يخبرنا التاريخ أن العرب كانوا جسدا واحدا، شاميا ومغربيا ومصريا، يتألم ويمرض ويصحّ بكل أعضائه، معركته واحدة ومصيره واحد، وهو ما يؤكده العثور على (الجمجمة رقم 5942)، وهي جمجمة الشهيد المصري "موسى الدرقاوي" رحمه الله، والذي قُتل في تفجير بيت أستاذه الشيخ بوزيان في نوفمبر1849 على يد أحد جنرالات الاحتلال الفرنسي الإرهابي للجزائر. الشهيد "موسى بن الحسن الدرقاوي" شارك في المقاومة الشعبية للاحتلال الفرنسي، حتى أصبح نائبا للشيخ بوزيان قائد ثورة الزعاطشة، خاض خلالها حربا ضروسا دوخت العدو الفرنسي. إذلال الأحياء..! ويرى مراقبون أن السفاح عبد الفتاح السيسي يتعمد اذلال المصريين أحياء فكيف بهم وهم شهداء وأموات، ويرى الباحث مصطفى إبراهيم في أزمة العالقين بالخارج، أن تعنت العسكر "هو تصرف طبيعي وينسجم مع مسار هذا النظام، الذي لا يحترم كرامة المصريين ولا يهتم بآلامهم ولا يلتفت لمطالبهم". وقال إبراهيم إن العسكر ينظرون إلى المغتربين "كسلعة أو فرصة للتربح المادي بأي طريقة سواء من جيوب العاملين في الخارج أو من الدول التي تستضيفهم"، مشددا على أن نظام السيسي يسعى بجد لأن يبتز الدول المضيفة مثلما حدث مع دولة الكويت الشقيقة. وأضاف أن المواطن المصري بالخارج والداخل سيشعر بكرامته وبقيمته وآدميته فقط، "عندما يحكمه نظام منتخب أتى بأصوات الشعب وأصوله صندوق الانتخابات النزيه إلى سدة الحكم، وعندها سيعمل على تلبية كل طلبات الشعب المصري والعمل على حفظ كرامته". وبعد احتجاز قسري لأكثر من 170 عاما بمتحف التاريخ الطبيعي بباريس في فرنسا، استقبلت الجزائر رفات 24 شهيدا من رموز المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي في منتصف القرن 19، حيث أعدمهم جيش الاستعمار ونكّل بهم، قبل ترحيل رؤوسهم إلى بلاده، بحجة الدراسات الأنثروبولوجية. ولذلك ظلت قضية استرجاع جماجم هؤلاء الجزائريين من بين مئات آخرين ضمن المطالب الرئيسية المطروحة في مباحثات الذاكرة التاريخية على أعلى مستوى بين سلطات البلدين. وتُوّجت مساعي الجزائر الجارية منذ تفجير القضية سنة 2011 بإعلان الرئيس عبد المجيد تبون عشية الذكرى 58 للاستقلال إعادة رفات 24 من قادة المقاومة الشعبية، على متن طائرة عسكرية من القوات الجوية الجزائرية، ثم أشرف على استقبالها شخصيّا بمطار هواري بومدين ظهر أمس الجمعة مع قيادة الجيش والفريق الحكومي والبرلماني. مقبرة العالية وفي حفل رسمي مهيب، أمام نعوش الشهداء، احتفت الجزائر بعودة أبطالها في عيد الحرية، وسط استعراضات جوية لسرب من الطائرات المقاتلة. وخصّصت السلطات السبت للجمهور لإلقاء نظرة على توابيت زعماء المقاومة الشعبية والترحم على أرواحهم الطاهرة، على أن يواروا الثرى الأحد بمربع الشهداء في مقبرة العالية بالعاصمة. ومن أبرز الأسماء التي تضمنتها الدفعة الأولى من الرفات: الشريف بوبغلة، قائد المقاومة في منطقة القبائل، وعيسى الحمادي، المسئول العسكري لديه، والشيخ بوزيان قائد ثورة الزعاطشة بالجنوب الشرقي، ومستشاره العسكري موسى الدرقاوي، وكذلك سي مختار بن قويدر التيطراوي، ومحمد بن علال بن مبارك، المسئول العسكري في عهد الأمير عبد القادر. يقول الناشط عيسى الطيبي: "الشهيد موسى بن الحسن الدرقاوي الذي استرجعت الجزائر رفاته من بين 24 من فرنسا بعد 170 عاما هو مصري، تلميذ الشيخ بوزيان ينحدر من مدينة دمياط استشهد الدرقاوي بين مدينتي الجلفة والأغواط دفاعا عن الجزائر.. أبلغوا اهل دمياط". من جهته يقول الكاتب والمفكر مهنا الجبيل: "رحلة جماجم أبطال الجزائر، نموذج لما صنعته الحداثة المادية باسم التقدم للعالم الغربي المتميز على الشرق المسلم، هذه ليست وجهة نظر عابرة وإنما إتجاه متصاعد لمدرسة الفلسفة الأخلاقية في الغرب ذاته بعد أن سُحق الإنسان تحت المعرفة السيادية". مضيفاً: "ومع الأسف الوعي العربي بعيد عن فهم هذا الجوهر، ومشكلة الوعي العربي الإسلامي في عدم وضع هذا التوجه الفلسفي الجديد في سياق الدلالات التاريخية للتوحش الغربي والإبادة المستمرة بطرق أخرى أجتماعيا واقتصادياً وسياسيا وعسكرياً وأن ذلك كله لا يتطلب منه رفض التقدم العلمي ولا التقنيات الدستورية التي نجح فيها الغرب، لكن الخلاف في الجوهر". وتابع: "المجد لكم يا أبطال الجزائر أنتم من تقبل الأرض تحت أقدامهم ومن تبقى هامتهم مرفوعة في قعر الأرض تهز عرش ثقافة فرنسا الكولونيالية، اللهم إن أرواحهم في سماء علوك الرحيم وإن سرقت باريس رفاتهم فأمطر عليهم بركتك".