يعتبر معدل الجريمة من أهم المؤشرات التى تستخدم فى قرارات السفر للسياحة والاستثمار والعيش فى الدول والمدن المختلفة. فمن الشائع أن تصنع السلطات خرائط توزع عليها مناطق انتشار الجرائم لإرشاد المواطنين والمستثمرين ورجال الأمن وصناع القرار. فمثلا، تقوم أمريكا بتصنيف ولاياتها حسب معدل الجريمة وتنشر إحصاءات تفصيلية عنها. كما توفر خرائط لأماكن سكن من اعتدوا على الأطفال جنسيا وأماكن جرائم المخدرات حتى يحذرهم الأهالى. كما تقوم هيئات دولية بتقييم وتصنيف دول العالم حسب سمعة القضاء ومكافحة الفساد لإرشاد المستثمرين والسياح والهيئات الدولية. ففى مؤشر لترتيب سمعة القضاء وقياس حكم القانون فى دول العالم، حصلت مصر على 0.45 نقطة فى العدالة الجنائية و0.47 فى العدالة المدنية و0.51 فى محاربة الفساد. علما بأن الدرجة صفر تعنى المرتبة الدنيا وواحد صحيح تعنى المرتبة العليا. وحسب استطلاع حديث لزغبى، انخفضت ثقة المصريين بالقضاء من 67% فى مايو إلى 54% فى سبتمبر الفائت، وذلك بعد دخول القضاء كخصم وليس حكم فى عهد الانقلابيين. وعليه، فبسبب غياب دولة القانون وصل ترتيب مصر فى مكافحة الفساد إلى 114 من بين دول العالم. معدل الجريمة فى مصر تضاعف ثلاث مرات منذ اندلاع الثورة حيث زادت جرائم القتل من 774 فى عام 2010 إلى 2144 فى العام الماضى. كما زادت جرائم الخطف مقابل الفدية من 107 جرائم عام 2010 إلى 412 فى العام الماضى. كما تضاعفت جرائم السرقة بالإكراه 12 مرة. وعليه، فإن قيام الانقلابيين باستبدال الاعتقالات السياسية لمعارضيهم بجرائم ملفقة ومحاكمتهم عليها يعدان جريمة كبرى فى حق الشعب المصرى ككل. فمع كل حكم يصدر على أحد النشطاء السياسيين يزداد معدل الجريمة فى مصر وتسوء سمعة المصريين ككل، سواء كانوا أنصارا أو أعداءا للشرعية. أضف إلى ذلك، تضرر ترتيب بيئة الاستثمار والسياحة فى مصر. وبمعنى آخر، الانقلابيون يحسنون صورتهم على حساب سمعة المصريين. فمثلا، رغم الإفراج عن حرائر حركة 7 الصبح بعد الحكم بعام مع إيقاف التنفيذ فهن ما زلن فى عداد المجرمات طبقا لإحصائيات وزارة الداخلية المصرية ومؤشرات الجريمة العالمية. وهذا يترتب عليه مشاكل نفسية واجتماعية كبيرة فى المستقبل ولا سيما فيما يخص فرص الزواج والعمل ونظرة الأبناء. لذلك يصر محاموهن على الاستمرار فى القضية حتى إثبات براءتهن كاملة وتطهير سجلهن. ومما يثير التساؤل حول مدى استقلالية القضاء، الحكم المتعجل لمحكمة جنح على طلبة الأزهر ب17 سنة. فبالإضافة إلى العجلة، لم يأخذ القضاة بأعلى الأحكام كما استقر عليه العرف. ولنتخيل صورة مصر عالميا وترتيبها بين دول العالم من حيث معدلات الجريمة عندما يتم الحكم على الرئيس مرسى ووزرائه وقادة الأحزاب وأنصار الشرعية وآلاف النشطاء السياسيين ومعارضى حكم العسكر فى جرائم ملفقة. كيف تبدو مصر فى نظر العالم وخريجى الجامعات المصرية والأزهر وآلاف الطلبة وأساتذة الجامعات متهمون بالإرهاب والبلطجة؟ ومما يزيد تفاقم أزمة الثقة بالقضاء المصرى فضيحة تعيين 25% من دفعة جديدة من النيابة العامة من أبناء القضاة. وقد تصل هذه النسبة إلى أكثر من 95% إذا حسبنا أقاربهم ومعارفهم وأصحاب الحظوة. كما تم استبعاد 247 لأسباب سياسية منهم 110 من الإخوان. يحدث هذا بينما يوجد المئات من حملة الماجستير والدكتوراه فى القانون والشريعة ولا يجدون لقمة العيش. وبعد الحكم بحظر جماعة الإخوان ومصادرة أملاكها، وضعت وزارة التعليم الفاشلة أياديها، بل أرجلها، على 62 مدرسة مملوكة للإخوان. لنتذكر أن ترتيب مصر فى التعليم الابتدائى هو الأسوأ على مستوى العالم. وضع وزراة التعليم يدها على المدارس الخاصة سوف يدمر مستقبل آلاف الطلبة وينتهك قوانين الاستثمار ويحارب التعليم الخاص. كثير من أولياء أمور طلبة هذه المدارس ليسوا بإخوان. بل تجد هناك أبناء للضباط والقضاة أنفسهم. بمعنى أدق، لقد أصبح القضاة يقودون الحرب على الشعب!! بالله عليكم هل سيستثمر أعضاء الإخوان فى بلدهم بعد استيلاء الدولة على ممتلكاتهم وبحكم قضائى؟ كما ينص دستور الانقلابيين على أن تكون ميزانية القضاء رقما واحدا لا يخضع للمناقشة فى مجلس الشعب. ومن المضحك اتهام المستشار الخضيرى بتعذيب مواطن فى ميدان التحرير أيام الثورة. ومما يثير الاشمئزاز قضية استثناء أحد المعينين فى القضاء بعد صدور قرار تعيين وذلك بسبب فقر أبويه. وإذا أضفنا إلى كل ذلك البراءات التى حصل عليها رموز النظام السابق فى قضايا الفساد والتهرب الضريبى وقتل الثوار، وآخرها قضية أرض الطيارين، يمكن تصور دور القضاء فى هدم الدولة. ورغم قتامة الصورة إلا أن هناك بعض المؤشرات الإيجابية. فقد تنحى قضاة محاكمة الدكتور محمد بديع والمهندس خيرت الشاطر مرتين للحرج. وبالمثل، تنحت جنايات القاهرة عن محاكمة الدكتور صفوت حجازى والدكتور محمد البلتاجى للأسباب نفسها. كما تم الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين فى الأيام الفائتة. والسؤال الآن: هل أيقن القضاة زوال الانقلاب لا محالة ورجوع الشرعية؟ أم رفع الانقلابيون أياديهم وضغوطهم عن القضاة؟ أم أيقن القضاء حجم المؤامرة عليه وتوريط الانقلابيين له؟ أم أنه أيقن حجم الكارثة وبدأ يصلح نفسه بنفسه ويرجع إلى أحضان الشعب وينأى بنفسه عن السياسة؟