اعتبر محللون وخبراء اقتصاديون أن الإجراءات التي أعلنتها حكومة الانقلاب في إطار خطة تحفيز الاقتصاد، جاءت أقل من طموحات المستثمرين والمتعاملين في السوق المصرية التي انهارت بشدة خلال الفترة الماضية. فمن ناحية جاءت القرارات متأخرة، ومن ناحية أخرى فإنها لا ترقى لمواجهة التداعيات الخطيرة التي خلّفها انتشار فيروس كورونا المستجدّ، لكن يبقى قرار خفض أسعار الفائدة هو الأهم في حزمة التحفيز. وأمس، قررت حكومة الانقلاب خفض أسعار الغاز، كما أعلن البنك المركزي عن خفض أسعار الفائدة بنسبة 3%، إضافة إلى إطلاق مبادرة لحل مشاكل المتعثرين في سداد القروض. فيما تقرّر خفض ضريبة الدمغة بالبورصة على غير المقيمين لتصبح 1.25 في الألف بدلا عن 1.5 في الألف وعلى المقيمين لتصبح 0.5 في الألف بدلا عن 1.5 في الألف، لحين تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية عليهم بداية عام 2022.
تخفيض الضريبة وأقرّت الحكومة أيضا خفض سعر ضريبة توزيعات الأرباح للشركات المقيدة بالبورصة 50% لتصبح 5%، بجانب الإعفاء الكامل للعمليات الفورية على الأسهم من ضريبة الدمغة لتنشيط حجم التعامل وزيادة عمق السوق المصرية وإعفاء غير المقيمين من ضريبة الأرباح الرأسمالية نهائيا وتأجيل هذه الضريبة على المقيمين حتى مطلع 2022. واستنادًا إلى مذكرة بحثية حديثة، قالت شركة “إتش سي” للأوراق المالية، إن قرار البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة بنحو 300 نقطة أساس جاء أعلى من التوقعات التي كانت تشير إلى خفض بمقدار 200 نقطة أساس في النصف الأول من 2020. وربطت بين القرار المفاجئ للبنك المركزي المصري وبين قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا المركزي بخفض أسعار الفائدة ب50 نقطة أساس لتصل إلى 0.5% و0.25% على الترتيب، وكذلك إعلان الفيدرالي الأميركي لخفض آخر متوقع ليصل سعر الفائدة إلى ما يقرب من صفر% في ضوء أحداث تفشي فيروس كورونا. وقالت محللة الاقتصاد الكلي وقطاع البنوك بشركة “إتش سي” للأوراق المالية والاستثمار، مونيت دوس، إن “قرار خفض سعر الفائدة سيحفز الاستثمار الخاص والاستهلاك المحليين، حيث نرى هذين العاملين يعتبران المحركين الرئيسين للاقتصاد في الفترة المقبلة. كما نرى أن القرار سيقلل من تكلفة الدين على الحكومة، مما يقلل من الضغط على عجز الموازنة”. معدل التضخم ومن المتوقع أن يكون القرار إيجابيًا على استئناف قروض النفقات الرأسمالية، مما سيعوض جزئيا آثار مخاوف فيروس كورونا. وجاء معدل تضخم فبراير الماضي عند 5.3% على أساس سنوي، أي أفضل من التوقعات السابقة التي كانت عند 5.9% على أساس سنوي، وأقل بكثير من مستهدف التضخم للبنك المركزي المصري عند مستوى 9% (+/ – 3 %) للربع الأخير من عام 2020. ورجّحت “دوس” أن تنعكس زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية الأساسية كنتاج لانتشار فيروس كورونا على ارتفاع التضخم ليحقق معدل 8% خلال 2020، وهو أعلى من التوقعات السابقة عند مستوى 6.6%. في سياق متصل، أشارت “إتش سي” إلى أن وصول سعر خام “برنت” إلى 34 دولارا للبرميل سيسمح للحكومة بخفض سعر البنزين بالحد الأقصى للخفض، وهو 10% كل ربع سنة. وبتطبيق متوسّط توقّعات الاقتصاديين في وكالة “بلومببرغ” لعام 2021 بالنسبة إلى سعر خام “برنت” عند مستوى 39 دولارا للبرميل، سيسمح ذلك للحكومة بخفض أكبر لسعر البنزين 92 والسولار، مما سينعكس إيجابياً على احتواء الضغوط التضخمية. وباحتساب التوقعات الجديدة لقيمة التضخم ضمن نموذج سعر الصرف الفعلي الحقيقي، رجحت “إتش سي” انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار بنسبة 4% عن مستوياته الحالية بحلول ديسمبر المقبل، وذلك أعلى من التوقعات السابقة التي جاءت عند 3% فقط. وعلى افتراض انخفاض معدل أذون الخزانة لل12 شهرا بنسبة 3% تقريبا لتصل إلى 11.7%، وباحتساب 15% ضرائب على أذون الخزانة المفروضة على المستثمرين الأمريكيين والأوروبيين، وباحتساب توقعات التضخم، فمن المرجّح أن تحقق مصر معدل فائدة بالإيجاب قيمته 1.99% مقارنة بنحو 0.3% في تركيا، ومن هنا تظلّ مصر أعلى جاذبية، مع الأخذ في الاعتبار أن معدل “مبادلة مخاطر الائتمان” للخمس سنوات بالنسبة إلى مصر هو 517 نقطة أساس بالمقارنة بنحو 469 لتركيا. مخاوف متزايدة لكن على الرغم من ذلك، توقعت “إتش سي” أن تتسبب المخاوف من فيروس كورونا في زيادة التخارج من أذون الخزانة المصرية، والتي سيتم تمويلها من خلال سوق “الإنتربانك”، كما حدث في التخارج الذي شهدته الأسواق الناشئة في النصف الثاني من عام 2018. ورجّح التقرير أن تتحول البنوك المصرية إلى مركز صافي التزامات أجنبية، والذي قد يتحول إلى صافي أصول أجنبية لاحقا بسبب التدفقات في المحافظ الأجنبية بعد أن تهدأ مخاوف فيروس كورونا. كما توقعت أن تغطي البنوك المصرية الفجوة التمويلية المحلية، بخاصة بعد أن أعلنت الحكومة المصرية أنها لا تخطط لإصدار المزيد من السندات الدولية في السنة المالية 2019- 2020 بعد إصدارها لسندات دولية بقيمة 2 مليار دولار في نوفمبر من العام 2019. وتطرقت الشركة إلى تقريرها الصادر في فبراير الماضي تحت عنوان “أسهم جيّدة بمخاطرة محدودة لانخفاض التقييم”، فقد تم احتساب خفض لسعر الفائدة بنحو 200 نقطة أساس في النصف الأول من 2020 عند تقييم للشركات محل التقرير، وقد يشكّل الخفض الإضافي ب100 نقطة أساس ارتفاعا في تقييمات الشركة، مما سيعوض جزئيا الآثار السلبية لتفشي فيروس كورونا. وبالنسبة إلى القطاع العقاري، توقعت “إتش سي” أن يجتذب خفض سعر الفائدة السيولة من أدوات الادّخار مما يؤدي لتحفيز مبيعات المطورين العقاريين، وأضافت “لكن ما زلنا عند توقعنا بعودة مستويات الطلب بنهاية عام 2020، لأن القوة الشرائية ما زالت متأثرة. وعلى المدى القصير، سيقلل خفض سعر الفائدة من تكلفة التمويل لدى المطورين العقاريين، مما سيحسن معدلات التنفيذ والتسليم، وذلك في ضوء توقعنا لزيادة نفقات المصروفات الرأسمالية إلى جانب خفض تكلفة ديونهم المستحقة ذات الفوائد المتغيرة. الشركات التي قد تستفيد من خفض سعر الفائدة هي بالم هيلز ومصر الجديدة للتعمير، نظرا لارتفاع ديونهما، كما نتوقع أن يستفيد باقي شركات القطاع العقاري من التكلفة الأقل للتمويل”. وتابعت “ما زلنا نتوقع أن أداء الشركات التي تنتج سلعا استهلاكية أساسية سيتحسن أسرع من أداء الشركات التي تنتج سلعا استهلاكية غير أساسية؛ بسبب تأثر الأجور، ونرى أنه من المبكر أن نشهد تحسنا في سوق السيارات؛ نظرا لعدم وضوح الرؤية لهذا القطاع حاليا. وبالنسبة إلى الطلب على السجّاد فإننا نرى أنه يتأثر سلبا؛ نظرا لأن مبيعات القطاع مرتبطة بجدول تسليمات المطورين العقاريين والذي شهد تراجعا في 2019 على أساس سنوي”.