قالت دراسة لموقع الشارع السياسي إن المعضلة التركية في التعاطي الاخلاقي ازاء قضايا المظلومين في العالم، والاعتراف بنظام السيسي الدموي، تظل هي حجر العثرة في تحديد مستقبل التقارب بين أنقرةوالقاهرة. ولكن الدراسة التي جاءت بعنوان "آفاق التقارب بين تركيا ومصر.. الفرص والتحديات"، قالت إنه في علم السياسة، ليس هناك مستحيل على طول الخط، وهو ما يتوقع معه أن تحدث مقايضة ما، نحو تخفيف حدة المظالم السياسية لمعارضي السيسي ورافضي الانقلاب، مقابل تخفيف حدة النقد عبر وسائل الاعلام المعارضة التي تبث من تركيا، كحطوة اولى لاختبار مدى امكانية التقارب، إذ من غير المتوقع ان تصل القطيعة بين أطراف المعادلة الثلاثية "النظام المصري تركيا- المعارضة المصرية" لقرارات حاسمة من أول وهلة. تصفير الأزمات وخلصت الدراسة إلى أن المشهد السياسي الملغوم بكثير من التوترات والفرص أيضا للتهدئة، يحمل الكثير من الدلائل والتكهنات، سواء فيما يخص أنقرةوالقاهرة، وفيما يخص المعارضة المصرية المقيمة بتركيا، وأيضا القنوات الإعلامية التي تبث من تركيا، وهي ملفات مهمة قد تقلب الموازين في المنطقة. وأضافت أن المنهج التركي الأخير في طريقه نحو "سياسات تصفير الأزمات، بإعلانها المكرر استعدادها للتقارب مع السعودية والإمارات والفرص المواتية لتفعيل التعاون مع دول الخليج ومصر، بجانب علاقات تركيا مع الأطراف الدولية سواء أمريكا وروسيا، فيما يخص الملفات الإقليمية كما في سوريا والعراق، أو فيما يخص المجاري المائية ومجالات الاستثمار والملاحة في البحر المتوسط، وكلها ملفات مهمة قد تغير مجرى السياسات الإقليمية، وهو ما ستجيب عنه تطورات الأيام المقبلة. المصالح الاقتصادية وركز ت الدراسة على عدة مناطق في العلاقة بين القاهرةوأنقرة أبرزها الجانب الاقتصادي والغاز وليبيا والعلاقات الدولية لأنقرة، وقالت إن الخطوة نحو اعتبار تركيا في ترسيم حدود المتوسط تبنهت له القاهرة حيث قراراها بشأن المنطقة التي حددتها لإعلان مزايدة التنقيب عن النفط والغاز، إلى رؤية مصرية تأخذ بعين الاعتبار مصالح تركيا. وأوضحت أن تركيا تمتلك أطول خط ساحلي في شرق المتوسط، وأرضية سياسة مشروعة منبثقة عن القانون الدولي تخولها لتكون أبرز اللاعبين في المنطقة، رغم الحملات السياسية غير الواقعية ومحاولات اليونان تنفيذ سياسة توسعية تنتهك القانون الدولي، وتنظيم منتدى غاز شرق المتوسط، الذي سعى إلى تقاسم المصالح في المنطقة، بعيدًا عن أنقرة، بالإضافة إلى ما سبق، يمكن اعتبار هذه الخطوة المصرية وغيرها من الخطوات الإيجابية بمثابة فرصة مهمة نحو تطبيع العلاقات التركية مع دول أخرى في المنطقة. وطرحت الدراسة فكرة عقد اتفاقية لتعيين الحدود البحرية بين تركيا ومصر يمكن أن يساهم بشكل فعال في تقليل التوترات بالمنطقة، كما يمكن أن يحد من تصرفات اليونان والإدارة القبرصية الجنوبية، التي تنتهك القانون الدولي بشكل سافر، بالإضافة إلى وضع الأساس لاتفاقية مماثلة مع إسرائيل، التي تمتلك موقفا حساسا على الخريطة الجيوسياسية للمنطقة. واعتبرت أن الخطوة المصرية المتعلقة بمزايدة التنقيب عن النفط والغاز مع مراعاة حدود الجرف القاري التركي، تظهر وجود رغبة لدى القاهرة بالتفاوض مع أنقرة على اتفاق لتعيين الحدود البحرية، وهو ما يخدم المصالح الإقليمية المصرية، ويساهم في خلق أجواء الثقة بين البلدين وتحقيق مصالحهما، ليس فقط شرق المتوسط فحسب، حيث يفتح الطريق أمام العديد من اتفاقيات التعاون التي تعود بالفائدة على البلدين. محفزات التقارب واشارت إلى أن حجم التبادل التجاري ساهم في تحسن العلاقات مجددا، استمرار التبادل التجاري بينهما، إذ بلغ حجم الصادرات إلى تركيا، في 2018 إلى 2.2 مليار دولار، كما ارتفع حجم واردات مصر من تركيا بنسبة 29% في 2018 ليبلغ نحو 3 مليارات دولار، مقارنة ب2.3 مليارات دولار في 2017، وشهد الميزان التجاري بين البلدين نموا بنسبة 20% ليتجاوز 5.2 مليار دولار في 2018 مقارنة ب4.38 مليار خلال العام 2017. وأشارت الدراسة إلى ما وصفتها ب"البراجماتية" للرئيس التركي واعتبرتها محفزا جيدا للتقارب السياسي بين الطرفين. ونقلت عن توران قشلاقجي، مقاله في "ترك برس" حول "تحركات في العلاقات التركية – المصرية"، فإنه ومن شأن توقيع «مذكرة التفاهم» بشأن الحدود البحرية، أن تساهم في تسهيل تطبيع العلاقات بين الجانبين، ومن المتوقع أن تواصل تركيا حتما علاقاتها مع مصر كجزء من متطلبات «السياسة الواقعية» لكنها في الوقت نفسه ستحافظ على «موقفها المبدئي والأخلاقي» وتعبر عن رأيها عند الضرورة في بعض الأوضاع. ونقلت تصريحا للنائب السابق بالبرلمان التركي، رسول طوسون، ل"ترك برس"، الجمعة 12 مارس، فإن نقطة الخلاف الجوهرية بين مصر وتركيا، هي حدود وأبعاد التطبيع المحتمل، وهل تعترف أنقرة بنظام السيسي؟ وأضاف: "موقف تركيا من الانقلاب العسكري الذي خلف آلاف الضحايا معروف لدى الجميع، ماعدا ذلك مصر دولة شقيقة وشعبها شعب شقيق،وترى الأوساط التركية أن السلام والاستقرار الإقليميين أكبر وأنفع من الخلاف المذكور، وأن تركيا بغض النظر عن موضوع الانقلاب مستعدة لفتح صفحة جديدة مع مصر". ولكن تصريحات المصادر غير الرسمية المصرية، تؤمئ إلى أن ما تريده مصر من تركيا، تعلمه أنقرة. وهي إشارات لضرورة الاعتراف بنظام السيسي، ووقف بث القنوات الفضائية المعارضة التي تبث من تركيا، ومنذ اللحظات الأولى للانقلاب العسكري في مصر صيف 2013 بقيادة وزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي، عارضت أنقرة بقوة الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، انطلاقا من موقفها الرافض للانقلابات باعتبارها خيارا غير ديمقراطي، ما أدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين، لكن العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما استمرت بشكل طبيعي. ومن ثم، يظل الموضوع الشائك في عودة العلاقات بين البلدين هو دعم تركيا للإخوان المسلمين. فقد شجب الرئيس أردوغان الانقلاب العسكري ولم يتوقف نقد أردوغان وشجبه لعبد الفتاح السيسي منذ ذلك الوقت، إلا أن حرب الكلمات لم تؤد إلى قطع كل العلاقات، وهو ما حرص عليه البلدان. ففي الوقت الذي شاركت فيه مصر بحصار قطر لم تتخذ خطوات مماثلة لقطع العلاقة مع تركيا.