انقسام بين المكونات المدنية والعسكرية في المجلس والحكومة الانتقالية في السودان، آثر فيها الجيش الانضمام للرؤى الشعبية التي ترفض علمنة السودان كشرط من شروط إعلام مبادئ "جوبا" الأخير في جنوب السودان بين الفصائل السودانية المسلحة وأغلبها يساريين وعلمانيين وبين عبدالله حمدوك نائب رئيس المجلس السيادي. وبحسب تقرير لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، طالب عسكر المجلس السيادي بتأجيل التوقيع النهائي على إعلان المبادئ الذي اعتبره المراقبون تاريخيا وحاول عبدالفتاح البرهان ألقاء مسحة صوفية –بعيدة عن الإخوان والسلفيين- على قراره فالتقى قبل يومين قيادات المجلس الصوفي السوداني الأعلى والذي يرفض هو الآخر القرارات الأخيرة بشأن قوانين إباحة الخمور والدعارة ومخالفة الشريعة الإسلامية. وقالت تقارير إن ما يُهدد الاتفاق الذي يراه البعض خطوة نحو إتمام عملية السلام؛ هو مواجهته إشكالية إمكانية تنفيذه على أرض الواقع، في ظل هذا الانقسام داخل الإقليم. كما يأتي هذا بالتزامن مع مطالبات بإعلان السودان منطقة كوارث؛ بسبب فيضان النيل الذي وصفه حمدوك هذا العام ب "المُفجع"؛ لما كان له من تأثيرات مدمرة على آلاف المنازل، ونتج عنه عشرات الخسائر بالأرواح. واعتبر مراقبون أن صعوبة جمع كافة الفرقاء داخل الإقليم، تحد آخر، وهو الأمر الذي فشل الاتفاق في تحقيقه، بالإضافة إلى إرضاء تطلعات شعب دارفور بتحقيق السلام الفعلي على الأرض، هذا بجانب ما تمر به الدولة السودانية هذه الفترة من أزمات تواجه الحكومة السودانية، وما تشهده المنطقة ككل من توتر، قد يدفع بعض الحركات المتمردة للمطالبة بالانفصال، كما حدث في جنوب السودان التي انفصلت من قبل، ويحدث الآن في شرق السودان المطالب بالانفصال. المعترضون على الاتفاق وفي بيان مشترك حول اتفاق سلام "جوبا"، أعلنت 13 حركة، موقفًا رافضًا لسلام جوبا، واعتبرت الحركات في بيانها أن السلام الذي تم توقيعه سلام جزئي، أقصت فيه الجبهة الثورية كل المكونات الثورية الأخرى؛ لكسب مناصب في السلطة، واعتبر البيان الاتفاق بعيدًا عن الأرض، وأنه لن يوقف الحرب؛ بل يعيد الأزمة من جديد. ورغم الاتفاق على علمنة الدولة في السودان وعدم إقرار الأحزاب الدينية إلا أن الحزب الشيوعي، كان بين المعترضين على الاتفاق، وأعلن منذ وقت مبكر -أكثر من مرة- عن خلل في منهج التفاوض، وطرح رؤية تقوم على مشاركة كافة الأطراف السياسية لمناقشة قضايا الحرب والسلام، وانتقد الحزب كثيرًا منهج التفاوض عبر مجلس السيادة، واعتبره مخالفًا لنص الوثيقة الدستورية التي أعطت الحكومة التنفيذية المدنية حق التفاوض مع حركات الكفاح المسلح. كما رفض "تجمع المهنيين السودانيين"، الاتفاق وقال إن السلام الحقيقي هو إنهاء التهميش والإقصاء، والثقافة التي تعيد إنتاجهما، وكذلك السلام الذي يعيد النازحين إلى مدنهم وقراهم، ويضع رهن إرادتهم أن يحكموا أنفسهم، وبأيديهم ثروات مناطقهم. واعتبر "التجمع" أن السلام ناقص دون لحاق الحلو وعبد الواحد به، داعيًا إلى اتصال العمل، وامتداد الجسور؛ حتى لا يستثني السلام أحدًا، وأن يكون بعيدًا عن التجزئة، وتجنب نسخ الاتفاقات بعضها لبعض، وتعدد المنابر والطاولات. واعتبرت شبكة الصحفيين السودانيين، في بيان لها أن ما حدث في جوبا لا يعدو أن يكون تقاسمًا للسلطة والثروة، دون أن يمس جوهر قضايا العدالة الاجتماعية والتهميش، بل وزاد البيان بأن الاتفاق حفل كرنفالي لقوى السودان القديم، وتمثيل زائف لقضايا حقيقية وملحة، واعتبرت الشبكة ما حدث استجابة لضغوط قوى إقليمية، تريد أن تدخل حلفاءها في السلطة؛ لضمان مصالحها الخاصة، في تكرار لذات السيناريوهات القديمة لنظام البشير في التعامل مع الحركات المسلحة، عبر إغرائها بالمناصب والثروات بالاتفاقات الجزئية، دون مساس بجوهر القضية، المتمثلة في تحقيق السلام العادل الشامل، وتفكيك جذور الأزمة والصراع. رفض الموقعين ومن أبرز الرافضين للاتفاق الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، شريك الاتفاق، الذي يمتلك سطوة عسكرية وقوات كبيرة في جنوب كردفان، ويحظى كذلك بتقدير واسع لدى الأهالي هناك، حيث أعلن أن المنهج المتبع في مفاوضات السلام يمثل التفافًا وتكتيكًا قديمًا، استخدمه النظام البائد للهروب من استحقاق السلام، وأكد أن الحلول الجزئية لن تفضي إلا لمزيد من تفاقم واستمرار عوامل انهيار وتفكك الدولة السودانية. أما "حركة العدل والمساواة" الجديدة، بقيادة المهندس منصور أرباب، فاعتبرت أن الذي تم التوقيع عليه في جوبا سلام جزئي، مع مجموعة لا تمثل الثقل الديموجرافي في دارفور، أو في أي منطقة أخرى من السودان، وأضافت الحركة في بيان لها أن المشهد يتكرر مرة أخرى، وتضيع فرصة إحلال سلام عادل وشامل ومستدام في السودان، وحذرت الحركة من أن يقود اتفاق جوبا إلى حرب أهلية جديدة في دارفور. حركات متمردة ووقع قادة حركات متمردة في دارفور وممثلي الحكومة السودانية رسميًّا بالأحرف الأولى على اتفاق سلام تاريخي في جوبا، يضع حدًّا للنزاع في الإقليم، من خلال تقسيم السلطة والثروة، ووضع حلول للمشاكل الأمنية في 31 أغسطس الماضي، ثم جاءت زيارة حمدوك لأديس أبابا؛ لتحمل في طياتها توقيع إعلان مبادئ في 4 سبتمبر بين عبد العزيز الحلو قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، والتي غابت عن توقيع الاتفاق الأول، وبين عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء في حكومة السودان الانتقالية. وهو ما اعتبره مراقبون إشارة واضحة لاستمرار الانقسام داخل الإقليم؛ حيث اعترض الحلو على وساطة دقلو في الاتفاق الأول، والذي تعامل مع مطالب الحلو -المتمثلة في فصل الدين عن الدولة، وإقرار حق تقرير المصير- بالرفض الحاسم، بينما أبدى حمدوك مرونة بوساطة الجانب الإثيوبي.