على طريقة فرعون، المتحكم في كافة مناحي الدولة المصرية، بالمخالفة للدساتير والقوانين، جاء تلاعب الدكتاتور عبدالفتاح السيسي الأخير بتعيينات مجلس الدولة بصورة عبثية مزرية، شوهت صورة البلاد المتدهورة أصلا منذ الانقلاب العسكري الأول 23 يوليو 1952م وصولا إلى الانقلاب الأخيرة في 3 يوليو 2013م. وفي سياق العبث بمؤسسة القضاء المصري وتواصل عمليات الترويض والإخضاع، حيث بات السيسي يملك صلاحيات تعيين رؤووساء الهيئات القضائية او مد سن تقاعدهم أو تشكيل الدوائر القضائية المخصوصة بالمخالفة للدستور، وأخيرة أصدر السيسي الجمعة 5 أغسطس 2021م، قرارين جمهوريين بتعيين 411 قاضياً جديداً في مجلس الدولة (أعلى سلطة إدارية قضائية في مصر)، من خريجي دفعتي عامي 2016 و2017، في أول تعيين بالمجلس تشارك فيه رسمياً "الأكاديمية الوطنية للتدريب" التابعة للاستخبارات العامة. وكانت الأكاديمية قد أقامت دورات تدريبية للمرشحين للتعيين على مدار عام 2020، تمّت تصفيتهم بناء عليها، ثم تمّت تصفية جديدة لهم خلال الشهرين الماضيين بواسطة الأمن الوطني والاستخبارات العامة، عبر تطبيق معايير جديدة للاختيار. وكشفت مصادر قضائية بحسب صحيفة "العربي الجديد" اللندنية أن الخريجين الذين اجتازوا الاختبارات الشفهية التي تجريها إدارة مجلس الدولة، تمّ توزيعهم في البداية على دفعات، لتلقي دروس ومحاضرات في الأكاديمية، كأداة ترشيح أخيرة ونهائية لاختيار القضاة، شأنهم في ذلك شأن المتقدمين للعمل الدبلوماسي والوظائف الحكومية الأخرى. هذا الأمر رفضه مجلس الدولة في البداية، ثم رضخ للضغوط، ما قلّص سلطته في الاختيار، على أن يتم إبلاغه بأسماء المقبولين الذين اجتازوا الاختبارات والمقابلات الشخصية، على أن يتم ترشيحهم من قبل الجهات الأمنية والسيادية والرقابية، ثم يتم إلحاق المرشحين المجازين أمنياً بالأكاديمية، وفي النهاية لا يتم تعيين إلا من اجتازوا هذه الدورة. لكن وبعد ظهور نتيجة الدورات، قررت الرئاسة إجراء عمليتين جديدتين لتخفيض عدد المعينين، الأولى أمر بها السيسي شخصياً بإخراج جميع من سبق قبولهم وتعيينهم في النيابة العامة، على عكس الآلية السابق تطبيقها منذ عقود، وبالتالي حرمانهم من فرصة الاختيار بين التعيين في الهيئتين. ويرى بعض القضاة أن هذا الأمر غير دستوري، نظراً لأن إجراءات التعيين في كل هيئة تختلف عن الأخرى، وبالتالي فإن سرعة قبول الخريج في هيئة معينة، ستؤدي إلى حجب حقه في تفعيل رغبته في التعيين بهيئة أخرى.
الأمن قبل القانون لكن العملية الثانية، وهي الأهم، شهدت إعادة للتحريات الأمنية والرقابية على أقارب الخريجين المقبولين، حتى الدرجة الرابعة، بالمخالفة لأحكام سابقة من المحكمة الإدارية العليا بحظر مؤاخذة المتقدمين بأفعال وجرائم ارتكبها أقارب لهم، أو بتصنيفات أمنية مزعومة للأقارب، حيث نتج عن هذه العملية، بحسب المصادر، استبعاد نحو 60 اسماً من المقبولين. وتضمنت المراجعة الأمنية استبعاد بعض هؤلاء لأسباب تتعلق بالآراء الشخصية لذويهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلاقات العمل الخاصة بآبائهم وأمهاتهم، وتحريات أمنية مزعومة عن معارضة بعضهم للنظام الحاكم، وذلك كله بعدما تمّت تصفية المقبولين أنفسهم حسب معايير مشابهة خلال دراستهم في الأكاديمية الوطنية. وأدت هذه المراجعات إلى تأخير إعلان المقبولين بضعة أشهر، بعدما تم بالفعل إبلاغ العشرات من المقبولين بالتعيين وخضوعهم للكشف الطبي، لتظهر الأسماء حاملة تلك التغييرات التي بلغت حد استبعاد أبناء بعض القضاة المصنفين من قبل الأمن الوطني كمعارضين للنظام.
أبناء المحظوظين من القضاة
واشتمل القراران على تعيين أبناء وأقارب مسؤولين وقضاة آخرين، على رأسهم وزير العدل عمر مروان نفسه، الذي تم تعيين نجله حسام من دفعة 2016، لتستمر أسرته على طريقها في التعيينات القضائية. ويأتي ذلك علماً بأن شقيقي الوزير أيضاً قاضيان (منهما قاض قتل في حادث مسلح بالعريش على تنظيم ولاية سيناء)، كما أن أسرة مروان تتقارب بصور مختلفة حالياً مع السلطة، حيث تزوج ابن شقيقته في مارس الماضي، ابنة شقيقة السيسي. واللافت أن وزير العدل نفسه هو من أشرف مع الاستخبارات العامة على وضع المواد والمقررات الخاصة بالمرشحين للتعيينات القضائية في الأكاديمية الوطنية، كما شارك باعتباره المسؤول التنفيذي الحالي عن المجلس الأعلى للهيئات القضائية الذي يترأسه السيسي ويشرف على معايير استبعاد واختيار المقبولين، وإذا بالقرار يتضمن تعيين نجله في مجلس الدولة. كما شمل القرار تعيين العشرات من أبناء وأحفاد قضاة النقض والجنايات ومجلس الدولة، والقائمة تطول. لكنّ مفارقتين تبرزان، هما تعيين أخوين توأم هما مصطفى ومحمود توفيق عليان، نجلا رئيس محكمة جنايات طنطا، توفيق عبد العظيم عليان، في دفعة 2016، واثنين من أبناء قاض واحد، في مجلس الدولة، هما عمر وزياد أبو بكر جمعة الجندي، في الدفعتين. تلك المهازل تضرب العدالة في مقتل، ذلك أن ولاء هؤلاء القضاة الجدد سيكون للنظام لا القانون أو العدالة ، وسيتكون الأوامر الصادرة لهم من الأجهزة الأمنية تعلو فوق نصوص القانون، وتعلو فوق العدالة نفسها وقواعد الإنصاف؛ الأمر الذي يدخل مصر بقوة في نفق المظالم التي لا تنتهي إلا بدمار كل شيء، وخيانةأاهل النظام لمقدرات الدولة والوطن، ارضاءً لمن أتى بهم وعينهم ويتحكم فيهم. كما ينذر عبث السيسي بقضاء مجلس الدولة أعلى جهة قضائية بالدولة، بالمزيد من بيع مصر بالقطعة كما جرى مع جزيرتي تيرانن وصنافير، والتي لا ينسى السيسي أحكام مجلس الدولة التي احرجته باعتبارها مصرية لا يجوز بيعها أو التنازل عنها ، على عكس ما فعل السيسي، الذي يواصل انتقامه من قضاة مجلس الدولة منذ 2016 وحتى الآن؛ فالسيسي لا يريد أن يرى قاضيا كالمستشار يحيي دكروري الذي أكد على مصرية تيران وصنافير مجددا.