عقد مصطفى مدبولي، خادم العسكر ورئيس مجلس وزراء الانقلاب، اجتماعا لاستعراض ما يسمى ب”مُؤشرات التعداد الاقتصادي الخامس”، مؤكدا أهمية ما يتناوله هذا التعداد من مؤشرات تساعد عصابة الانقلاب في خارطة هيكل الأنشطة الاقتصادية وحجم العمالة المصرية، ومحاصرة القطاع المدني غير الحكومي وغير العسكري. خارطة حصار اقتصاد الفقراء من المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، تأتي بتنسيق بين معلومات جمعها جهاز التعبئة العامة والإحصاء، وهى معلومات تفصيلية عن قيمة المدخلات والمخرجات لكل نشاط اقتصادي في كل محافظة، وتوفير بيانات دقيقة عن القطاع الخاص بشقيه الرسمي وغير الرسمي، والمشروعات الاستثمارية والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. وقدّم اللواء خيرت بركات، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عرضًا لمؤشرات آخر تعداد اقتصادي. وبالتركيز على القطاع الخاص، فقد أفادت المؤشرات بأن عدد العاملين في القطاع الخاص بشقيه الرسمي وغير الرسمي يبلغ 12.6 مليون مشتغل، بقدرة إنتاجية 3.3 تريليون جنيه.
حصر أموال المصريين ومع تسليط الضوء على القطاع الخاص غير الرسمي، قال اللواء خيرت بركات: إن عدد المنشآت الإنتاجية في القطاع الخاص غير الرسمي تبلغ 2 مليون منشأة، مقابل 1.7 مليون منشأة بالقطاع الخاص الرسمي، ويصل رأس مال القطاع غير الرسمي لنحو 69.3 مليار جنيه، مقابل 877.2 مليار جنيه للقطاع الرسمي. وأضاف أن 4 أنشطة اقتصادية تستحوذ على نسبة 84.2% من إجمالي المشتغلين في القطاع الخاص غير الرسمي، و37% من إجمالي العمالة في القطاع غير الرسمي يعملون في محافظاتالقاهرة الكبرى الثلاث. كما تناول رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، موقف المنشآت الخاضعة لقوانين الاستثمار، مشيرا إلى أن المنشآت الاستثمارية يبلغ عددها 139.2 ألف منشأة، يعمل بها 2.8 مليون مشتغل، برأس مال يصل إلى نحو 682.6 مليار جنيه. كما تناول العرض موقف المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لافتًا إلى أن عددها يصل لنحو 1.7 مليون منشأة، يعمل بها 5.8 مليون مشتغل، برأس مال يبلغ حوالي 77.1 مليار جنيه، ويعمل 36.3% من إجمالي العمالة بتلك المشروعات في محافظاتالقاهرة والجيزة والإسكندرية. من جهته، أكد مركز كارنيغي للشرق الأوسط أن الاقتصاد العسكري في مصر توسع خلال فترة حكم جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي تحت مسمى حماية الأمن القومي، لافتا إلى أن القوانين والاتفاقيات التي أقرها السفيه السيسي تمنح الاقتصاد العسكري سيطرة بعيدة المدى. وأشار كارنيجي، في تقرير له، بعنوان “توسيع الاقتصاد العسكري في مصر”، إلى أن صندوق مصر السيادي وقع اتفاقية تعاون في 3 فبراير مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، في محاولة من القوات المسلحة لتهيئة بعض الأصول التابعة للجهاز للاستثمار المحلي والأجنبي، وتوسيع قاعدة ملكيتها.
تغول العسكر وتأسس جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، أثناء قيادة الرئيس الراحل أنور السادات، لضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي من احتياجات القوات المسلحة، مع طرح فائض إنتاجه بالسوق المحلية والمعاونة في مشروعات التنمية الاقتصادية بالدولة كمشروعات البنية الأساسية والمشروعات التنموية بالمحافظات الحدودية. وأوضح كارنيجي أنه في عهد السفيه السيسي “توسعت صلاحيات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، وأصبح المحرك الأكبر لاقتصاد البلاد من خلال مشاركته في كافة المجالات الحياتية ومنافسته للقطاع الخاص”، منوها إلى أنه “بفضل مرسوم صادر، فإن الصندوق المُوقع حديثا على الاتفاقية، محمي من الطعون المدنية فقط من أجل تعزيز خطط السيسي لخلق اقتصاد عسكري مصون”. وتابع: “المرسوم رقم 177 لعام 2018، الذي صدق عليه السيسي، يستهدف تنمية موارد الدولة واستغلال أصولها، بما في ذلك الشركات والمصانع الحكومية المغلقة أو غير المستغلة التي تحقق أرباحًا منخفضة. وفي 26 ديسمبر 2018، وافق مجلس الوزراء على تعديلات على القانون، تمنح الرئيس الحق في نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة للدولة إلى الصندوق، مع قصر الطعن على قرارات الرئيس على المالك أو الصندوق الذي ينقل ملكية ذلك الأصل فقط – دون الآخرين. ووفقا للتعديلات، لا يُسمح لأي شخص بتقديم مطالبات بطلان العقود التي أبرمها الصندوق”. وأشار إلى أن “المحاكم تلتزم من تلقاء نفسها بعدم قبول الطعون أو المطالبات المتعلقة بهذه النزاعات. ويحق أيضا للصندوق، بقرار من الرئيس، امتلاك الشركة أو المصنع بالملكية المنقولة حديثا، وبيعه لأي مستثمر أجنبي دون أي صعوبات. بمعنى آخر، إذا تم تحويل ملكية أي شركة حكومية إلى الصندوق، ثم قام الصندوق ببيع الشركة إلى مستثمر أو وضعها في البورصة، فلا يحق لأي مواطن الاعتراض أو الطعن على ذلك”. ولفت إلى أن مقاطع الفيديو التي نشرها المقاول محمد علي وما كشفته من وقائع الفساد، دفعت السفيه السيسي للرد مباشرة على الاتهامات الموجهة ضد الجيش، وسعى إلى “تبرئة المؤسسة العسكرية، بطرح شركاتها في البورصة على مرأى ومسمع المصريين والقطاع الخاص، ومع ذلك، فإن هذا الطرح يواجه عقبات تحول دون تنفيذه”. وأكمل: “يتطلب إدراج أي شركة في البورصة، استيفاء عدة شروط، من بينها معرفة رأس مال الشركة، وأرباحها، ومن أين يأتي تمويلها، وأين تذهب الأرباح، وطبيعة دفعها للضرائب، في حين أن هذه الشروط قد تكون عقبات طفيفة أمام الشركات التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، فلا يجوز لأي فرد أو مؤسسة الاضطلاع عليها، فغالبا ما يرفض المسئولون الإفصاح عن مراكزها المالية ومصروفاتها ونفقاتها، بدعوة الحفاظ على الأمن القومي، رغم أن أنشطة الشركات مدنية وتخاطب المواطنين ولا تتعلق بأي أنشطة عسكرية”.
الاقتصاد السري ونوّه كارنيجي إلى أن “الاقتصاد السري للقوات المسلحة، ليس جديدا؛ فمنذ عقود، كان الجيش يعمل في سرية غير محدودة تحيط بنشاطه الاقتصادي، فيما يتعلق بأرباحه ومدى مدفوعاته الضريبية، وحجم استثماراته، ورأس ماله. والأكثر من ذلك، لم تتمكن أي جهة رقابية من تحديها، بما فيها الجهاز المركزي للمحاسبات، أعلى سلطة رقابية في مصر”. وأوضح أن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، المستشار هشام جنينة، قال خلال مقابلة تلفزيونية عام 2012، إنه “عاجز عن رقابة المنشآت الاقتصادية للقوات المسلحة التي لا علاقة لها بالأمن القومي، والتي لا تتطلب السرية الشديدة. من الأمثلة البارزة على ذلك قيام القوات المسلحة بتأجير قاعات للأنشطة المدنية، مثل حفلات الزفاف وأعياد الميلاد، مقابل مبالغ مالية دون أي رقابة. وقال جنينه، (ليس مقبولا أن لا يستطيع الجهاز المركزي للمحاسبات مراقبة قاعات الأفراح التابعة للقوات المسلحة. متسائلا: ما علاقة قاعات أفراح القوات المسلحة بالأمن القومي؟”. وأكمل: “في 2018، أصدرت الحكومة أيضا قانون التعاقد رقم 182 لعام 2018، الذي يسمح للجيش والشركات العسكرية بالإعفاء من الرقابة والمحاسبة. وينص على أن تنفيذ العقود، دون اتباع المناقصة العامة، بهدف حماية الأمن القومي، ما يسمح لهذه الجهات بالسرية المطلقة في عقود البيع أو الشراء أو الأرباح، ما يؤدي إلى انعدام الشفافية وانعدام المنافسة مع القطاع الخاص”. واستطرد كارنيغي قائلا: “في حين أن هذه الممارسات مستمرة قبل عام 2018، إلا أن هذا القانون عزز من عدم القدرة على مراجعة الشركات المملوكة للجيش، مما جعل هذه الممارسة غير قانونية في نهاية المطاف”. وقال: “في عهد السيسي، زادت إمبراطورية الجيش الاقتصادية، وأصبح يعمل الآن في تجارة الألبان والأدوية ووسائل النقل، وأصبح يشرف على نحو 2300 مشروع، يعمل بها 5 مليون موظف مدني، في مجال الصناعات الثقيلة والمتخصصة، وقطاعات الزراعة، والمزارع السمكية، والمحاجر والمناجم، والمقاولات، والبنية التحتية وغيرها من المشروعات العملاقة في الدولة، بحسب المتحدث العسكري للقوات المسلحة العقيد تامر الرفاعي”. ولفت كارنيجي إلى أن “إصرار السيسي على الطرح في الاكتتاب العام، وهو يعلم جيدا صعوبة تنفيذ ذلك، يشير إلى رغبته في غسل سمعة المؤسسة العسكرية، وتبرئة ساحتها من اتهامات الفساد وإهدار المال العام، والسيطرة غير الخاضعة للمساءلة على اقتصاد الدولة”. وأضاف: “يأمل السيسي أيضا في إرضاء صندوق النقد الدولي، الذي عبّر عن مخاوفه بشأن المشاركة العسكرية في الاقتصاد. ويعتقد صندوق النقد الدولي أن هذه المشاركة تخلق منافسة غير عادلة، مما قد يعوق الاستثمارات الأجنبية أو المحلية الجديدة. وأبدى النائب الأول لمدير عام الصندوق ديفيد ليبتون، تحفظه على توسع عمل شركات مملوكة للقوات المسلحة، تحت كيانات تبدو ظاهريا ملكيات خاصة”. واختتم كارنيجي بالقول إنه “من غير المحتمل أن تؤدي جهود النظام لتشجيع الاستثمار، إلى الشفافية على تدخل الجيش في الاقتصاد. وستظل حماية الأمن القومي حجة لتبرير أي سياسات مستقبلية قد يتبعها النظام”.