بمجرد الإعلان عن مقتل 10 من عناصر الجيش بينهم ضابط وضابط صف في تفجير مدرعة، قبل مغرب الخميس الماضي 30 أبريل بمدينة بئر العبد بشمال سيناء، هرعت الآلة الإعلامية للنظام في عزف سيمفونية الهجوم الضاري على “الإرهاب” والمسلحين بسيناء، ثم كل من يعارض النظام عموما. وأمس الأحد، أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب عن اغتيال 18 زعمت أنهم ينتمون إلى تنظيم “ولاية سيناء” وأنهم متورطون في تفجير “بئر العبد”. وبحسب خبراء ومحللين، فإن مخابرات السيسي تستخدم سلاحين للهروب من المحاسبة أمام الرأي العام من الفشل المتواصل في سيناء: الأول هو الصراخ والعويل وتصعيد الزفة الإعلامية للتغطية على هذا الفشل، عبر توظيف صور ضحايا الجيش أو الشرطة، واللعب على وتر الجانب الإنساني، وإبراز قصصهم وحكاياتهم وتصريحات آبائهم وأمهاتهم؛ من أجل تصوير بشاعة الجريمة التي ترتكبها التنظيمات المسلحة التي عادة ما يتم وصفها هكذا في تعبير مطلق دون تحديد اسم هذا التنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم “داعش”. وهو طمس مقصود في حد ذاته؛ حتى يتسنى للآلة الإعلامية للنظام القدح والهجوم الضاري على كل الحركات الإسلامية التي لا دخل لها أساسًا في الصراع المسلح القائم بين السيسي من جهة وتنظيم “ولاية سيناء” من جهة ثانية. الاغتيالات الجماعية أما السلاح الثاني الذي يلجأ إليه نظام الطاغية عبد الفتاح السيسي فهو الاغتيالات الجماعية، فأمام عجز النظام عن تحقيق الأمن والاستقرار وعدم قدرته على حسم الصراع مع تنظيم “ولاية سيناء”؛ فإنه كلما تعرض لهجوم أفضى إلى مقتل بعض عناصره رد على الجريمة بجريمة أكبر، وقام بمذبحة أشد بشاعة من مذابح “الدواعش”. فإعلان داخلية السيسي عن قتل 18 مواطنًا ببئر العبد هو جريمة أشد وأنكى من جريمة داعش؛ ذلك أن السيسي بهذه الممارسات الإجرامية إنما يكرس لغة الثأر وقانون الغاب؛ فلا قانون ولا دولة ولا تحقيقات أو نيابة أو محاكمة!. نفس السيناريو يتكرر كل مرة.. تبادل وهمي لإطلاق النار أسفر عن مقتل ال18، فهل قُتل أحد من الداخلية أو جرح في هذا التبادل المزعوم لإطلاق النار؟ بالطبع لا. وعلى الأرجح فإن الضحايا ال18 كانوا من المخطوفين قسريا من جانب عصابات السيسي الهمجية؛ جيء بهم من مقرات الاحتجاز السرية، ثم قتلوا بدم بارد بعد أن وضع إلى جوارهم عدة بنادق وأسلحة للتصوير. فلماذا لا يعلن نظام السيسي عن أسماء هؤلاء الضحايا؟ ولماذا لم ينشر صورهم؟ ولماذا لم يقبض عليهم- إذا صحت روايته- أو على بعضهم من أجل التحقيق والكشف عن باقي التنظيم ومخططاته؟ كل هذه الأسئلة تعصف بالرواية الأمنية وتحيلها إلى هشيم تذروه الرياح أمام الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة. يسعى السيسي وأركان عصابته من خلال الزفة الإعلامية والصراخ والعويل الإعلامي ثم الاغتيالات الجماعية إلى تعبئة الرأي العام ضد المسلحين وتوظيف الحدث، ليس للكشف عن الحقيقة في محاولة صادقة للقضاء على الخطر والفتنة، بل للهروب من المساءلة والمحاسبة على توالي الإخفاقات، وسقوط آلاف الضحايا من الضباط والجنود والمسلحين والأبرياء، وفي النهاية فإن مصر تنزف وتضعف ولا يستفيد من كل هذا الصراع العبثي إلا الكيان الصهيوني. تعبئة الرأي العام حتى اليوم لم يتم تقديم أي قيادة سياسية أو أمنية للمحاسبة على هذا الفشل الذي حول سيناء إلى بؤرة من الجحيم والإرهاب المتبادل بين تنظيمين إرهابيين يستنزفان مصر هما تنظيم السيساوية الذين اختطفوا الجيش ومصر لحساب الصهاينة، وتنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم داعش. السيسي وداعش كلاهما وجهان لعملة واحدة، كلاهما متعطش للدماء، ويريد قهر الناس على الإيمان بأفكاره ومعتقداته وتصوراته، هذا بانقلاب على المسار الديمقراطي وقهر الناس على روايته وتصوراته فقط بالحديد والنار، وهؤلاء بتطرفهم ووحشيتهم المفرطة. لن تجد في إعلام السيسي سؤالا واحدا أو مجرد إشارة إلى المسئولية السياسية عن هذا الفشل المتكرر، وعن أسباب إخفاق الجيش المصنف التاسع عالميا، وفق تصنيف موقع “جوبال فاير باور”، في القضاء على حفنة مئات من المسلحين، ولا أسباب العجز المتواصل في مواجهة المسلحين. في مصر هناك برلمان صوري تم تشكيله على عين السلطة وأجهزتها الأمنية، ولهذا فلن تجد نقاشا جادا حول الأسباب المفضية لهذا الفشل المتواصل، ولن تجد استجوابا عن مقتل الآلاف بسيناء، لماذا؟ لأنّ أحدا لا يجرؤ على مجرد طرح هذه الأسئلة الجادة؛ فقد ثملوا جميعا من خمر السلطة وباتوا على يقين أنهم مجرد كومبارس في مشهد عبثي لا تبدو له نهاية، ولا يخدم سوى الكيان الصهيوني.