أماكن الكشف الطبي للمرشحين في انتخابات مجلس النواب    وزيرة التضامن تتلقى تقريرًا عن جهود الاستجابة لارتفاع منسوب نهر النيل بقرى محافظة المنوفية    حزب السادات يدعو لإحياء ذكرى نصر أكتوبر أمام ضريح بطل الحرب والسلام بالمنصة    «النهر الجديد».. شريان أمل تشقه مصر في زمن المشهد المائي المربك    أسعار الذهب فى قطر اليوم السبت 2025.10.4    استشهاد 3 فلسطينيين في قصف مدفعي وسط خان يونس    فيريرا: لا أفهم هجوم جماهير الزمالك بسبب اللغة، ومحبط من التعادل أمام المحلة    خبير: الزواج السري قنبلة اجتماعية موقوتة تهدد الميراث وتقطع الأرحام    سلوى عثمان تنضم لفريق عمل "كلهم بيحبوا مودي"    وزير السياحة والآثار يفتتح مقبرة الملك أمنحتب الثالث بالأقصر    نائب وزير الصحة يوجه بمعاقبة المتغيبين عن العمل بمركز طب الأسرة بالسنانية في دمياط    خبير بالأهرام: خطة ترامب لغزة تفتقد التفاصيل والضمانات الكافية    جمال نزال: خطة ترامب تؤجل الاعتراف بفلسطين رغم دعم دول كبرى لها    طوفان بشري.. مئات الآلاف يتظاهرون في برشلونة ضد الإبادة الجماعية في غزة والاحتلال الإسرائيلي    رئيس جامعة جنوب الوادي يناقش الحوكمة الإلكترونية للتغذية بالمدن الجامعية    استقبل تردد قناة صدى البلد دراما 2025 الجديد على نايل سات    الدوري الألماني.. بوروسيا دورتموند يسقط في فخ لايبزيج    انتهاء الشوط الأول بالتعادل السلبي بين طلائع الجيش والجونة    عميد كلية البنات الإسلامية بجامعة الازهر بأسيوط يفتتح المعرض الخيري السنوي بالكلية    ضبط عدد من قضايا الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    أقوى عرض لشحن شدات ببجي موبايل 2025.. 22،800 UC مجانًا    الأرصاد: غدا الأحد طقس حار نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 31    أسعار البنزين والسولار السبت 4 أكتوبر 2025    مستقبل وطن بكفر الشيخ يدفع ب4 مرشحين في القائمة الوطنية لانتخابات النواب 2025 | خاص    "بداية أسطورية ل Kuruluş Osman 7" موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عثمان على قناة الفجر الجزائرية    خبير متاحف: المتحف المصري الكبير ليس مجرد مشروع سياحي بل بيت للمجتمع المصري    وزير الخارجية يؤكد أهمية تكاتف جهود أبناء الوطن في الداخل والخارج لدعم المصالح المصرية والدفاع عنها    مواقيت الصلاه اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في المنيا    حكومة جنوب إفريقيا: نرحب بالتقدم المحرز نحو اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة    رئيس الوزراء: صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية في مصر صناعة عريقة    أضرار الزيت المعاد استخدامه أكثر من مرة.. سموم خفية    غدا احتفالية نقابة الصحفيين بذكرى نصر أكتوبر المجيد    محلل سياسي: القاهرة تستضيف مباحثات حاسمة لوضع جداول زمنية لانسحاب إسرائيل    افتتاح فرع جديد للخط الساخن لصندوق مكافحة الإدمان لأول مرة بالسويس لعلاج المرضى مجانا    بطل رفع الأثقال البارالمبى: إقامة بطولة العالم بالعاصمة الإدارية حدث تاريخى    تأجيل محاكمة المتهم بقتل شاب من ذوى الهمم بالبحيرة لجلسة 7 أكتوبر    أبرز إنجازات خالد العنانى المرشح لمنصب مدير اليونسكو    الصحة تطلق النسخة الخامسة من مؤتمر قلب زايد بمشاركة نخبة من خبراء أمراض القلب    وكيل صحة سوهاج يتابع أعمال لجنة الكشف الطبي للمرشحين المحتملين لمجلس النواب    منح النيابة حق التحقيق بدون محام يثير أزمة باجتماع مناقشة الاعتراض على "الإجراءات الجنائية"    السيسي يتابع توفير التغذية الكهربائية للمشروعات الزراعية الجديدة.. فيديو    حريق هائل بمصنع بلاستيك في العاشر من رمضان    " سي إن بي سي": توقعات باستمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي حتى 14 أكتوبر وسط تعثر المفاوضات    وكيل الشباب والرياضة بالفيوم يشهد انطلاق الدورة الأساسية رقم 578 للمدربين والإداريين    محافظة الإسكندرية تتوج بجائزة سيول للمدن الذكية    وزير الزراعة يعلن تحقيق الصادرات الزراعية المصرية 7.5 مليون طن حتى الآن    قوافل طبية وغذائية لدعم الأسر المتضررة من ارتفاع منسوب مياه النيل بدلهمو بالمنوفية    موجة انتقادات لاذعة تطارد محمد صلاح.. ماذا فعل النجم المصري؟    ما حكم من لم يقدر على الوضوء لأجل الصلاة؟.. الإفتاء توضح    ننشر أسماء المرشحين للفردى والقائمة للتحالف الوطني ببنى سويف للانتخابات البرلمانية 2025 (خاص)    هالة عادل: عمل الخير وصنع المعروف أخلاق نبيلة تبني المحبة بين البشر    بينهم طفلان.. 6 شهداء في قصف الاحتلال غزة وخان يونس    تشكيل الزمالك المتوقع أمام غزل المحلة بالدوري    أسعار الحديد في المنيا اليوم السبت 4 أكتوبر 2025    دار الإفتاء توضح: حكم الصلاة بالحركات فقط دون قراءة سور أو أدعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة قنا    موعد انخفاض أسعار الطماطم في الأسواق.. الكيلو وصل 35 جنيه    وزير الخارجية يثمن الدعم الفرنسي للمرشح المصري لرئاسة اليونسكو خالد العناني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخيرًا وبعد عقدين من الزمان.. لماذا في سبتمبر أمريكا تقرر إنهاء احتلال أفغانستان؟
نشر في بوابة الأهرام يوم 15 - 05 - 2021

دور مشبوه للإعلام الغربى لمحاولته تبييض صفحة الولايات المتحدة من جرائم وانتهاكات ارتكبتها قواتها ضد المدنيين الأفغان.
التقارير الصحفية تستعرض خسائر «العم سام» المادية والبشرية خلال العشرين عاما وتعتبرها تضحيات.. وتتجاهل خراب دولة بالكامل على يد المحتل.
تضارب تقديرات تكاليف الغزو على واشنطن.. وتعتيم شامل علي كميات اليورانيوم والزمرد التى استولت عليها قواتها خلال الاحتلال
إخفاء متعمد لحقائق ومعلومات وصور الغزو الأمريكى من الشبكة العنكبوتية.. تزوير التاريخ يبدأ من هنا
وقبل هذا وذاك تجدر الإشارة إلى التأكيد مجددا على أن الإعلام لم ينته دوره وأنه مازال يلعب دورا مهما وحيويا ولا نبالغ إذا قلنا استراتيجيا فى الحروب العالمية كسلاح شديد الأهمية، وأنه يجرى استخدامه فى تزييف الحقائق وتزوير التاريخ على أعلى مستوي، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك قضية غزو واحتلال أفغانستان من جانب الولايات المتحدة وحلفائها الاثنين والأربعين الذين شاركوها الغزو لإضفاء صفة الشرعية الدولية عليه وعدم تعرض واشنطن للانتقاد حال الاعتداء على أفغانستان وهو ما حدث بالفعل بمؤامرة دولية متعددة الأطراف، ولا أحد يملك معلومات عما إذا كان حلفاء الولايات المتحدة شاركوها الغنائم التى حصدتها على مدى عقدين من الزمان أم لا.
...
ويمكن البدء فى مناقشة القضيتين معا بالتوازى (الغزو الأمريكى لأفغانستان .. والدور المشبوه للإعلام الغربي) انطلاقا من مقدمة صغيرة نشرها الموقع الإلكترونى لفضائية فرنسا 24 فى الثانى من مايو الجاري، لتقديم فيديو قصير حول الانسحاب الأمريكى من أفغانستان.. تقول المقدمة:
"بدأت الولايات المتحدة رسميا السبت سحب آخر جنودها من أفغانستان لتنهى أطول حرب خاضها الجيش الأمريكى واستمرت عشرين عاما، بدأ التدخل الأمريكى فى أفغانستان عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر. فما هى أبرز المحطات التى مر بها الجيش الأمريكى فى أفغانستان منذ دخوله إلى البلاد لغاية انسحابه؟ "
يلاحظ وجود مغالطات تاريخية كبرى فى صياغة المقدمة بداية بوصف الغزو الأمريكى لأفغانستان الذى بدأ فى أكتوبر 2001 ب "التدخل"، مع ربط هزيل وغير موثق بينه وبين هجمات سبتمبر، ووصف الاحتلال الأمريكى لهذا البلد ب "أطول حرب خاضها الجيش الأمريكى واستمرت 20 عاما".
مع أن الأمر على الأرض كما شاهده العالم كله على الهواء مباشرة لم يكن فيه وجه شبه لحرب بين أمريكا (القوة الأعظم فى العالم) وأفغانستان (الجمهورية الصغيرة)، فجيش الاحتلال الأمريكى استخدم مطرقته الثقيلة لإحكام سيطرته على أفغانستان فى أقل وقت ممكن، وخلال أيام قليلة من بداية الغزو، أمطر مدنها وقراها بآلاف الأطنان من القنابل، وقتل مئات الآلاف من سكانها جراء القصف العنيف والمركز والمجنون، تحت مزاعم الثأر لضحايا هجمات سبتمبر من دون تقديم أى دليل يثبت تورط أفغانستان أو طالبان التى هى فى الأصل صنيعة أمريكية فى هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001 التى استهدفت برجى التجارة العالميين جنوب مانهاتن، وأصبح هو المسيطر تماما على مقدرات البلاد، وأصبح الاحتلال أمرا واقعا، وشبحا جاثما فوق صدر الشعب الأفغاني، فلم يكن فى الأمر حرب، وإنما اعتداء عنيف جدا وبالغ الشراسة من جانب واحد مع عدم وجود مقاومة على الإطلاق من الجانب الأفغاني، ما يعنى غياب أى شكل من أشكال التكافؤ على أى مستوى بين طرفى الحرب هذا إذا سلمنا بأن ما جرى فوق أراضى هذا البلد الضعيف حربا، وليس اجتياحا دمويا مدمرا للبنى التحتية والقدرات العسكرية والمؤسسات الاقتصادية الأفغانية والمجتمع بأسره.
وعندما يشار لما جرى على أنه كان حربا بين طرفين فى قناة فرنسية فهذا يعنى تجاهل كامل من جانب تلك القناة وهى منصة غربية مهمة للسياق الأصلى للأحداث، وتسطيح مقصود يهدف إلى أخذ القارئ إلى منطقة خالية من أى حقائق. ويمكن القول أن الإعلام الغربى ممثلا فى الجرائد ووكالات الأنباء العالمية، ومنصات التواصل الاجتماعي، وعبر الفضاء الالكترونى يحاول تسويق رسالة تتنافى مع أى مهنية أو حياد أو مصداقية من أى نوع.
فمن منتصف أبريل الماضى والتقارير التى تبثها هذه المواقع تفترض أنها توجه رسالتها لجمهور من المغفلين، أو المرضى بخرف الشيخوخة (الزهايمر)، وأن هذا الجمهور لا يتمتع بأى قدر من التمييز أو الفهم، ولا تحترم هذه الرسالة المراقبين والمحللين السياسيين الذين عاصروا الغزو الأمريكى لأفغانستان وكانوا شهودا على كل تفاصيله.
ويبدو وكأن القائمين على هذه المنصات يعتقدون أنه يكفى لتنفيذ مهامهم أن يعلنوا فى ميكرفون مدرسة العالم خلال طابور الصباح ما يشاءون من أخبار مفبركة بشكل ساذج يخالف الوقائع، طالما أنهم اختاروا لهذه المهمة تلاميذ حسنى المظهر يجيدون فن الإلقاء ويرتدون زيا أنيقا ويتمتعون بصوت رخيم وملامح بريئة رقيقة، وأن على جمهور المتلقين استقبال تلك الرسائل كما هي، من دون مناقشة تفاصيلها، باعتبارها الحقيقة المجردة من كل زيف، رغم أنها الزيف بعينه.
وتحت عنوان "أفغانستان تواجه لحظة تاريخية حاسمة مع استعداد الأمريكيين للانسحاب منها" كتبت ليز دوسيت كبيرة المراسلين الدوليين فى بى بى سي
البريطانية "علينا أن نطوى صفحة الحرب التى استمرت على مدار عشرين عاما"، هكذا أعلن المسئول الأمريكى عزم بلاده سحب قواتها من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر المقبل.
تبدو كلمات عنوان تقرير المحررة البريطانية وتصريحات المسئول الأمريكى أن واشنطن تقدم هدية أو تسدى معروفا للشعب الأفغانى بقرار الانسحاب من أراضيه، وكأن أفغانستان هى من اتخذ قرار الغزو الساحق لأراضيها وليست الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش "الابن".
وتستكمل ليز دوسيت تقريرها بقولها:
وبعد مرور عشرين عاما، ما الذى ترويه "صفحات الكتب" عن الأوضاع فى البلد الذى سيغادره عشرة آلاف من أفراد قوات حلف شمال الأطلسى (ناتو) بقيادة أمريكية؟
قمة التزييف
وتواصل كبيرة المراسلين الدوليين فى بى بى سى تقريرها:
"واختلف البلد كليا عن الدولة الممزقة والمنبوذة التى سيطرت عليها طالبان، وأزاحها الغزو الأمريكى فى عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر.
لكن قرار الانسحاب أصبح نهائيا، ما قد يسرع الخطوات تجاه إقرار السلام، أو الغرق فى فوضى تزيد من تشتت المجتمع الأكثر انفتاحا الذى بدأت جذوره تقوى رويدا خلال العقدين الماضيين."
...
نتيجة واحدة مباشرة وخطيرة تترتب على هاتين الجملتين للمحررة البريطانية وهى مجرد نموذج لما ينشر فى الميديا الغربية على وجه العموم بخصوص هذه القضية هى تسويق فكرة ساذجة ومضللة بأن الاحتلال الأمريكى الذى استمر عقدين كاملين جاثما على صدر الشعب الأفغانى لم يذهب إلى هناك إلا من أجل تحقيق صالح ورخاء هذا الشعب البائس الذى تخلص من حكم طالبان وبدأت جذوره تقوى خلال فترة الاحتلال!
وعلى العالم أن يعترف بفضل الاحتلال الأنجلو أمريكى لتحويله أفغانستان من دولة ممزقة ومنبوذة تسيطر عليها طالبان إلى دولة مقبولة من المجتمع الدولي!
فإذا لم يكن هذا تزويرا للتاريخ، وكذبا صريحا فى رائعة النهار، وقلبا للحقائق، واستخفافا بعقول المستقبلين من مشاهدين وقراء ومراقبين، فماذا يكون شكل ولون وطعم التزوير والتزييف والكذب؟
واللافت للنظر أن تقارير الإعلام الغربى تدعمها تصريحات الزعماء، فيما يعد منظومة متكاملة لتثبيت الأكاذيب على مهل وعلى المدى البعيد للسيطرة على عقول الشباب الذين لم يعاصروا أحداث الغزو الأمريكى الدموى لأفغانستان.
الرئيس الأمريكى جو بايدن قال أن الوقت قد حان لإنهاء الحرب فى أفغانستان مؤكدا بثقة كبيرة أنها كانت حربا وليست احتلالا ثقيلا مكلفا وأشار أن بلاده ستواصل دعمها لأفغانستان بعد سحب جميع القوات الأمريكية، ولكن ليس "عسكريا".
والسؤال الذى يجب طرحه فى هذا السياق هو:
ما الذى قدمته الولايات المتحدة لأفغانستان من قبل وخلال عشرين عاما من الاحتلال غير الخراب والقتل والتدمير وسلب الحريات والاعتقال والتعذيب وسرقة الثروات ونهب الموارد الطبيعية؟
وثمة سؤال مكمل للسؤال السابق هو: ماذا يمكنها أن تقدمه للشعب الأفغانى بعد الانسحاب إلا تركها ضعيفة لتكون نهبا للفوضى من جديد بعد أن عبثت يد المحتل فى كل محتويات هذا البلد البائس؟
وما العلة من ربط موعد الانسحاب الأمريكى من أفغانستان بذكرى هجمات الحادى عشر من سبتمبر إلا محاولة تثبيت الأكاذيب التى انطلقت بسببها الحملة الأمريكية المسعورة لاجتياح أفغانستان، وهى فى الأصل لم تكن تستند إلى أى منطق أو دليل؟
يأتى ذلك فى الوقت الذى أعلن فيه مسئولون أمريكيون وآخرون فى حلف شمال الأطلسى "ناتو" أن حركة طالبان فشلت حتى الآن فى الوفاء بالتزاماتها للحد من العنف فى أفغانستان.
...
ليس مفهوما من كلام المسئولين الغربيين عن أى التزامات يتحدثون!
فإذا كانت طالبان وهى صنيعة أمريكية بامتياز هى السبب فى جلب الاحتلال الأمريكى إلى بلادهم، وإذا كان الهدف الأول من الغزو الأمريكى هو القضاء على طالبان، وإذا كان المسئولون الغربيون يؤكدون أن الغزو خلص الشعب الأفغانى من حكم طالبان، فما الذى يعيد طالبان إلى الصورة من جديد؟
هل ما زالت موجودة؟
بعد عشرين عاما من الاحتلال يفترض أن يكون وجود طالبان قد انتهى تماما من الحياة السياسية والاجتماعية فى بلد عانى الأمرين من وجودها، بسبب جلبها لجيوش اثنتين وأربعين دولة لأفغانستان!
الرئيس الأمريكى جو بايدن قدم التحية لضحايا هجمات 11 سبتمبر، الذين قتلتهم مؤامرة أمريكية لكى تكون قضيتهم هى الذريعة والمبرر المعلن للإقدام على اقتحام دولة تبعد عن أمريكا آلاف الأميال هى أفغانستان، ولم يذكر بحرف الضحايا الأفغان الذين سحقتهم القاذفات الأمريكية وداستهم أحذية مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) وقال: "ذهبنا إلى أفغانستان بسبب هجوم مروع وقع قبل 20 عامًا. هذا لا يمكن أن يفسر لماذا يجب أن نبقى هناك فى عام 2021".
مرة أخرى يحاول بايدن إلصاق تهمة هجمات سبتمبر بطالبان لتبرير الغزو والاحتلال!
فيما حذر مسئول أمريكى كبير منذ ثلاثة أسابيع من أن طالبان "ستواجه برد قوي" إذا هاجمت القوات الأمريكية خلال مرحلة الانسحاب.
فهل تسعى واشنطن لتحفيز طالبان على مهاجمة قواتها من جديد قبل الانسحاب المقرر خلال أربعة أشهر؟
كشف حساب الغزو
قبل استعراض كشف حساب الغزو الأمريكى لأفغانستان، تجدر الإشارة إلى أن أغلب التقارير المنشورة على الشبكة العنكبوتية سواء من مواقع رسمية لصحف وفضائيات غربية، أو على منصات عامة، تكاد تخلو تماما من أية معلومات أو صور أو فيديوهات مهمة حول الغزو الأمريكى الكاسح، والاستعدادات العسكرية، والتجييش المهول الذى تم خلال أيام بعد هجمات سبتمبر، وبدأ الغزو بعد شهر واحد من تلك الهجمات وهى فترة محدودة جدا لشن حرب بهذا الحجم مع وضع المسافة الكبيرة جدا بين البلدين فى الاعتبار أما المعلومات المتوفرة عن الغزو فكلها تعكس وجهة النظر الأمريكية فقط، أو تقدم معلومات من منظور أمريكى غربى بحت، وهناك ندرة ملحوظة فى كل ما يتعلق بالانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان، وجرائم الحرب التى ارتكبتها قوات الاحتلال الأمريكية ضد المدنيين الأفغان فى المقام الأول، والتى لم يسلم منها المسلحون أيضا، وكأن هناك عملية تجريف معلوماتى مقصودة تمت بليل على الفضاء الالكتروني.
وعينة التقارير المنشورة عن هذا الغزو المطول ما نشرته شبكة بى بى سى البريطانية على سبيل المثال وتحت عنوان:
كم كلف ذلك الصراع الولايات المتحدة؟
للحقيقة وجه آخر
تتنوع التقارير الغربية التى تعدد خسائر الولايات المتحدة الأمريكية فى هذا الغزو، وتتباين الأرقام المعلنة عن تكلفة الحرب على واشنطن، وتتراوح الأرقام بداية من 600 مليار دولار، لتصل فى بعض التقارير إلى اثنين تريليون دولار، أما عن الخسائر البشرية فلم تزد عن 2400 قتيل وحوالى 20 ألف جريح.
التقارير المتاحة على الشبكة العنكبوتية تصور الولايات المتحدة ممولا خاسرا للحرب، فهى ذهبت بجيوشها الجرارة، وأسلحتها الفتاكة، ومقاتلاتها وقاذفاتها الاستراتيجية وحاملات طائراتها، وأنفقت ما يقدر بمائة مليار دولار على الحرب فى العام الواحد، وألقت بزهرة شبابها فى أتون حرب طويلة فقط لكى تحارب الإرهاب الدولى ممثلا فى صنيعتها طالبان والقاعدة ولكى تقتل أسامة بن لادن بوصفه الرأس المدبر للإرهاب العالمى وهى رسالة إنسانية من دون أدنى شك لحفظ السلام العالمي!
أما صور وتفاصيل المجازر البشرية، ومئات آلاف الضحايا من المدنيين الأفغان الذين قتلوا على يد مشاة البحرية الأمريكية وقوات إيساف، والمعتقلين الأفغان الذين أحرقتهم قوات الاحتلال داخل صناديق السيارات الحديدية خلال عمليات نقلهم والتى تكررت فى حالات كثيرة وتناقلتها وسائل الإعلام العالمية فى وقتها بكثير من التفاصيل، أما كل القصص المأساوية التى وقعت للمواطنين الأفغان على يد قوات الاحتلال فلا ذكر لها فى التقارير الغربية ولا على الفضاء الافتراضي، لم يعد متاحا غيرما يؤيد وجهة النظر الأمريكية والغربية على حد سواء على الإنترنت.
ليتفرغ كتاب التاريخ لكتابة تاريخ مزيف، وحقائق منقوصة.
قد تكون الولايات المتحدة أنفقت ببذخ على غزو أفغانستان، لكنها كانت توفر تمويلا لمشروع اقتصادى جيوسياسي، ولم تلق بأموالها على الأرض.
كما أن هذه التكلفة خربت بلدا آخر هو أفغانستان، ولم تعمره.
وفى المقابل وهذا ما لم تذكره التقارير الصحفية الأوروبية والأمريكية ولن تذكره
كم استفادت أمريكا من غزوها لأفغانستان؟
هذا السؤال يحتاج إلى مجلدات من أجل الإجابة عليه.
فأفغانستان بلد فقير وبائس بسبب استهدافه من القوى العظمى منذ عقود، السوفييت غزوه فى الفترة من 1978، وحتى 1989، ثم غزاه الأمريكيون واحتلوه من 2001 إلى الآن، ومع ذلك، فالثروات المعدنية التى تملكها أفغانستان تقدر بثلاثة تريليونات دولار وفقا لخبراء غربيين، والولايات المتحدة لم تجشم جنودها عناء الحرب فى الجبال لمطاردة فلول الإرهاب المتشدد كما تدعي، ولا لحفظ أمن واستقرار العالم، ولكن الوقائع تؤكد استيلاء الأمريكيين على مناجم الزمرد والأحجار الكريمة من اللحظة الأولى التى وطأت فيها أحذية جنودها الأراضى الأفغانية، كما استولت على كميات كبيرة جدا من اليورانيوم فى هلمند التى شهدت قصفا أمريكيا مكثفا ومواجهات عنيفة بين قوات الاحتلال ومسلحى القاعدة.
فالأمريكيون لم يذهبوا إلى أفغانستان للتنزه، ولا لحفظ أمن واستقرار العالم، فهذه أيضا كذبة كبرى لم يصدقها العالم يوما.
حقق الأمريكيون فى الخفاء أهدافهم المنشودة بالاستيلاء على ثروات هذا البلد الفقير، وعززوا مصالحهم، وتمكنوا من تأمين طريق مرور النفط من منطقة بحر قزوين الغنية بالبترول للاستيلاء عليها واستثمارها لصالح الاحتكارات الأمريكية فيما بعد، ومن ثم التحكم بالعالم كله بما فيه حلفاءها وخصوصاً الاتحاد الأوروبي.
ويبقى سؤال أخير.. لماذا قررت واشنطن سحب قواتها من أفغانستان؟
يمكن ابتسار الإجابة فى أضيق الحدود بأنها حققت كل أهدافها الخفية المتعلقة بمصالحها الجيوسياسية الخاصة بالمنطقة وكذا مصالحها الاقتصادية والعسكرية، وربما بدأ وجودها يشكل تكلفة لن يرجى منها مردود، ويمكن التوسع فى الإجابة بملء مجلدات عن حجم الثروات التى جرفتها من هذا البلد، أما عن أهدافها المعلنة من الغزو فلم يتحقق منها غير قتل أسامة بن لادن، ولا أحد يتصور أن اغتياله كان يجب أن يتم بهذه التكلفة الباهظة، لأن حركة طالبان مازالت موجودة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.