هل نسى الإخوان براءة الشاطر ورفاقه فى قضايا غسل الأموال والميليشيات؟ تصريحات عاكف كانت إشارة البدء لأنصاره للقيام بمهمة اختراق القضاء أعضاء مجلس الشورى يحللون ل«الإخوان» الاعتداء على المؤسسات لقد ظن البعض أن ما قاله السيد/ مهدى عاكف زلة لسان أو أنها تصريحات أفلتت منه فى غير موعدها، خصوصا أن الرجل أراد أن يسوق هذا الفهم حينما سارع فى جرأة يحسد عليها فى تكذيب الصحف التى نشرتها على الرغم من علمه يقينا أن حديثه مسجل، فمن الواضح أن الوحى الذى يتنزل على الجماعة قد جعل الكذب فضيلة يمارسها الكثير من أعضائها ومنتسبيها كل يوم بلا خجل.
والحق أن تتابع الأحداث على النحو الذى تجرى به تؤكد أنها خطة مرسومة مسبقا. وأن تصريحات السيد عاكف هى كلمة السر للانطلاق نحو تحقيق ما تضمنته من خطة لاختراق المؤسسة القضائية وتصفيتها تماما حتى تكون خاضعة للجماعة. كما أن هذه التصريحات كان مقصودا بها التأكيد للعامة والخاصة أن المقطم هو الذى يحكم ويتحكم ويخطط ويطلق إشارة البدء لأنصاره وحوارييه للقيام بالمهام التى يحددها. فقد أعقب تصريحات سيادته قيام البطانة والفرق الموسيقية التابعة للجماعة بإحياء منظومة تطهير القضاء وإنشاء الأناشيد التى تدعو إلى الثأر من المؤسسة القضائية ورموزها واغتيالها شعبيا بمليونية لهذا الغرض. فالقضاء هو سبب الفشل الذى تتردى فيه السلطة وهو سبب إفلات المجرمين من العقاب. ولا بد من كسر هيبته وفضح سيرته بين ألسنة العوام. فبعد أن كانت مصر تفخر بقضائها وقضاتها فى كل مَحْفل وفى كل مكان أصبح القضاء فاسدا ومرتشيا. المؤسسة القضائية المصرية التى على مدار تاريخها صرح شامخ عادل قوى تلك المؤسسة التى لعبت دورا وطنيا مشهودا وقوميا معلوما، حيث إنها المورد الأساسى لجميع الأنظمة القضائية فى العالم العربى، فالقاضى المصرى يجلس على منصة القضاء فى كل الدول العربية، فهو المعلم وهو القدوة، هذا هو القضاء الذى أُهين فى مظاهرة الإخوان التى تداول فيها الإخوان شعارات يندى لها الجبين.
هذه الهتافات التى روجتها هذه الجماعة لا تنال فقط من سمعة القضاء المصرى، وإنما تحط من سمعة وشأن مصر كلها شعبا وحكومة.
إن هؤلاء الذين شحنوا بغير هُدى وبغير علم وبغير وعى للنيل من المؤسسة القضائية والحط من قيمتها وهيبتها بدعاوى زائفة، وهى تطهير القضاء قد أكدوا فشل هذه الجماعة فى إدارة الدولة المصرية، وكان وما زال مرد هذا الفشل هو جهل هذه الجماعة بقيمة مؤسسات الدولة المصرية. وتاريخها ودورها المؤسس فى مقاومة الاستبداد والفساد. وكان فى القلب من هذه المؤسسات السلطة القضائية التى جاهدت وحاربت الفساد والاستبداد وأحكامها، سواء فى حماية الحقوق والحريات ومواجهة فساد عمليات الخصخصة وتزوير الانتخابات. فضلا عن حمايته للعملية الانتخابية. فأحكام المحاكم هى التى مكنت للإخوان من أن تخرج من إطار الحظر والقهر إلى مقاعد البرلمان الوثيرة فى انتخابات 2005 فاقتربوا من السلطة وتوافقوا معها حينا واختلفوا معها أحيانا أخرى وما زالت تصريحات كبرائهم عن قبولهم التوريث والإشادة بحكمة الرئيس السابق وأبوته الحانية للمصريين مسجلة صوتا وصورة.
إن دعوة تطهير القضاء ليست مصطلحا علميا ولا طريقة عملية أو قانونية، وإنما شعار سياسى يرفعه الإخوان لتسييس القضاء واختراقه بإخراج عدة آلاف منهم وإدخال آخرين محلهم، كيف يتصور عقلا ومنطقا أن كل من هم فوق سن الستين من القضاة غير صالحين للجلوس على منصة القضاء، ويحتاجون إلى تطهير بعد كل هذا العمر الذى أنفقوه فى خدمة الوطن يكون هذا جزاءهم من نظام ينسب نفسه زورا وبهتانا إلى ثورة كان القضاء المصرى هو مفجر شراراتها الأولى بأحكامه التى كشفت الزيف والاستبداد، سواء ببطلان الانتخابات وفضح تزويرها أو ببطلان عمليات الخصخصة والتى ما زالت الحكومة القائمة تطعن على أحكامها وترفض تسلم الشركات وتنفيذ الأحكام، وهو ما سطره أحد الأحكام بحبس وعزل رئيس الوزراء لعدم تنفيذه حكما قضائيا نهائيا باستعادة شركة طنطا للكتان. والغريب أن فى هذه المليونية السوداء التى تطاولت على القضاء كانت الهتافات ضد هذا الحكم. أَوَ يُلَامُ القاضى على أنه يطبِّق حكم الدستور والقانون؟! لماذا أيتُها الجماعة لا تلغين القانون والدستور؟ وتحكُمِيننا بالإلهام البديع الذى يتنزل على قدس الأقداس بالمقطم الشريف!!
ما هذا العبث الذى تعيشه مصر مع نظام ينسب نفسه إلى ثورة عظيمه، أطلقها شعب عظيم أصبح يتحسر على ما آلت إليه الأمور مع حكم هذه الجماعة التى برعت فى سد الآفاق، ويتفنن فى إغلاق كل الأبواب.. كل أبواب الحل المنطقى للأزمات التى تأخذ بخناق البلاد والعباد. نظام حكم يبدع فى خلق الأزمات، وكأنه أتى من عالم آخر، لا يعرف عن مصر والمصريين شيئا غير كونها فريسة. القضاء المصرى يا أيتها الجماعة هو الذى حقق أهداف الثورة فى الوقت الذى تنقلب فيه السلطة التنفيذية رئيسا وحكومة على هذه الأهداف. هذا النظام الذى فتح أبواب السجون للثوار وسحلهم وعذبهم وقتلهم بدم بارد ولفق وزوَّر فى أسباب وفاتهم، الآن ينقلب على القضاء الذى حل الحزب الوطنى وحل المحليات وجاهد بأحكامه لضبط إطار ممارسة السلطة فى إطار القانون والدستور.
ولكن للأسف فإننا أمام نظام حكم لا يريد الالتزام بسيادة القانون. فقد استخف منذ أول يوم بالأحكام القضائية فلم ينفذها وتغوَّل على استقلال القضاء وجرى فى بداية عهده ما لم يحدث فى أى دولة فى العالم، حيث علقت المحاكم أعمالها لمدة تزيد على الشهر احتجاجا على اغتصاب السلطة بإعلانات دستورية منعدمة.
هذه السلطة التى تصالحت مع رموز النظام السابق لقاء بضعة ملايين من الجنيهات، وكانت السبب الرئيسى فى فتح أبوب السجون أمامهم، ثم بعد ذلك تتهم القضاء بالفساد. كيف يُلام قاضٍ يحكم فى قضايا بدون أدلة أو بأدلة مزورة أو مزيفة أو ملفقة أو مشوهه وبدلا من محاسبة من ضيع الأدلة أو زورها أو لفّقها أو شوّهها من الأجهزة التنفيذية التابعة للحكومة والرئيس، يحاولون السيطرة على القضاء وتسييسه ونسوا أياما كان القضاء هو الذى يحمى حقوقهم وحرياتهم..
هذا القضاء هو الذى أعيت النظامَ السابقَ أحكامُه لصالح الجماعة، فلجأ إلى المحاكمات العسكرية. فهل نسيت الجماعة أحكام البراءة التى أصدرتها محاكم الجنايات وأوامر الإفراج عن الشاطر ورفاقه فى قضايا غسل الأموال وميليشيات الأزهر، الأمر الذى أدى إلى تحويلهم إلى القضاء العسكرى، فحكم عليهم فى حينها، ولم يجرؤ أحد من نظام مبارك الفاسد على أن يتقول على القضاء المصرى أو يصفه بالفساد.
نسيت الجماعة... فالحق أن ذاكرتها ضعيفة جدا، ولا أدرى هل ذلك بفعل الزمن، حيث بلغت من العمر عتيًّا، فقد تجاوزت الثمانين من عمرها؟ أم أن جو المقطم البديع قد أنساها أيام الضنا والعذاب، وهى تتمرغ فى نعيم السلطة التى سقطت فى حجرها بغير انتظار، فقد كان أكبر أمانيها أن تستظل بظل شجرة فى صحراء فساد النظام السابق.
إن القضاء المصرى، شاءت الجماعة أم أبت، سيظل حاميا للحقوق الحريات. سيظل عصيا على الاختراق والأخونة. سيعرى هذا الزيف ويكشف البهتان. فدعاوى التطهير هى كذب فى كذب تسوق بغير أساس وبغير دليل. وإذا كانت الجماعة وحزبها تستخدم ربيبها مجلس الشورى بحسبان أنها تملك فيه الأغلبية الكاسحة لإصدار تشريعات هو لا يملك اختصاصا دستوريا بالخوض فيها. ذلك أن إسناد سلطة التشريع إليه إنما كان لضرورة ولظروف خاصة، والضرورة تقدر بقدرها، ولا يمكن فى عقل أو منطق أن تطول الضرورة إصدارا أو تعديلا. وقانون السلطة القضائية لا سيما والأمر يتعلق بأحداث مذبحة للقضاء ستكون تاريخية، إذ قد تطول آلاف القضاة بغير منطق أو معيار أو مبرر.
إن أعضاء مجلس الشورى الذين يحللون للجماعة، وحزبها الانقضاض على مؤسسات الدولة وتصفيتها لصالح الجماعة عليهم أن يتحملوا مسؤوليتهم أمام وطنهم وشعبهم فسوف يذكرهم التاريخ الذكرى التى يستحقونها يومها لن يفيدهم ندم ولن تقبل لهم توبة ولن تنفعهم منافع أو مزايا أو مناصب حصلوا عليها فسيقبضونها، ثم تكون عليهم حسرات فى الدنيا والآخرة.
إن اليوم لن تشفع لكم المعارضة بالكلمات وإنما يجب أن تكون المعارضة بالأفعال. إن فعلا واحدا هو الذى يمكن أن يحسب لكم ويكتب لكم فى صحائف التاريخ، وهو الانسحاب فورا من هذا المجلس الذى تستخدمه الجماعة فى تفكيك مؤسسات الدولة وإعادة تركيبها مرة أخرى. أنتم الستر والساتر لكل هذا العبث الذى يعبث بمقدرات الأمة ومستقبلها. اليوم تكتب مواقف الرجال. فإذا طُوىَ سجل الشرف فإن سجلات أخرى قد يذكرها التاريخ، ولكن بالتأكيد على وجه مختلف.