حصلت "الحرية والعدالة" على نص مذكرة رد هيئة المحكمة، التي تنظر القضية المتهم فيها الرئيس الشرعي للبلاد الدكتور محمد مرسي ، و130 آخرين من قيادات العمل الإسلامي، في قضية اقتحام السجون إبان ثورة 25 يناير 2011. وجاءت المذكرة لتستند إلى ثلاثة أسباب رئيسية لرد هيئة المحكمة، تمثلت في القفص الزجاجي العازل للصوت، والإخلال بعلانية الجلسة وإبداء رأي المحكمة المسبق بحق عدد من المتهمين، وبطلان تشكيل الدائرة، حيث جاءت الأسباب الثلاثة كالتالي:
الأول: إن المحكمة تبنت رأيًا مسبقًا تجاه المتهمين مع إهدارها للضمانات المقررة لهم بموجب قانون الإجراءات الجنائية؛ حيث فوجئ المتهمان محمد البلتاجي وصفوت حجازي وغيرهما من المتهمين في القضية بحبسهم داخل أقفاص حديدية شديدة التأمين والأحكام مقسمة من داخلها إلى عدة أقفاص للفصل بين المتهمين تقييدًا لحريتهم في أن يتوصلوا فيما بينهم في شأن الدعوي التي تضمهم بأمر الإحالة، ولم يكن هذا التحفظ من قبل الجهات الأمنية والذي جرى تحت بصر وسمع المحكمة، وتم بعد ذلك تغطية الأقفاص بزجاج سميك مانع للصوت مشوش للرؤية فاصل بين المتهمين والمحكمة وبين المتهمين ودفاعهم الحاضر عنهم.
وتبين للدفاع أن تغطية هذه الأقفاص الحديدية بمثل هذا الزجاج السميك المانع للصوت والمشوق للرؤية تم بمعرفة المحكمة وبأمرها المسبق وتحت إشرافها ومعاينتها في اليوم السابق من أولى جلسات المحاكمة، وتم إثبات ذلك بمحضر الجلسة وأن تلك الأقفاص بحالاتها التي صممت عليها يستحيل أن يمر من خلالها صوت، وبعدها باشرت المحكمة بتركيب دائرة كهربائية داخل الأقفاص تتحكم من خلالها وبموجب زر في يدها وآخر في يد موظف فني، في مرور صوت المحكمة والدفاع وغيرهم من خصوم الدعوة إلى المتهمين داخل الأقفاص أو مرور صوت المتهمين إلى خارج الأقفاص ومن ثم تمنع سماع المتهمين لإجراءات المحاكمة وقتما تشاء.
كما تمنع صوت المتهمين الصادر بدافعهم وطلباتهم من المرور خارج هذه الأقفاص وقتما تشاء وعلى النحو الذي لم يملك المتهمون حال رغبتهم في إبداء دفاع مع المحكمة أو التواصل مع المتهمين الحاضرين إلا بإشارات بأيديهم أو يضربون بها على زجاج الأقفاص أملاً في لفت الانتباه لهم، وأصبحوا في مركزهم الإجرائي بالدعوة مركز الصم والبكم الذين لا يملكون حيلة للدفاع عن أنفسهم ودفع الاتهام عنهم.. بل إن الصم والبكم أفضل حالاً منهم؛ حيث يستدعي لهم من يعبر عن إشاراتهم وينقلها إلى المحكمة، وهو ما لم يجد معه دفاع المتهمين إلا أن يعترضوا على تلك الإجراءات العاصفة بحقوقهم والمهدرة لحرياتهم، واصفينها بالبطلان على ما تم من تلك الإجراءات؛ حيث إن المحكمة ظلت على موقفها من متابعة إجراءات الدعوى في ظل هذا الإخلال الجسيم بحقوق الدفاع والمتهمين، فهو ما لم يجد معه الدفاع إزاء عدم تمكنه من القيام بدوره في مباشرة دفاع حقيقي لا شكلي إلا أن يرد المحكمة لحماية حقوق المتهمين في الحصول على محاكمة قانونية منصفة تراعي كافة الضمانات وترسخ في نفوسهم الشعور بالطمأنينة أثناء مباشرة الدعوى.
إذ إن وضع المتهمين داخل هذه الأقفاص الزجاجية قبل انعقاد أولى جلساتها وافتتاح إجراءاتها يثير في نفس المتهمين عدم الطمأنينة في أن المحكمة كونت رأيًا مسبقًا تجاههم، الأمر الذي جعلها تضعها في مركز إجرائي متدنٍ حال بينهم وبين القدرة على ممارستهم حق الدفاع عن أنفسهم، وهو الأمر الذي أشعر المتهمين بأن الأصل فيهم هو الاتهام لا البراءة.. رغم تقديرهم للمحكمة، وأن إجراءات الدعوى ستتحول إلى وثيقة اتهام مستمرة يقف المتهمون أمامها موقف الإذعان، مما يهدر أصل البراءة فيه ويعصف بمبدأ التوازن بين خصوم الدعوى وهو ما يخالف نص المادة 96 من الدستور التي تنص على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وأناط المشرع للمحكمة وفقًا لنص المادة 243 من قانون الإجراءات الجنائية أن ضبط الجلسة وإداراتها منوطان برئيسها وله في سبيل ذلك أن يخرج من قاعة الجلسة من يخل بنظامها فإن لم يمتثل وتمادى كان للمحكمة أن تحكم بحبسه 24 ساعة أو تغريمه عشرة جنيهات، وحكمها يجوز الاستئناف عليه، كما يجوز لرئيس المحكمة وفقا للمادة 270 إجراءات إبعاد المتهم عن الجلسة أثناء نظر الدعوى إذا وقع منه تشويش يستدعي ذلك وعلى المحكمة أن توقفه على ما تم من إجراءات في غيبته.
وأن من يبعد من المتهمين عن الجلسة للتشويش أفضل حالاً من المتهمين داخل القفص الزجاجي؛ حيث له الحق في أن يطلب من المحكمة أن تعلمه ما تم في غيبته، وهو ما لا يتوافر للمتهمين في القضية، حيث تعاملهم المحكمة معاملة من يحضر إجراءات المحاكمة على الرغم من أن حضورهم بأجسادهم فقط حيث لا يسمعون ولا يرون ولا يقفون على ما يتم تداوله من وقائع وإجراءات في الجلسة، وعلي الرغم من تمسك الدفاع بإزالة القفص الزجاجي إلا أن المحكمة أعرضت عن طلب الدفاع وتتعمد في الإسراع في إجراءات الدعوى، وأن وضع المتهمين داخل الأقفاص يبطل إجراءات المحاكمة ويجعلها شكليًا، وأنه سبق وأن تقدم الدفاع بأسطوانة مدمجة تضمنت تسريبًا لحديث المتهمين ودفاعه داخل الجلسة، مما يقطع بأن حرمة المتهمين وحقوقهم قد عصف بها، وأوضح الدفاع هذه الخطيئة لرئيس المحكمة إلا أنه أسرع في أجراءته.
ثانيًا: إهدار بالمحكمة لضمانة علانية الجلسات؛ حيث فوجئ المتهمون بعقد جلسات الدعوى في أكاديمية الشرطة، وهو مكان شديد الحراسة غير مفتوح لعامة الناس، ولا يملك كل من يريد حضور الجلسات الدعوى حضورها رغم سعة قاعة المحكمة، كما وقفت المحكمة بالحضور عند حد بعض الصحفيين ولمحامين بذواتهم وصفاتهم بموجب بطاقات خاصة لا تمنح لكل من يطلبها؛ بل يحصل عليها من استطاع الحصول عليها بشق الأنفس، ودون حضور عامة الناس أو جزءا من الشعب الذي يصدر الحكم باسمهم، وهو ما يتعارض مع علانية الجلسات وفقًا للقانون، وعدم تحقيق تلك العلانية يبطل إجراءات المحاكم والحكم الذي سيصدر في الدعوى.
وبالرغم من حق رئيس المحكمة في عقد الجلسات سرية إنما تم فقط منع الجمهور وليس للخصوم في الدعوى وحضورهم المحاكمة مكملاً لمبدأ شفوية المرافعة، ومما لا شك أن المحاكمة في ظل حبس المتهمين داخل الأقفاص الزجاجية المانع للصوت والرؤية يحيل المحاكمة في مواجهة المتهمين إلى محاكمة سرية بسبب عدم قدرتهم على متابعة إجراءاتها.
وأن رئيس الهيئة قد سبق له بتأييد التحفظ على أموال المتهم صفوة حجازي على الرغم من قيام النيابة باستبعاد المتهم منها وصدور قرارها الضمني بأنه لا وجه لإقامة الدعوى في الجناية رقم 6187 لسنة 2013 جنايات المقطم وهو ما يعد سببًا من أسباب الرد.
ثالثًا: بطلان تشكيل المحكمة بطلانًا متعلقًا بالنظام العام لمخالفته نص المادة 96 من الدستور التي تنص على أن التقاضي حق مصون ومكفول للكافة وتلتزم الدولة بتقيب جهات القضاء وتعمل على سرعة الفصل في القضايا ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضية الطبيعي والمحاكم الاستثنائية محظورة.
ولقد شكلت المحكمة المراد ردها بقرار من رئيس محكمة الاستئناف وحيث وزعت عليها بذاتها الدعوى محل طلب الرد وعدة دعاوى أخرى خاصة بالمتهمين وذلك لنظرها بالمخالفة لقواعد توزيع الاختصاص المقررة بقانون الإجراءات الجنائية وتم إسناد الدعوى للقاضي وفقا لمعيار ذاتي خاص نال من حق المتهمين في محاكمتهم أمام قاضيهم الطبيعي.
ومن المقرر أن اختيار محكمة بعينها أو قاض بعينه لنطر الدعوى معينة لا تملكه الجمعيات العمومية للمحاكم ومن ثم لا تملك التفويض فيه ما دام مخالفًا للقانون، ومن ثم فإنه لا يصح أن تشكل المحكمة بمناسبة قضية بعينها أو يندب قاضٍ بذاته لنظر دعوى بعينها والمشرع لم يخول للجمعيات العمومية للمحاكم توزيع القضايا إلا بناء ووفقًا لقاعدة عامة موضوعي مجردة لا تتصل بقضية بذاتها متهمين بذواتهم نأيا بالقضاة عن أي شبهة تخل بمظهر الحيدة والتجرد الذي يبعث على الاطمئنان في نفوس المتقاضين.
وتوزيع القضايا على الدوائر الانتقائية التي شكلتها الجمعية العمومية قبل بداية العام القضائي لم يخوله المشرع للجمعية العمومية نفسها أو من تفوضه وبالتالي فان فاقد الشيء لا يعطيه ويجب توزيع القضايا وفقا لقواعد عامة مجردة تحددها الجمعي العمومية للمحاكم ومخالفة ذلك يهدر مبدأ المساواة بين المتقاضين في أن يحاكموا أمام قاضيهم الطبيعي ما يثير عدم الطمأنينة في نفس المتهم لمحاكمته في ظل تلك الظروف التي تنعدم فيها الضمانات.