مع إعلان وسائل الإعلام الأمريكية عن فوز المرشح الديمقراطي "جوزيف بايدن"، على حساب الرئيس الحالي دونالد ترامب الذي يمثل الحزب الجمهوري واليمين المتطرف؛ عمت حالة من الراحة بين شعوب العالم وبخاصة العالم العربي والإسلامي، باستثناء طغاة العرب وزعماء التحالف العربي الصهيوني (السيسي بن سلمان بن زايد). فالمسلمون لا ينسون أن ترامب بمجرد أن صعد إلى البيت الأبيض أصدر قرارا بحرمان مواطني ثماني دول إسلامية من دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم تبنى بعد ذلك ما تسمى بصفقة القرن التي تنحاز بشكل سافر للاحتلال الصهيوني على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية بخلاف دعم ومساندة نظم الاستبداد العربي. وبمجرد إعلان النتائح أصدرت مجموعة العمل الوطني المصري رسالة تهنئة للرئيس الأمريكي المنتخب وطالبته بالعودة إلى مسار دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ونبهت إلى وجود 60 ألف معتقل سياسي بسجون نظام السيسي. وأكدت المجموعة على تطلع الشعوب العربية إلى "سياسات أمريكية أكثر حكمة في المنطقة، وعدم مؤازرة الأنظمة الاستبدادية والسلطوية". أما جماعة الإخوان المسلمين؛ فقد أصدرت بيانا دعت فيه الإدارة الأمريكية الجديدة التي سيجري تشكيلها إلى "مراجعة سياسات دعم ومساندة الدكتاتوريات وما ترتكبه الأنظمة المستبدة حول العالم من جرائم وانتهاكات في حق الشعوب". وشددت على أن "أي سياسات يتم فيها تجاهل الشعوب وخياراتها الحرة والاكتفاء ببناء علاقاتها مع مؤسسات الاستبداد الحاكمة، ستكون اختيارا في غير محله، ووقوفا على الجانب الخاطئ من التاريخ". وأكدت أن الإخوان المسلمين سيكونون دائما منحازين إلى الاختيارات الحرة للشعوب، رغبة في الوصول إلى نظام عادل ومستقر يتمتع فيه الإنسان بحياة كريمة، وتعلو فيه قيم العدالة والديمقراطية والمساواة والتعددية والحريات العامة وحماية حقوق الإنسان. فهل يمكن أن يمثل بايدن رهانا وأملا للمعارضة المصرية؟ وهل يمكن أن يتبنى سياسة جديدة تضع حدا لسياسات ترامب التي لم تكتف بغض الطرف عن انتهكام المستبدين العرب بل قدمت لهم جميع أشكال الدعم من أجل سحق الديمقراطية والإنسان والإسلام ذاته؟ في البداية علينا التنويه إلى بعض مواقف بايدن التي تختلف عن الدعم المطلق الذي تعامل به ترامب مع طغاة العرب؛ فالرئيس الأمريكي المنتخب وفي يونيو 2020م، صرح بأنه "لا مزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل" في إشارة إلى زعيم الانقلاب في مصر عبدالفتاح السيسي. من جهة ثانية، فبمجرد الإعلان عن فوز بايدن أطلقت أجهزة السيسي الأمنية 5 من أقارب الناشط محمد سلطان الذي يحمل الجنسية الأمريكية، كانت قد اعتقلتهم منذ 6 شهور على خلفية تقديمه دعوى أمام القضاء الأمريكي ضد رئيس أول حكومة للانقلاب الدكتور حازم الببلاوي وضمت أيضا أسماء السيسي ومحمد إبراهيم وعدد من قيادات الانقلاب متهما إياهم بتعذيبه أثناء اعتقاله في سجون الانقلاب. هناك أيضا أنباء عن إطلاق سراح عشرات المعتقلين؛ وهي أنباء إن صحت تحمل رسالة لا تخفى دلالتها ومحاولة لاسترضاء الرئيس الأمريكي المقبل؛ حيث يخشى السيسي وأجهزته من مواقف أمريكية متشددة في مجال حقوق الإنسان والجمود السياسي خصوصا وأن النظام مغتصب للحكم بانقلاب عسكري ويحكم مصر بلا شرعية شعبية أو دستورية. وبحسب الأكاديمي، ممدوح المنير، فإن "الرئيس في النظام الأمريكي يمثل السياسة الأمريكية، لكنه لا يصنعها، نعم يسهم فيها، لكن المؤسسات السيادية، كالأجهزة الأمنية والكونجرس ومجلس الشيوخ واللوبيات، كلها تصنع السياسة الأمريكية؛ وبالتالي لا أتوقع تغييرا في القضايا الاستراتيجية لمصر والمنطقة العربية". وفي تصريحات إعلامية يضيف المنير وهو مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية بإسطنبول: "لا ننسى أن بايدن كان نائب أوباما 8 سنوات، وفي عهده حدث الانقلاب وكل مجازر السيسي، ولم تصدر سوى إدانات إعلامية، دون محاسبة حقيقية على هذه الجرائم، بل لا يتخيل أن يقوم السيسي بها دون ضوء أخضر من البيت الأبيض". ويعتقد المنير أن "بايدن سيركز على تحسين صورة أمريكا، التي شوهها ترامب من خلال التصريحات، وتحسن طفيف في ملف حقوق الإنسان، دون اهتمام بجذور الإشكاليات". ويرى أن رهان المعارضة المصرية على حل من داخل البيت الأبيض هو رهان فاشل؛ مؤكدا أن العالم يحترم الأقوياء؛ ويتوقع أن يبقى السيسي كنزا للكيان الصهيوني على رأس النظام في مصر حتى يفقد أوراقه التي يشتري بها بقاءه من واشنطن وتل أبيب". ووفقا لرأي محمد عماد صابر، عضو لجنة العلاقات الخارجية ببرلمان الثورة 2012م، فإن الرؤساء الأمريكيين يختلفون عن بعضهم في تنفيذ سياسات واشنطن التي رسمتها الأجهزة، فمنهم كرؤساء العصابات مثل ترامب، ومنهم رجال الدولة مثل بايدن". وتوقع صابر أن يشترط بايدن بعض الشروط على السيسي، خاصة في مجال الحريات، والنشاط السياسي، وحقوق الإنسان، مقابل المعونة الأمريكية لنظامه". وأشار إلى وجود "تواصل بين بعض عناصر المعارضة المصرية في الخارج، وبين بايدن والحزب الديمقراطي"، خاتما بقوله: "وفي الأخير، كل ما سبق عوامل مساعدة، ويبقى العامل الأساسي هو حركة الشعب". وعلى الأرجح أن تستفيد المعارضة العلمانية من فوز بايدن، وسط توقعات بأن يتم الإفراج عن المعتقلين من القوى والأحزاب العلمانية خلال الشهور المقبلة، مع فتح هامش محدود من الحركة والحرية أمام القوى المعارضة للنظام والتي كانت جزءا من تحالف 30 يونيو، أما بشأن عشرات الآلاف من الإسلاميين المعتقلين؛ فربما يفرج النظام عن المئات منهم في إطار بروباجندا إعلامية حول انفتاحة في مجال الحريات لكن الواقع أنها ستكون جزءًا من صفقة النظام مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي تضمن بقاء نظام السيسي مع فتح هامش من الحريات سيكون بلا شك أدنى مما كان قائما قبل ثورة 25 يناير2011م. وتبقى إرادة الشعب في التحرر هي الأساس الذي سيطلق سراح مصر من الاحتلال العسكر الجاثم فوق أنفاسها ويحرمها من الحرية والانطلاق.