عقب فوز المرشح الديمقراطى جو بايدن فى انتخابات الرئاسة الأمريكية يتطلع المراقبون فى منطقة الشرق الأوسط إلى أن يعمل بايدن على تصحيح الكوارث والأخطاء الجسيمة التى ارتكبها سلفه دونالد ترامب فى المنطقة من مساندته للانقلابات والديكتاتوريات وغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان وقمع الحريات خاصة مع ديكتاتوره المفضل عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموى الذى ارتكب جرائم غير مسبوقة فى تاريخ مصر من قتل وتصفيات جسدية واعتقالات واعدامات جماعية وإخفاء قسرى وتعذيب فى السجون ومراكز الاحتجاز وقمع الحريات وإغلاق الصحف والفضائيات وحجب المواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت ووأد الصحافة واعتقال الصحفيين وكل ذلك كله بدعم من ترامب وهو ما يشوه صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية بين شعوب الشرق الأوسط والعالم كله. كان بايدن قد تعهد خلال حملته الانتخابية بأن يكون أكثر حسما مع حلفاء أمريكا مقارنة بترامب، وأكثر صرامة مع المستبدين، وأفضل لكوكب الأرض، كما تعهد بفتح ملف انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم التى ارتكبها بعض الحكام فى منطقة الشرق الأوسط خاصة قائد الانقلاب الدموى عبد الفتاح السيسي. حقوق الإنسان أولوية فى هذا السياق أكد موقع حملة "بايدن" الانتخابية على شبكة الإنترنت إلى أن إدارته لن تواصل منح "شيكات على بياض" التي قدمتها إدارة "ترامب" للأنظمة الاستبدادية. وشددت الحملة على تعهد بايدن بجعل القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط أولوية، مشيرة إلى إعادة تقييم العلاقات مع السعودية، وإنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، والدفاع عن حقوق وحريات الناشطين والصحفيين فى مصر وغيرها من دول المنطقة. وأشارت إلى أن "بايدن" سوف يستخدم نفوذ الولاياتالمتحدة للمطالبة بإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان ودعم دعاة الديمقراطية، ورفض القمع والكبت والاستبداد وانتهاكات حقوق الانسان والحريات. انتهاكات السيسي من جانبه قال خبير سياسى إن السيسي كان أول من هنأ "دونالد ترامب" على فوزه بالرئاسة في 9 نوفمبر 2016. وبعد 4 أعوام، يبدو أن السيسي، إلى جانب مستبدين عرب آخرين، قلق بشأن فوز بايدن، مؤكدا أن فوز بايدن سيكون له تأثير كبير على الوضع السياسي في مصر. وأوضح الخبير -الذى رفض الكشف عن اسمه- أن أحد الأسباب الرئيسية لهذا القلق يتمثل فى سجل السيسي المروع في حقوق الإنسان، والخوف من تأثير ذلك على العلاقة مع إدارة "بايدن". لافتا إلى أنه في يوليو الماضي، انتقد "بايدن" انتهاكات السيسي لحقوق الإنسان وحذره قائلا: "لا مزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل". وتوقع أن تعمل إدارة "بايدن" على تنشيط التركيز على الديمقراطية في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيكون له تأثير على بعض الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة مثل دولة العسكر والسعودية. ورغم ذلك استبعد الخبير السياسي أن تشهد العلاقة بين واشنطن ونظام السيسي تحولا جذريا بعد فوز "بايدن"، مشيرا إلى أن انقلاب "السيسي" في 3 يوليو 2013 حدث في عهد الرئيس الأسبق "باراك أوباما"، عندما كان "بايدن" يشغل منصب نائب الرئيس. وأضاف: لكن ربما يصبح السيسي مترددا وأكثر تحفظا قبل ارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، قد تتأثر المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، التي تبلغ نحو 1.3 مليارات دولار سنويا، في ظل إدارة "بايدن" إذا واصل السيسي انتهاكاته لحقوق الإنسان. وأشار الخبير إلى أن العلاقات القوية والمتينة التى ربطت بين ترامب والسيسي وظهور تسجيل لترامب يقول فيه إن السيسي هو "الديكتاتور المفضل" له أثارت انتقادات الكثير من الأمريكيين واعتبروا هذه العلاقة بمثابة غض طرف من واشنطن عن أي انتهاكات قد تقع على يد نظام الانقلاب الدموي. ولفت إلى أن بايدن سبق ان انتقد انتهاكات السيسي لحقوق الإنسان عقب الإفراج عن الطالب المصري – الأمريكي محمد عماشة بعد 486 يومًا قضاهم بسجون العسكر بعد القبض عليه أثناء تظاهرة تطالب بالإفراج عن المعتقلين في ميدان التحرير. وأشار بايدن إلى حوادث سابقة لإلقاء القبض وحبس نشطاء مصريين – أمريكيين مثل سارة حجازي ومحمد سلطان وقال إن "اعتقال وتعذيب ونفي نشطاء مثل سارة حجازي ومحمد سلطان أو تهديد عائلاتهم أمر غير مقبول". ثورة 25 يناير وقال المحلل السياسي جدعون راتشمان فى مقال له بصحيفة الفايننشال تايمز أن نظام عبد الفتاح السيسي أكثر قمعا من نظام المخلوع حسني مبارك وأكد أن السيسي قضى على هامش الديمقراطية الذى تحقق عقب ثورة 25 يناير 2011 ما أدى إلى انتشار الاحباط واليأس فى الشارع المصرى. وأضاف راتشمان ان فوز بايدن بالرئاسة يتزامن مع حالة من التخبط فى عدد من الدول العربية التي شهدت ثورات مطالبة بالديمقراطية ومنها ليبيا التي تشهد حاليًا حالة من الفوضى العنيفة، مما جعل بعض المواطنين يشعرون بالحنين للاستقرار النسبي الذي ساد خلال حكم معمر القذافي. ووصف سوريا بأنها الأكثر مأساوية على الإطلاق كونها تخوض حربا أهلية ذهب ضحيتها ملايين القتلى والجرحى والنازحين مؤكدا أن الانهيار العنيف للربيع العربي أضر بالليبرالية ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في جميع أنحاء العالم. وأشار كاتب المقال إلى أن تونس، البلد الذي شهد الشرارة الأولى للربيع العربي والوحيد الذي لم يتم سحق طموحاته لديها بعض مزايا السياسة الطبيعية مقارنة مع جيرانها إذ أنها خالية إلى حد كبير من الانقسامات القبلية والدينية التي ظهرت بسرعة في ليبيا وسوريا. وقال إن تونس الدولة العربية الوحيدة في العالم العربي التي لديها دستور مكتوب منذ منتصف القرن التاسع عشر ورغم أن مؤسساتها الحكومية فاسدة وتعاني من البيروقراطية، إلا أن هناك دولة فاعلة استطاعت الاستمرار في العمل بعد الثورة، مشيرا إلى أن تونس تعد الاستثناء الوحيد الذي يثبت أن الديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان يمكن أن يتواجد في الشرق الأوسط. سجل بشع وأكد موقع Responsible Statecraft الأمريكي أن أمريكا لا يمكن أن تتجاهل قيمها من أجل بيع الأسلحة أو شراء النفط، مشيرا إلى أن هذا كان وعدًا قاطعًا من جانب جو بايدن، خلال الذكرى الثانية لمقتل الصحفي جمال خاشقجي، وتساءل إلى أي مدى يمكن ل"بايدن" أن ينفذ ذلك التعهد فعلًا؟ وحذر الموقع فى تقرير له بعنوان: "لماذا ينبغي أن تركز سياسة بايدن في الشرق الأوسط على حقوق الإنسان" بايدن من الصعوبات التى سيواجهها في محاولة إجبار حلفاء واشنطن من المستبدين العرب على تحسين سجلهم البشع في مجال حقوق الإنسان. وذكّر بتعهد بايدن في الذكرى الثانية لمقتل خاشقجي على أيدي قتلة سعوديين، حيث قال: سنعيد تقييم علاقتنا بالمملكة، وسننهي الدعم الأمريكي لحرب السعودية في اليمن، وسنحرص على ألا تتجاهل أمريكا قيمها لبيع الأسلحة أو شراء النفط. وطالب الموقع بايدن بالتعامل مع بعض الحقائق المزعجة، التي ستحول دون ترجمة هذه الكلمات الجريئة إلى سياسة على أرض الواقع موضحا أن هذه الحقائق تشمل الأنظمة الاستبدادية العربية، وخريطة استراتيجية للشرق الأوسط التى أدت إلى تشكيل تحالفات أقوى بين هذه الأنظمة والكيان الصهيوني. وتساءل: في ضوء هذه الخريطة ما نوع الإصلاحات الممكنة التي قد تتبناها إدارة بايدن؟ واستبعد الموقع أن يملك بايدن الوسائل أو الإرادة لدفع الأنظمة الاستبدادية العربية الموالية للولايات المتحدة للتحول إلى الديمقراطية، مشددا على ضرورة إعطاء حقوق الإنسان مكان الصدارة في أي سياسة أمريكية شاملة في الشرق الأوسط. واقترح الموقع على إدارة بايدن الجديدة خلال عامها الأول أن تتبنى دبلوماسية متجددة في الشرق الأوسط والمجتمع الدولي وان تقوم باستضافة قمة عالمية لحقوق الإنسان، موضحا أن من شأن هذه القمة أن تبرز التزام بايدن باستعادة القيادة الأمريكية تحت مظلة التعددية المتجددة. وتوقع أن مثل هذه الدعوة سيستمع لها القادة العرب ومناصروهم على نطاق واسع، وبالطبع معارضوهم المحاصرون، وستجد لها صدى لأن انتهاكات حقوق الإنسان أدت إلى تعطيل العديد من جوانب الحياة اليومية للمواطنين والنخب.