تواجه الأقلية المسلمة في سريلانكا اضطهادا دينيا متواصلا، من جانب الأغلبية السنهالية التي يدين معظم أبناؤها بالبوذية ومن جانب السلطات الحاكمة في البلاد التي تنحاز لتلك الأغلبية على حساب المسلمين. ويتنوع هذا الاضطهاد بين قتل مسلمين واعتداءات مستمرة على مساجدهم ومتاجرهم وحتى منازلهم ومدارسهم ووصل الإجرام والعنصرية؛ لدرجة حرق جثث المسلمين الذين توفوا بعد اصابتهم بفيروس كورونا، بزعم أن ذلك يأتي ضمن إجراءات وقائية واحترازية لمنع انتشار هذا الوباء. انتشر الإسلام في جزيرة سريلانكا أو سيلان قديمًا عقب دخوله الهندوالصين ودول شرق آسيا عبر رحلات التجار العرب، وهيمن المسلمون على كل ربوع البلاد إلى أن جاء الغزو البرتغالي فمارس انتهاكات ومذابح ضد المسلمين، وبعد مجيء الاحتلال البريطاني إلى الجزيرة قام بعمليات تبشير لتنصير المسلمين أو تهجيرهم من سيرلانكا. ويقدر عدد المسلمين في سريلانكا بنحو 2 مليون مسلم يمثلون نسبة 10% من السكان وينتمي غالبيتهم إلى المذهب الشافعي. https://www.youtube.com/watch?v=tYMDZW4GMzM
وينقسم مسلمو سريلانكا من ناحية العِرق إلى ثلاثة أقسام: مسلمو “مورو” : وهم من البرتغاليين الذين احتلوا الجزيرة في القرن السادس عشر، وهم الأغلبية الساحقة بين المسلمين. مسلمو ال”ملايو” : هم غالبا من الجنود الإندونيسيين بالجيش البريطاني. مسلمون هنود: يشكلون الضلع الثالث من مسلمي سريلانكا، وهؤلاء جاءوا تجارا من الهند واستقروا في البلاد. ويشعر مسلمو سريلانكا بقوة انتمائهم الديني بغضّ النظر عن الاختلاف العرقي والإثني فيما بينهم. وينتشر المسلمون في كافة أقاليم الجزيرة ولهم نحو ألفي مسجد والعديد من المؤسسات الدينية مثل جماعة التبليغ والدعوة وجمعية علماء سريلانكا وجمعية أنصار السنة (تأسست عام 1947) وترجمت إحدى هذه المنظمات معاني القرآن الكريم إلى اللغتين السنهالية ولغة التاميل “اللغتين المحليتين”. ويمتلك المسلمون في سريلانكا ثلاث صحف تصدر شهريًّا وأسسوا حزبًا سياسيًّا إسلاميًّا عام 1981 م هو حزب المؤتمر الإسلامي السريلانكي في العاصمة كولمبو، كما يوجد نحو مائتي مدرسة دينية بالجهود الذاتية لا تعترف السلطات بشهاداتها إضافة إلى وجود الجامعة النظيمية الإسلامية وهي معهد إسلامي، وفتحت حديثا جامعة إسلامية تحت مسمى جامعة المصطفى بالإضافة إلى محكمة لتطبيق الشريعة الإسلامية وقوانينها. https://www.youtube.com/watch?v=Ao3ifbz7WNg لاجئون في وطنهم كانت بداية الصراع الطائفي التي دامت قرابة الثلاثين عامًا من الحرب الأهلية عقب الحملات الثورية الانفصالية للمتمردين الهندوس (15% من السكان) التابعين لجبهة “نمور التاميل” للتحرير والحكومة المركزيَّة “البوذية”. وكان موقف المسلمين في هذه الحرب الأهلية مؤيدًا للحكومة البوذية، فارتكب الهندوس بناء على ذلك عدة مذابح كبيرة ضدّ المسلمين كان أشهرها عام 1990م، إذ تسبّبت هذه الهجمات في قتل وتشريد نحو 100 ألف مسلم وتحول المسلمون على إثرها إلى لاجئين في وطنهم إلى جانب تدمير أكثر من 200 مسجدٍ تاريخي. وتتعدد أسباب الاضطهاد الديني الذي يتعرض له المسلمون في سريلانكا خاصة وفي دول شرق آسيا عامة، منها اختلاف التشريعات والعقائد؛ حيث تحرم البوذية الكثير من الطقوس الدينية عند المسلمين مثل ذبح البقر والطيور والاحتفالات بعيد الأضحى، إذ يقدس البوذيون البقر ويحرمون ذبحها، كما ينظر البوذيون إلى المسلمين على أنهم وافدون أو غرباء محتلون ويجب إخراجهم من البلاد، وفق قانون الجنسية، شأنهم شأن المحتل، ويتخذون موقفًا معاديًا منهم. وتلعب الصين دورا كبيرا في الأزمات التي يتعرض لها المسلمون في دول شرق آسيا حيث تحاول بكين تغيير الخريطة الديموجرافية وتوازنات القوى خاصة مع صعودها كلاعب اقتصادي على مستوى العالم.
https://www.youtube.com/watch?v=_LQdmxbVMcU
أهم الاعتداءات ضد المسلمين ورغم أن المسلمين في سريلانكا يشاركون في الحياة السياسية، ولهم ممثلون في البرلمان والوزارات، ولهم هيئات تمثلهم على غرار المجلس الإسلامي السريلانكي الذي يضم ممثلين من المجتمع المدني إلا أنهم يتعرضون للإقصاء، وتستهدف مساكنهم ومتاجرهم ومساجدهم، وعانوا بشدة من الحرب بين التاميل والسنهال خلال الفترة بين عامي 1983 و2009. في مارس 2006، قتل أربعة مسلمين وأصيب آخرون بجروح في انفجار قنابل يدوية ألقاها مجهولون على مسجد مدينة أكاراباتو التي تبعد 350 كيلومترا شرق العاصمة كولومبو، حيث كان مئات الأشخاص يصلون. كما شن بوذيون هجمات عنيفة على مسجد بأحد أحياء العاصمة في أغسطس 2013؛ ما جعل المسلمين يغلقون المسجد وينقلون مكان عبادتهم إلى مسجد قديم. وتجددت أعمال العنف التي استهدفت المسلمين في يونيو 2014، مستهدفة منطقتين سياحيتين ساحليتين تسكنهما أغلبية من المسلمين، ووقف وراءها بوذيون، أدت إلى مقتل أربعة أشخاص وإحراق مئات المنازل والمحلات. وفي عام 2017، تم تنفيذ أكثر من عشرين هجوما على المسلمين على مدى شهرين في منطقة “جينتوتا” على بعد 115 كيلومترا جنوب العاصمة، تضمنت إحراق شركات يملكها مسلمون وهجمات بقنابل بنزين على المساجد. وفي بداية مارس 2018، دُمرت منازل ومتاجر مملوكة للمسلمين في منطقة كاندي على خلفية اشتباكات بين بوذيين ومسلمين أدت إلى سقوط قتلى، ودفعت السلطات لإعلان حالة الطوارئ. واندلعت الأحداث بعد أن هاجمت مجموعة من شباب المسلمين سائق شاحنة ينتمي للطائفة البوذية من العرقية السنهالية، بعد وقوع حادث مروري، وهو ما أدى إلى مقتله في منطقة ديجانا، وقتل شاب مسلم في السابع من مارس 2018 بعد تعرضه للاختناق جراء احتراق منزل في المنطقة نفسها. وتشير التقارير إلى مقتل وإصابة نحو 20 مسلمًا بجروح إلى جانب حرق وتدمير نحو 200 متجر ومنزل على يد عصابات من العرقية السنهالية وأكثر من 11 مسجدًا وفقًا لإحصاءات الشرطة السريلانكية. وفى هذه الأحداث استوقفت الشرطة نحو 150 شخصًا بينهم السنهالي “انيت وييراسنغي”، الذي قيل إنه المحرك الرئيسي للأحداث، واتخذت السلطات عددًا من الإجراءات الاحترازية تجنبًا لمزيد من أعمال عنف فقطعت شبكة الإنترنت وحظرت جميع منصات التواصل الاجتماعي، بعد أن رصدت الشرطة عددًا من مثيري الشغب السنهاليين يستخدمون تلك الوسائل لتنسيق هجمات على مؤسسات إسلامية.
خطاب الكراهية تتهم القيادات المسلمة فى سريلانكا متطرفين بوذيين بالمسؤولية عن الهجمات التي تستهدف المسلمين، حيث يروج هؤلاء لعدة مزاعم منها أن المسلمين يسيطرون على معظم الأعمال التجارية بالبلاد، ويحاولون الهيمنة ديموغرافيا عن طريق زيادة معدل مواليدهم وتعقيم السنهاليين والبوذيين سرا. وخلال الأحداث التي جرت في مارس 2018، أعلنت الشرطة في سريلانكا أنها اعتقلت أشخاصا ينتمون لجماعة بوذية متشددة، وقالت إن الجماعة نشرت تسجيلات مصورة تتضمن عبارات تحض على الكراهية ضد المسلمين. ورغم أنه من المبادئ الراسخة لدى الرهبان البوذيين عدم المبادرة بقتل نفس، وعدم اللجوء للعنف، وهذه المبادئ هي ما يميز جوهر التعاليم البوذية الا ان الرهبان البوذيين يستخدمون خطاب الكراهية ضد المسلمين، وأحيانا ينضمون إلى جماعات من الغوغاء في هجمات تسفر عن سقوط عشرات القتلى من المسلمين. وأكثر من ذلك يقود رهبان وأعضاء – البودو بالا سينا – أحد الألوية البوذية حملة ضد ذبح الدواجن والماشية على الطريقة الإسلامية. وينظمون مسيرات مناهضة، ويدعون إلى تحرك مباشر ومقاطعة أنشطة الاعمال التي يديرها مسلمون. هذه الاعتداءات دفعت “المنظمة الألمانية للدفاع عن الشعوب المهددة” إلى تحميل حركة “القوى البوذية” – ذات التوجهات القومية البوذية المتطرفة – مسؤولية ما جرى من اعتداءات وتحريض على مسلمي سريلانكا. وأكدت المنظمة أن هذه الحركة المسماة اختصارا “بي بي أس” تتبني شعار سريلانكا للبوذيين، وتطالب بعزل الأقلية المسلمة، كما أنها أطلقت عبر شبكة فيسبوك دعوات لرفض العادات والتقاليد الإسلامية في سريلانكا، خاصة الأطعمة الحلال وحجاب النساء. هذه الاعتداءات دفعت حقوقيين مسلمين الى التحذير من تحول المسلمين فى سريلانكا إلى روهينجا؛ أي أن تصبح أوشاعهم مشابة للإضطهاد والإبادة التي يواجهها المسلمون في ميانيمار “بورما”. اضطهاد.. وكورونا وعلى صعيد أزمة حرق جثث المسلمين بزعم مكافحة كورونا رجّح حقوقيون وقادة الأقلية المسلمة في سريلانكا أن تكون هناك دوافع عنصرية وسياسية وراء إصرار الحكومة على حرق جثث المسلمين الذين يتوفون بسبب كورونا. وقالوا إن ما يعزز هذه الدوافع اجتماع عقده عضو في الحكومة مع قيادات بوذية متطرفة، وكشف فيديو مسرب عنه تضمنه لغة عنصرية ضد المسلمين. ولم يستبعد المحامي والناشط الحقوقي السريلانكي شاه خان أن يكون الهدف من حرق جثث موتى المسلمين هو التغطية على إخفاقات الحكومة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع انتشار المرض، بالإضافة إلى أن حرق الجثة بدون موافقة أسرة المتوفى يحول دون تشريحها للتحقق من أسباب الوفاة، وهو ما يعتبر جريمة أخرى. وكشف شاه خان، في تصريحات صحفية، عن أن تعديل وزارة الصحة لقوانين مراسم تشييع ضحايا الأوبئة مخالف لتعليمات منظمة الصحة العالمية، وانتهاك صريح لحقوق الإنسان. واحتجاجا على هذه الجريمة طالبت منظمة العفو الدولية الحكومة السريلانكية باحترام الشعائر الدينية في تشييع جنائز من يتوفون بسبب فيروس كورونا، مستنكرة إحراق جثث مسلمين رغم رفض أسر المتوفين والإصرار على ضرورة تشييعهم. وقالت المنظمة في بيان لها: إن تشييع الجثامين وفق التقاليد الدينية حق للأقليات، مع الالتزام بالقيود الصحية والأمنية، والتي تهدف إلى منع انتشار المرض. وشدّدت على أن “إصرار سريلانكا على حرق جثث موتى المسلمين يعزز الاعتقاد السائد باضطهادهم، لا سيما عندما استغلت السلطات العام الماضي قانون الطوارئ للحد من الحريات الشخصية للمسلمات بمنع ارتداء الحجاب والنقاب. وذكّرت المنظمة بما وصفته بتقاعس السلطات عن منع الهجمات ضد ممتلكات المسلمين وتجمعاتهم السكانية العام الماضي، رغم حالة الطوارئ وحظر التجول الذي كان مفروضا بعد هجمات الفصح في 21 من أبريل من العام الماضي. كما اتهم مجلس علماء سريلانكا حكومة “ماهيندا راجابنغسا” بتبني آراء المتطرفين البوذيين، ومخالفة الدستور ومبادئ الشريعة الإسلامية وتعليمات منظمة الصحة العالمية.