرة المراسلين الدوليين فى بى بى سى تقريرها:
"واختلف البلد كليا عن الدولة الممزقة والمنبوذة التى سيطرت عليها طالبان، وأزاحها الغزو الأمريكى فى عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر.
لكن قرار الانسحاب أصبح نهائيا، ما قد يسرع الخطوات تجاه إقرار السلام، أو الغرق فى فوضى تزيد من تشتت المجتمع الأكثر انفتاحا الذى بدأت جذوره تقوى رويدا خلال العقدين الماضيين."
...
نتيجة واحدة مباشرة وخطيرة تترتب على هاتين الجملتين للمحررة البريطانية وهى مجرد نموذج لما ينشر فى الميديا الغربية على وجه العموم بخصوص هذه القضية هى تسويق فكرة ساذجة ومضللة بأن الاحتلال الأمريكى الذى استمر عقدين كاملين جاثما على صدر الشعب الأفغانى لم يذهب إلى هناك إلا من أجل تحقيق صالح ورخاء هذا الشعب البائس الذى تخلص من حكم طالبان وبدأت جذوره تقوى خلال فترة الاحتلال!
وعلى العالم أن يعترف بفضل الاحتلال الأنجلو أمريكى لتحويله أفغانستان من دولة ممزقة ومنبوذة تسيطر عليها طالبان إلى دولة مقبولة من المجتمع الدولي!
فإذا لم يكن هذا تزويرا للتاريخ، وكذبا صريحا فى رائعة النهار، وقلبا للحقائق، واستخفافا بعقول المستقبلين من مشاهدين وقراء ومراقبين، فماذا يكون شكل ولون وطعم التزوير والتزييف والكذب؟
واللافت للنظر أن تقارير الإعلام الغربى تدعمها تصريحات الزعماء، فيما يعد منظومة متكاملة لتثبيت الأكاذيب على مهل وعلى المدى البعيد للسيطرة على عقول الشباب الذين لم يعاصروا أحداث الغزو الأمريكى الدموى لأفغانستان.
الرئيس الأمريكى جو بايدن قال أن الوقت قد حان لإنهاء الحرب فى أفغانستان مؤكدا بثقة كبيرة أنها كانت حربا وليست احتلالا ثقيلا مكلفا وأشار أن بلاده ستواصل دعمها لأفغانستان بعد سحب جميع القوات الأمريكية، ولكن ليس "عسكريا".
والسؤال الذى يجب طرحه فى هذا السياق هو:
ما الذى قدمته الولايات المتحدة لأفغانستان من قبل وخلال عشرين عاما من الاحتلال غير الخراب والقتل والتدمير وسلب الحريات والاعتقال والتعذيب وسرقة الثروات ونهب الموارد الطبيعية؟
وثمة سؤال مكمل للسؤال السابق هو: ماذا يمكنها أن تقدمه للشعب الأفغانى بعد الانسحاب إلا تركها ضعيفة لتكون نهبا للفوضى من جديد بعد أن عبثت يد المحتل فى كل محتويات هذا البلد البائس؟
وما العلة من ربط موعد الانسحاب الأمريكى من أفغانستان بذكرى هجمات الحادى عشر من سبتمبر إلا محاولة تثبيت الأكاذيب التى انطلقت بسببها الحملة الأمريكية المسعورة لاجتياح أفغانستان، وهى فى الأصل لم تكن تستند إلى أى منطق أو دليل؟
يأتى ذلك فى الوقت الذى أعلن فيه مسئولون أمريكيون وآخرون فى حلف شمال الأطلسى "ناتو" أن حركة طالبان فشلت حتى الآن فى الوفاء بالتزاماتها للحد من العنف فى أفغانستان.
...
ليس مفهوما من كلام المسئولين الغربيين عن أى التزامات يتحدثون!
فإذا كانت طالبان وهى صنيعة أمريكية بامتياز هى السبب فى جلب الاحتلال الأمريكى إلى بلادهم، وإذا كان الهدف الأول من الغزو الأمريكى هو القضاء على طالبان، وإذا كان المسئولون الغربيون يؤكدون أن الغزو خلص الشعب الأفغانى من حكم طالبان، فما الذى يعيد طالبان إلى الصورة من جديد؟
هل ما زالت موجودة؟
بعد عشرين عاما من الاحتلال يفترض أن يكون وجود طالبان قد انتهى تماما من الحياة السياسية والاجتماعية فى بلد عانى الأمرين من وجودها، بسبب جلبها لجيوش اثنتين وأربعين دولة لأفغانستان!
الرئيس الأمريكى جو بايدن قدم التحية لضحايا هجمات 11 سبتمبر، الذين قتلتهم مؤامرة أمريكية لكى تكون قضيتهم هى الذريعة والمبرر المعلن للإقدام على اقتحام دولة تبعد عن أمريكا آلاف الأميال هى أفغانستان، ولم يذكر بحرف الضحايا الأفغان الذين سحقتهم القاذفات الأمريكية وداستهم أحذية مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) وقال: "ذهبنا إلى أفغانستان بسبب هجوم مروع وقع قبل 20 عامًا. هذا لا يمكن أن يفسر لماذا يجب أن نبقى هناك فى عام 2021".
مرة أخرى يحاول بايدن إلصاق تهمة هجمات سبتمبر بطالبان لتبرير الغزو والاحتلال!
فيما حذر مسئول أمريكى كبير منذ ثلاثة أسابيع من أن طالبان "ستواجه برد قوي" إذا هاجمت القوات الأمريكية خلال مرحلة الانسحاب.
فهل تسعى واشنطن لتحفيز طالبان على مهاجمة قواتها من جديد قبل الانسحاب المقرر خلال أربعة أشهر؟
كشف حساب الغزو
قبل استعراض كشف حساب الغزو الأمريكى لأفغانستان، تجدر الإشارة إلى أن أغلب التقارير المنشورة على الشبكة العنكبوتية سواء من مواقع رسمية لصحف وفضائيات غربية، أو على منصات عامة، تكاد تخلو تماما من أية معلومات أو صور أو فيديوهات مهمة حول الغزو الأمريكى الكاسح، والاستعدادات العسكرية، والتجييش المهول الذى تم خلال أيام بعد هجمات سبتمبر، وبدأ الغزو بعد شهر واحد من تلك الهجمات وهى فترة محدودة جدا لشن حرب بهذا الحجم مع وضع المسافة الكبيرة جدا بين البلدين فى الاعتبار أما المعلومات المتوفرة عن الغزو فكلها تعكس وجهة النظر الأمريكية فقط، أو تقدم معلومات من منظور أمريكى غربى بحت، وهناك ندرة ملحوظة فى كل ما يتعلق بالانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان، وجرائم الحرب التى ارتكبتها قوات الاحتلال الأمريكية ضد المدنيين الأفغان فى المقام الأول، والتى لم يسلم منها المسلحون أيضا، وكأن هناك عملية تجريف معلوماتى مقصودة تمت بليل على الفضاء الالكتروني.
وعينة التقارير المنشورة عن هذا الغزو المطول ما نشرته شبكة بى بى سى البريطانية على سبيل المثال وتحت عنوان:
كم كلف ذلك الصراع الولايات المتحدة؟
للحقيقة وجه آخر
تتنوع التقارير الغربية التى تعدد خسائر الولايات المتحدة الأمريكية فى هذا الغزو، وتتباين الأرقام المعلنة عن تكلفة الحرب على واشنطن، وتتراوح الأرقام بداية من 600 مليار دولار، لتصل فى بعض التقارير إلى اثنين تريليون دولار، أما عن الخسائر البشرية فلم تزد عن 2400 قتيل وحوالى 20 ألف جريح.
التقارير المتاحة على الشبكة العنكبوتية تصور الولايات المتحدة ممولا خاسرا للحرب، فهى ذهبت بجيوشها الجرارة، وأسلحتها الفتاكة، ومقاتلاتها وقاذفاتها الاستراتيجية وحاملات طائراتها، وأنفقت ما يقدر بمائة مليار دولار على الحرب فى العام الواحد، وألقت بزهرة شبابها فى أتون حرب طويلة فقط لكى تحارب الإرهاب الدولى ممثلا فى صنيعتها طالبان والقاعدة ولكى تقتل أسامة بن لادن بوصفه الرأس المدبر للإرهاب العالمى وهى رسالة إنسانية من دون أدنى شك لحفظ السلام العالمي!
أما صور وتفاصيل المجازر البشرية، ومئات آلاف الضحايا من المدنيين الأفغان الذين قتلوا على يد مشاة البحرية الأمريكية وقوات إيساف، والمعتقلين الأفغان الذين أحرقتهم قوات الاحتلال داخل صناديق السيارات الحديدية خلال عمليات نقلهم والتى تكررت فى حالات كثيرة وتناقلتها وسائل الإعلام العالمية فى وقتها بكثير من التفاصيل، أما كل القصص المأساوية التى وقعت للمواطنين الأفغان على يد قوات الاحتلال فلا ذكر لها فى التقارير الغربية ولا على الفضاء الافتراضي، لم يعد متاحا غيرما يؤيد وجهة النظر الأمريكية والغربية على حد سواء على الإنترنت.
ليتفرغ كتاب التاريخ لكتابة تاريخ مزيف، وحقائق منقوصة.
قد تكون الولايات المتحدة أنفقت ببذخ على غزو أفغانستان، لكنها كانت توفر تمويلا لمشروع اقتصادى جيوسياسي، ولم تلق بأموالها على الأرض.
كما أن هذه التكلفة خربت بلدا آخر هو أفغانستان، ولم تعمره.
وفى المقابل وهذا ما لم تذكره التقارير الصحفية الأوروبية والأمريكية ولن تذكره
كم استفادت أمريكا من غزوها لأفغانستان؟
هذا السؤال يحتاج إلى مجلدات من أجل الإجابة عليه.
فأفغانستان بلد فقير وبائس بسبب استهدافه من القوى العظمى منذ عقود، السوفييت غزوه فى الفترة من 1978، وحتى 1989، ثم غزاه الأمريكيون واحتلوه من 2001 إلى الآن، ومع ذلك، فالثروات المعدنية التى تملكها أفغانستان تقدر بثلاثة تريليونات دولار وفقا لخبراء غربيين، والولايات المتحدة لم تجشم جنودها عناء الحرب فى الجبال لمطاردة فلول الإرهاب المتشدد كما تدعي، ولا لحفظ أمن واستقرار العالم، ولكن الوقائع تؤكد استيلاء الأمريكيين على مناجم الزمرد والأحجار الكريمة من اللحظة الأولى التى وطأت فيها أحذية جنودها الأراضى الأفغانية، كما استولت على كميات كبيرة جدا من اليورانيوم فى هلمند التى شهدت قصفا أمريكيا مكثفا ومواجهات عنيفة بين قوات الاحتلال ومسلحى القاعدة.
فالأمريكيون لم يذهبوا إلى أفغانستان للتنزه، ولا لحفظ أمن واستقرار العالم، فهذه أيضا كذبة كبرى لم يصدقها العالم يوما.
حقق الأمريكيون فى الخفاء أهدافهم المنشودة بالاستيلاء على ثروات هذا البلد الفقير، وعززوا مصالحهم، وتمكنوا من تأمين طريق مرور النفط من منطقة بحر قزوين الغنية بالبترول للاستيلاء عليها واستثمارها لصالح الاحتكارات الأمريكية فيما بعد، ومن ثم التحكم بالعالم كله بما فيه حلفاءها وخصوصاً الاتحاد الأوروبي.
ويبقى سؤال أخير.. لماذا قررت واشنطن سحب قواتها من أفغانستان؟
يمكن ابتسار الإجابة فى أضيق الحدود بأنها حققت كل أهدافها الخفية المتعلقة بمصالحها الجيوسياسية الخاصة بالمنطقة وكذا مصالحها الاقتصادية والعسكرية، وربما بدأ وجودها يشكل تكلفة لن يرجى منها مردود، ويمكن التوسع فى الإجابة بملء مجلدات عن حجم الثروات التى جرفتها من هذا البلد، أما عن أهدافها المعلنة من الغزو فلم يتحقق منها غير قتل أسامة بن لادن، ولا أحد يتصور أن اغتياله كان يجب أن يتم بهذه التكلفة الباهظة، لأن حركة طالبان مازالت موجودة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.