قررت الشركة المصرية للتعدين وإدارة واستغلال المحاجر والملاحات التابعة للقوات المسلحة، إغلاق نحو 800 محجر للجرانيت والرخام اعتبارًا من أول أكتوبر الجاري "2020م"؛ وهو القرار الذي فسرته مصادر أنه يهدف إلى ترتيب الأوضاع في المحاجر بعد نقل تبعيتها من المحليات للجيش. وبحسب مراقبين فإن القرار يعكس مدى هيمنة بيزنس المؤسسة العسكرية واحتكاره لكل ثروات مصر التعدينية؛ حيث بات الجيش يضع يده بالفعل على جميع أراضي مصر وثرواتها وشواطئها. وبالتوازي مع قرار إغلاق محاجر الجرانيت والرخام تم رفع رسوم الترخيص السنوي من 120 ألف جنيه إلى 480 ألف جنيه، بمعدل 300%، إضافة إلى تحصيل 15 جنيهًا عن كل طن رخام، و34 جنيهًا عن كل طن جرانيت. وبحسب خبراء ومتخصصين فإن رفع رفع رسوم الترخيص سوف ينعكس بالسلب على صناعة الجرانيت والرخام المصري، وربما يدفع نحو 70% من منتفعي المحاجر إلى عدم الترخيص؛ وسط توقعات بأنهم ربما يتجهون نحو الاستيراد وخاصة من تركيا؛ إذ إن أسعار المنتج التركي بعد الأوضاع الجديدة ستصبح أرخص من المنتج المصري، حتى بعد دفع 5% رسوم استيراد. ويتوقع مراقبون أن تمتد سلبيات احتكار الجيش لقطاع المحاجر إلى انكماش الصناعة وانخفاض عدد المحاجر من 800 إلى 200 فقط على مستوى الجمهورية بعد زيادة تكاليف الإنتاج وسط توقعات أخرى بأن أسعار الجرانيت والرخام سوف ترتفع بنسبة 50% على الأقل بعد رفع الجيش رسوم الترخيص السنوي، وزيادة رسوم توريد كل طن خام. إضافة إلى أن ارتفاع تكلفة المنتج المصري سيؤدي إلى خروجه من المنافسة السعرية في السوق العالمي. ولا تزال صناعة الجرانيت والرخام هشة في مصر ولم ترتق إلى مستوى التطلعات؛ حيث تراجعت صادرات الرخام والجرانيت في النصف الأول من العام الجاري، بنسبة 20%، مسجلة 87 مليون دولار، مقابل 110 ملايين دولار في 2019. فيما بلغت بنهاية عام 2019 نحو 229 مليون دولار، مقابل 228 مليون دولار عام 2018، بنسبة زيادة 0.42%، وفقًا لبيانات المجلس المصري لتصدير مواد البناء. وسنّ قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي قانونا يقنن احتكار الجيش لثروات مصر التعدينية ويسمح بالترخيص لوزراء البترول والثروة المعدنية، والتنمية المحلية، والإسكان والمرافق، في التعاقد مع الشركة المصرية للتعدين وإدارة واستغلال المحاجر والملاحات، المملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع بدوره لوزارة الدفاع (الجيش)، في شأن استغلال المحاجر والملاحات في الأراضي التي تقع في دائرة اختصاص كل المحافظات، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. ونصّ القانون على أن "يُرخص للوزراء المعنيين في التعاقد مع الشركة المصرية للتعدين وإدارة واستغلال المحاجر لمدة 30 عامًا، وفقًا لأحكام الاتفاقية المرفقة والخريطة الملحقة بها، بحيث يكون التزامًا مقصورًا عليها لإدارة واستغلال خامات المحاجر التي تقع في دائرة اختصاص كل من المحافظات، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وما يستجد عليها مستقبلًا بالشكل الذي يمكنها من تعظيم القيمة المضافة لها". ومنح القانون الشركة التابعة للجيش، حق العمل على تنفيذ الأنشطة التصنيعية بمراحلها المختلفة للخامات التعدينية، بحجة تلبية احتياجات السوق داخليًا وخارجيًا دعمًا للاقتصاد الوطني، وخلق فرص عمل للأجيال الحالية والمستقبلية، والحفاظ على الثروات التعدينية بمختلف أنحاء الجمهورية. كما يمنح القانون الجيش، العمل على التصنيع والتصدير للأسواق العالمية، وإحكام السيطرة على مرفق المحاجر والملاحات بالدولة المصرية، ما يقضي على التنقيب والاستخراج العشوائيين للمعادن. تقنين النهب المنظم وجددت اللائحة التنفيذية التي أصدرها مجلس الوزراء بحكومة الانقلاب في 15 يناير 2020م والخاصة بقانون الثروة المعدنية رقم 145 لسنة 2019م كثيرا من المخاوف لدى قطاعات واسعة من الخبراء والمختصين وعموم الشعب من توظيف هذه التعديلات ولائحة القانون التنفيذية لتصبح بوابة مشرعة لإهدار ما تبقى من ثروات مصر عبر تقنين عمليات النهب المنظم الذي تقوم به مافيا المال الحرام التي ترتبط بشكل وثيق بشركات عالمية كبرى متعددة الجنسيات وعابرة للقارات بخلاف حيتان رجال الأعمال والقادة النافذين في المؤسسة العسكرية الذين يؤسسون شركات خاصة يحققون من ورائها مكاسب هائلة لما يحظون به من نفوذ وسلطات واسعة ويمارسون بالفعل التنجيم عن الذهب بوسائل غير مشروعة. وكان برلمان الأجهزة الأمنية قد أقر في 7 يوليو 2019م التعديلات التي تقدمت بها الحكومة على قانون رقم 198 لسنة 2014م والخاص بالاستثمار في الثروة المعدنية؛ وصدق عليه رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي في 13 أغسطس 2019م؛ بدعوى فتح أبواب الاستثمار أمام الشركات العالمية والمستثمرين الأجانب بعد أن فشل قانون 2014 في جذب الاستثمار العالمي لقطاع التعدين رغم أن مصر تضم فرصا هائلة وإمكانات لا تتوافر في كثير من بلاد العالم. وتملك مصر ثروات معدنية كبيرة، أضخمها منجم السكري للذهب، كما يوجد أكثر من 120 منجم ذهب، أغلبها في الصحراء الشرقية، إضافة إلى ثلاثة آلاف محجر، 40% منها بالبحر الأحمر، و20% بالصعيد و15% على خليج السويس، وفق دراسات محلية. كما تمتلك مصر ثروة هائلة من المناجم المعدنية والحجرية، إذ بها ما يقرب من 39 خامة من المعادن تدخل في جميع الصناعات، ساهمت في تعزيز مكانتها على خارطة التعدين الدولية،، وتقدر عدد المناجم في مصر بحوالي 4500 منجم بمختلف أنواعها، تحتل بها المرتبة الثالثة عالميًا في الثروة المحجرية والمعدنية. كما توجد ثروات معدنية متعددة ما بين فوسفات وذهب وفلسبار ورمال بيضاء تتطلب إعادة النظر في آليات استخراجها. ولدى مصر حزام فوسفات يبدأ من البحر الأحمر وحتى حدود ليبيا، إلى جانب احتياطي يقدر بنحو 45 مليار طن من الرمال البيضاء، تشجع على صناعات تعدينية ترفع القيمة المضافة عند تصنيعها ليبلغ سعر طن من الرمال لمئة دولار. مخاوف المصريين من هذا القانون ولائحته التنفيذية أن يتم توظيفه ليكون بوابة لتقنين أوضاع النهب المنظم بدعوى الاستثمار؛ فالحوافز التي تضمنها القانون تسيل لعاب المستثمرين الأجانب وحيتان البيزنس في مصر من العسكر والقطاع الخاص؛ لأن كنوز مصر في الصحراء الشرقية وجنوب سيناء والصحراء الغربية كثيرة ومتنوعة. وحتى اليوم لا تزال مافيا النهب المنظم تواصل نشاطها غير المشروع رغم افتضاح الأمر؛ الأمر الذي دفع قادة هذه المافيا إلى التفكير بشكل مختلف بما يضمن مزيدا من النهب بدعوى الاستثمار لهذا تواصل حكومة الانقلاب اتصالاتها مع رجال أعمال من عينة نجيب ساويرس وآخرين من أجل الاستثمار في مجال التعدين وخصوصا التنقيب عن الذهب.