وأخيرًا التقى الرئيسان المنتخبان التركي رجب طيب أردوغان، والتونسي قيس بن سعيد، ولا يُظَن أن أحدًا من المراقبين والسياسيين لم يكن ينتظر هذا اللقاء، حتى "ممالك النار" التي كانت تأمل أن تضم تونس إلى قائمة الدول التي تُباع وتُشترى، قبل أن يفاجئهم الرئيس "قيس" بهذه البداية غير المشجعة بالنسبة لهم! وربما ليس بعيدًا عن الاتفاق الذي وقعه أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليًّا، جاءت زيارة أردوغان المفاجئة إلى تونس، ومن المعروف أن أردوغان لديه خبرة طويلة في مفاجئة وإرباك صهاينة العرب، وإفشال مخططاتهم، ويعلم أن عيونهم حاليًا على رئيس تونس المنتخب قيس سعيد، ويحاولون إسقاطه. دعونا نتفاءل ولم يتضح الهدف من المحادثات حتى الآن، وربما كان سبب الزيارة إعطاء ترتيبات وقائية للرئيس التونسي، وكيف يتعامل مع صهاينة العرب الذين يستهدفونه بالانقلاب، وعلى رأسهم شيطان الإمارات وذيله جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي، وسط توقعات بأن تركز على الملف الليبي. ويصطحب أردوغان في زيارته التي تستمر ليوم واحد فقط وزيري الخارجية مولود تشاووش أوغلو والدفاع خلوصي أكار، إلى جانب مدير المخابرات، هاكان فيدان، وقال أردوغان – في مؤتمر صحفي لدى وصوله -: "سيكون لتونس إسهامات قيمّة بجهود الاستقرار في ليبيا"، مضيفًا: "التطورات السلبية في ليبيا لا تؤثر عليها فقط، ودول الجوار على رأسها تونس منزعجة جدًا من ذلك". وتأتي الزيارة بعد يوم من مفاوضات تركية روسية، بشأن التدخل في ليبيا، وبعد يومين من دخول الرئيس التونسي قيس سعيّد على خط الأزمة الليبية، بتفويض من وفد مجلس القبائل والمدن الليبية، بينما تستعد الجزائر للدخول علي خط الأزمة، وهو ما يطرح السؤال: هل هي وعود للحل أم وعيد للتأزيم؟ صيغة توافقية وتأتي الخطوة بعد يومين من إطلاق سعيّد "إعلان تونس للسلام"، الذي دعا فيه كل الليبيين للجلوس إلى "مائدة الحوار بهدف التوصل إلى صيغة توافقية للخروج من الأزمة الراهنة، في إطار الاتفاق السياسي الداخلي، واحترام الشرعية الدولية". وأوضح الإعلان أن "الحل في ليبيا لن يكون إلا ليبيا – ليبيا دون إقصاء أو تهميش لأي طرف مهما كانت انتماءاته السياسية أو الفكرية أو المنطقة التي ينتمي إليها، تحت سقف نظام مدني". وتهدف زيارة أردوغان إلى التعرف على قيس سعيد ونظرته لأفق الصراع في ليبيا، خاصة بعد اللقاء الأخير مع المجلس الأعلى للقبائل الليبية، وأنباء عن زيارة مماثلة إلى الجزائر في نفس اليوم، ولقاء تشاوري مرتقب مع عبد المجيد تبّون لتنسيق المواقف بشأن الملف الليبي. وقال أردوغان: إن خمسة آلاف مقاتل سوداني وألفين من المرتزقة الروس يقاتلون في ليبيا، مضيفًا خلال زيارة مفاجئة لتونس أنه أبلغ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون بضرورة مشاركة تونسوالجزائر وقطر في مؤتمر برلين الخاص بليبيا. وتساءل الرئيس أردوغان عن الصفة التي دخل بها 5 آلاف مرتزق من السودان، وألفان من شركة فاغنر الروسية إلى ليبيا، متسائلاً: "ما عملهم هناك؟ وما ارتباطاتهم؟"، وشدَّد أردوغان على أن القوات الأجنبية في ليبيا:"لا تتمتع بأي سند قانوني، واللواء المتقاعد خليفة حفتر جهة غير شرعية في ليبيا". وتأتي زيارة "أردوغان" في ظل توتر متزايد بليبيا؛ حيث تدعم أنقرة حكومة الوفاق المعترف بها دوليًّا، والتي تحاول صدّ أحدث هجوم على طرابلس تشنه قوات حفتر المدعوم من السفيه السيسي وشيطان الإمارات وفرنسا وروسيا، وقال الرئيس التونسي إن الاتفاق البحري الموقع بين تركيا وليبيا، والمتعلق بترسيم الحدود البحرية لا يمس تونس، ولم يكن مطروحًا في لقائه مع أردوغان. ضربة لمحور الصهاينة "ما مصير مشروع خط الأنابيب الإسرائيلي إلى أوروبا بعد اتفاقيتي أردوغان والسراج؟"، هكذا تساءل موقع "إنرجيا نيوز" الصهيوني المتخصص في الشئون الاقتصادية، وقال: "يوفال شطاينتس وزير الطاقة الإسرائيلي يمر هذه الأيام بأسوأ الفترات في تاريخ توليه للحقيبة الحكومية، وذلك بعد توقيع تركيا وليبيا لاتفاقيتين ترسيم الحدود والتعاون العسكري بين الجانبين". وأوضح أن "شطاينتس هو صاحب فكرة مد خط أنابيب من إسرائيل إلى أوروبا وهو المشروع المهدد بالفشل في ظل التطورات الجديدة بالشرق الأوسط؛ وخاصة في منطقة البحر المتوسط". وذكر الموقع الصهيوني أن "خط أنابيب الغاز قد يجر إسرائيل إلى صراع إقليمي لا تحمد عقباه، والسؤال هل تنجر إسرائيل إلى حرب بالمنطقة وتقاتل في نفس المعسكر مع حلفائها مصر واليونان وقبرص ضد أنقرة؟". ونقل الموقع عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها: "إسرائيل ليست لديها رغبة في مواجهة مع تركيا بشأن المياه الاقتصادية لشرق المتوسط، في المقابل تتبع الأخيرة سياسة التصعيد معلنة ضم منطقة بحرية كبيرة إلى مياهها الاقتصادية الخالصة، منتهكة بذلك حقوق الدول الأخرى". وأضافت المصادر: "يمكننا النظر إلى الخطوة التركية على أنها تهدف إلى إحباط مشروع (إيست ميد) الإسرائيلي الذي يتضمن مد خط أنابيب تحت الماء من حقول الغاز في إسرائيل ومصر وقبرص وإيصاله إلى جنوبإيطاليا، وهو المشروع الذي يعد وزير الطاقة صاحبه والمبادر به، في وقت تعلو أصوات داخل تل أبيب حول جدوى هذا المشروع على الصعيد الاقتصادي والهندسي". وقالت إن "الحكومة الإسرائيلية لم ترد حتى الآن على تحركات تركيا، وقبل أسابيع، أعلن مسؤولو تل أبيب الحكوميون أن مشروع خط أنابيب الغاز سيتم تنفيذه قريبًا، لكن مؤخرًا طالبت أنقرةالأممالمتحدة بتسجيل الحدود البحرية المشتركة للمناطق الاقتصادية في تركيا وليبيا ومصر، على النحو المنصوص عليه في الاتفاقية المبرمة بينها وبين ليبيا". وذكرت أن "الخط الحدودي الجديد يمر عبر البحر المتوسط جنوبقبرص، ويضم المنطقة البحرية بالكامل بين قبرص وكريت إلى تركيا، في وقت أوضحت فيه الأخيرة أن بموجب الاتفاق الجديد مع حكومة فايز السراج، لن يتم السماح لأي دول أخرى بالملاحة في أراضي منطقتها الاقتصادية الخالصة إلا بموافقتها، وهددت باستخدام القوة العسكرية ضد أي نشاط لاستكشاف النفط والغاز في منطقة قبرص".