قالت دراسة لمعهد "كارنيجي" إن مقترح طرح أسهم الشركات العسكرية في البورصة المصرية قد يتعثّر "بسبب معضلات الشفافية والتنافس غير المتكافئ والربحية والغموض القانوني". وكان "صندوق مصر السيادي" الذي شكله السيسي لتبييض أموال الشركات العسكرية ونهب شركات القطاع العام، قد أعلن في 3 فبراير 2020 أنه يستعد لطرح أسهم قرابة عشر شركات عسكرية في البورصة. وتقول الدراسة إن جائحة كورونا الجديد زادت الازمة بتدهور البورصة المصرية، لتسجّل أكبر تراجع بين مجمل البورصات العربية بحلول 16 مارس وتخسر 95 مليار جنيه مصري في أسبوع حتى 19 مارس 2020، بعدما زعمت وزارة المالية، أن الاقتصاد سينمو بنسبة 5.8 في المئة في السنة المالية الحالية، أي ضعفي المعدل العالمي! ولضمان بقاء البورصة ليسهل تدوير شركات الجيش فيها، أعلن عبدالفتاح السيسي دعم البورصة المنهارة ب20 مليار جنيه (1.27 مليار دولار)، ومع هذا تزايدت خسائر البورصة التراكمية لتصل إلى 132 مليار جنيه حتى 4 أبريل، وهو ما أثار تساؤلات حول فشل خطة السيسي لطرح أسهم الشركات العسكرية في البورصة أو "تعويم" الشركات العسكرية. تتمتّع الهيئات العسكرية بامتيازات تمنحها أفضليات اقتصادية مهمة مقارنةً بنظيراتها المدنية في قطاعي الأعمال الخاص والعام. عقبات أمام الشركات العسكرية ويقول تقرير كارنيجي الذي كتبه الباحث يزيد صايغ: إنه قبل فشل هذا التعويم الشركات العسكرية كانت هناك عوائق تقف حجر عثرة في طريق الشركات العسكرية حتى قبل الجائحة. فقد أعلن السيسي عن فكرته أغسطس 2018، قبل سنة ونصف من تولى الصندوق السيادي مهمة تقييم ملاءمة طرح الشركات العسكرية في البورصة من الناحية التجارية، ما يدل على صعوبات طرح الشركات العسكرية في البورصة، كما كان هناك تردد من جانب الوزراء في تبنّي الفكرة ايضا. أيضًا كشف التأخر في طرح الشركات العسكرية في البورصة عن مفارقة كبيرة، بالمقارنة مع الإسراع المُلفت في إطلاق مشروعات أكثر كلفةً بكثير تبنّاها السيسي بعد استيائه عي السلطة، مثل توسعة قناة السويس؛ ما أربك وزارة المالية لإعداد الإجراءات القانونية لاستقبال استثمارات المواطنين في وقت قياسي. أما مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، والتي ستبلغ كلفتها الإجمالية أضعافًا مضاعفة عن كلفة توسعة القناة، فقد انتقل من الإعلان في مارس 2015 إلى بدء الحفر في الموقع المختار شرقي القاهرة بعد بضعة شهور فقط. وتقول الدارسة إنه مع ذلك "يشكّل طرح الشركات العسكرية في البورصة، ابتعادًا مهمًّا وإيجابيًّا عن الضبابية المالية والجدوى المشكوك بأمرها اللتين تشخّصان الاقتصاد العسكري المصري"، وأنه "إذا أُنجز الطرح بطريقة صحيحة، يمكنه الكشف تماماً عن الأوضاع المالية لهذه الشركات، وتقديم وسيلة معقولة لزيادة رأس مالها". ولكن الدراسة تشكك في مشكلات فنية وتحديات سياسية تتعلّق بالشفافية والتنافس غير المتكافئ والربحية والغموض القانوني للشركات العسكرية، ما يثير الشكوك حول أهلية الشركات العسكرية للطرح في البورصة ومدى جدوى ذلك اقتصادياً، وإلا سيشوّه ذلك أُسس التنافس في السوق، ويعرّض المستثمرين إلى المخاطر. وتؤكد أنه "إذا تركت إدارة السيسي هذه الأمور وهذا الغموض حول الشركات العسكرية من دون علاج، سيتحوّل الطرح إلى مجرد وسيلة لشفط الأموال الخاصة من الأسواق بهدف تعويم الشركات العسكرية ذات الحسابات المُعتَّمة ومجالس الإدارة غير الخاضعة إلى لقانون المدني"!. غموض الحسابات المالية للعسكر وتوضح الدارسة إن الكشف المالي الكامل من قبل الشركات العسكرية "غير مرجّح إطلاقاً، ولعله مستحيل"، حيث تدّعي الشركات ال34 التابعة لوزارة الإنتاج الحربي وللهيئة العربية للتصنيع، أن انتاجها من السلع والخدمات المدنية يخضع إلى التفتيش من قِبَل الجهاز المركزي للمحاسبات، لكنها ليست في عداد الشركات التي قد يتم طرحها في البورصة. بل إن الشركات العسكرية العشر المطروح بيع أسهمها في البورصة، تتبع لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع، والذي تبقى حساباته طي الكتمان لدواعي الأمن القومي وغير خاضعة إلى تفتيش الجهاز المركزي للمحاسبات. ويقوم مكتب خاص في وزارة المالية بمراقبة حسابات وزارة الدفاع، لكن لا يزيد ذلك عن التأكد من توازن المداخيل والمصاريف، ولا يشمل التحقّق المُنتظم من صحة الفواتير والشهادات، ناهيك عن تدقيق مالي كامل للهيئات المرتبطة بالوزارة وللشركات التابعة لها. كما أنه لا يتيح القيام بتقييم فعّال لجدوى نشاطها التجاري ولا لعائدها الاقتصادي على الاستثمار، لتبقى حسابات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، خارج صلاحية أجهزة الكشف المالي والتدقيق والمحاسبة الحكومية كافة، وغير خاضعة إلى الرقابة البرلمانية، كما هو الحال أيضاً بالنسبة إلى حسابات وزارة الدفاع وإلى ميزانية الدفاع عمومًا. ويعني ذلك أنه لا بد من فتح حسابات شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية أمام أنواع ومستويات التدقيق نفسها التي تخضع إليها الشركات الأخرى المطروحة في البورصة، لكي تكون هي أيضاً صالحة للطرح. وسيكشف ذلك، مثلاً، عن مصادر الاستثمارات في شركات جهاز المشروعات وعن إنفاقها ورأس مالها الفعليين، وكذلك عن ديونها ومستحقاتها ومصير أرباحها. السيسي سيغير قانون البورصة لصالح شركاته! وترجع دراسة معهد كارنيجي أن يسعي السيسي إلى تعديل قواعد البورصة للسماح بطرح الشركات العسكرية، من دون أن تقوم بالكشف المالي الكامل عن أنشطتها!!. وسيبرز تعديل قواعد الطرح في البورصة، المشكلة في الخارج ويلحق الضرر الشديد بسمعة البورصة المصرية وبالتالي، ويعرقل استدراج الاستثمار الأجنبي. الامتيازات الاقتصادية العسكرية يمكن رصد أبرز ما في قائمة الامتيازات الاقتصادية العسكرية الطويلة فيما يلي: 1. الحق الذي منحه السيسي للهيئات العسكرية باستخدام الأراضي العسكرية كحصتها من رأس المال في المشاريع التجارية، إلى جانب الصلاحية القانونية أو الفعلية لمنح أو حجب تراخيص استخدام أراضي الدولة من قبل أي شخص أو جهة مدنية، أكانت خاصة أم عامة. 2. الشركات العسكرية معفية غالباً من دفع ضريبة الدخل أو الضريبة العقارية، الرسوم الجمركية، وغيرها من الرسوم والاقتطاعات الحكومية. 3. تتمتّع هذه الشركات بنفقات إنتاجية أدنى من شركات القطاع الخاص، بكثير مثل الدعم الذي يفيد الصناعات المُستهلِكة للطاقة، مثل مصنع الإسمنت التابع لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية الذي اقترح السيسي طرحه في البورصة. 4. استخدام عربات القوات المسلحة للنقل واعفائها من دفع رسوم المرور على الطرق السريعة التي تديرها الهيئات العسكرية؛ والحصول السهل على العملة الصعبة وبأسعار تبادل ميسَّرة؛ والعمالة شبه المجانية فيما يخص شركات جهاز المشروعات تحديدًا. 5. الامتياز الأهم هو أنه يحق بالقانون للهيئات العسكرية ولشركاتها أن تتلقى، وأن تُرسي بدورها، العقود بما يُعرف بمصطلح "الأمر المباشر" أو "الإسناد المباشر"، أي من دون منافسة أو مناقصة!! ويوفّر ذلك أفضلية ضخمة في استثناء المنافسين المدنيين من قطاعي الأعمال الخاص والعام، اذ يضمن للهيئات والشركات العسكرية المداخيل حتى لو كانت السلع والخدمات التي تقدمّها متدنية الجودة. 6. يقدّم هذا الامتياز للجهات العسكرية القدرة على لي ذراع الشركات المدنية لتقبل بشروط تجارية مُجحفة في الحاضر، لعلمها أنها ستحظى بعقود اضافية مستقبلاً إن قبلت، وأنها لن تتمكّن من دخول مناقصات مستقبلية إن رفضت. 7. الشركات العسكرية معفية تمامًا تقريبًا من التدقيق من قبل الجهات المدنية، ما يثير سؤالا: هل يستمر إعفاء شركات جهاز المشروعات المطروحة في البورصة من التدقيق، أم تضطر إلى الامتثال للقواعد فيما يخص تقديم البيانات والخضوع إلى لتفتيش؟ 8. يهيمن ضباط القوات المسلحة، العاملون في الخدمة والمتقاعدون منهم، على هيئة الرقابة الإدارية، وهي الجهاز الحكومي الرقابي الأقوى على الإطلاق في مصر، ويستخدمها السيسي كرأس حربة في حملته المزعومة لمكافحة الفساد، كما وظَّفها رؤساء الجمهورية المتعاقبون كأداة لتطويع المسئولين الحكوميين ورجال الأعمال تمشيًا مع رغباتهم وسياساتهم، ولمكافأة الموالين من خلال حمايتهم من التدقيق. 9. يقوم مئات الضباط المتقاعدين المنتشرين في أجهزة الدولة النافذة بتعزيز قوة الإكراه والردع هذه، عبر تمكين وزارة الدفاع وغيرها من الهيئات والشركات العسكرية من تسريع أو تأخير الإجراءات البيروقراطية التي يحتاج إليها المستثمرون المدنيون. مخاطر الاستثمار في الشركات العسكرية لا يخفي المخاطر التي سيتعرّض لها المستثمرون حال شرائهم أسهم في الشركات العسكرية، منها أن جميع الهيئات العسكرية تخضع إلى لولاية القضائية العسكرية حصرًا، وليس إلى المحاكم المدنية في مطلق الأحوال. أيضا يشكّل غياب الإطار القانوني الناظم والقابل للتطبيق نقطة التعرّض الأهم للمستثمرين المدنيين، أكانوا من القطاع الخاص أم العام، مصريين أم أجانب. ولا ينطبق ذلك على كل الشركات العسكرية فشركات وزارة الإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع مُسجّلة كشركات قطاع الأعمال العام، وبالتالي يفترض أن تخضع نشاطاتها المدنية إلى الإطار القانوني المدني ذاته لباقي الشركات في ذلك القطاع، على الأقل اسميًّا ولو لم يتم ذلك بالممارسة الفعلية. غير أن شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التي قد يتم طرحها في البورصة لا تخضع حاليًّا سوى إلى القضاء العسكري. وبالتالي، فإن المشاريع أو الشراكات المشتركة التي تُقام بين الهيئات العسكرية والشركات الخاصة – بما فيها الأجنبية – لا تخضع إلى قانون الشركات المصري، ولا إلى قوانين الشركات الأجنبية بل تعمل في مساحة قانونية رمادية، فتكمن حمايتها الحقيقية الوحيدة في علاقاتها السياسية. وحسب ملحق تجاري في إحدى السفارات الغربية في القاهرة تحدثت معه وكالة "رويترز" في العام 2018، شعر المستثمرون الأجانب ألاَّ فائدة من اللجوء إلى التحكيم في حال نشوب نزاع مع أي جهة عسكرية، بل الأفضل "أن تغادر البلاد". أيضا حذَّر موقع حكومي بريطاني تم تحديثه هذا العام 2020 المستثمرين البريطانيين بضرورة الحصول على مستحقاتهم مقدَّمًا؛ لأن "إنفاذ العقود في مصر ضعيف"!. أيضًا لم تكن العلاقات السياسية كافية كذلك لحمل مستثمرين صينيين وإماراتيين رئيسيين على عدم الانسحاب من مشروع العاصمة الادارية الجديدة بسبب اختلافات حول تسعير الارض وتقاسم الأرباح مع وزارة الدفاع والشركات العسكرية التي تديره. العسكر يحمون مشاريعهم وقد يحمي جهاز المشروعات نفسه من عواقب إغراق السوق؛ لأن الهيئات العسكرية هي أيضًا زبون رئيس لمواد البناء لمشاريع الإسكان والبنية التحتية العامة التي يديرها. بيد أن ولوج الجهاز بقوة الى قطاع الإسمنت أضرّ بالعديد من الشركات الخاصة -أغلبها تكبّد خسائر في السنتين الماضيتين، واضطرت شركة النهضة المملوكة للقطاع العام إلى وقف الإنتاج -واستعدى القطاع الخاص الذي يحتاج السيسي إلى استثماراته التجارية وتأييده السياسي. وقد اضطرت الحكومة إلى الوعد بتعويض منتجي الإسمنت المدنيين، ما فاقم صافي الكلفة الملقاة على المالية العامة. لهذا قد يكتشف حاملو الأسهم المدنيون أنهم يساعدون وزارة الدفاع وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية على تمرير الاستثمارات السيئة، من دون أن يكتسبوا في المقابل سيطرة فعلية على صنع القرار حيال استثمارات مستقبلية. الصندوق السيادي لخدمة الجنرالات وينتظر أن يخدم صندوق مصر أغراض السيسي في عدة أمور مثل اختصار الاجراءات الحكومية البيروقراطية؛ ما يعني أن إدارة الصندوق ستتيح للأصول الاقتصادية العسكرية الالتفاف على قضايا شائكة كملكية الأرض، والتي تتمنّع وزارة الدفاع عن التخلّي عنها بشكل خاص. أيضا يتيح صندوق مصر الالتفاف على مسألة الملكية والسيطرة، ولو فقط عبر تمويهها.