طفل صغير يبلغ من العمر ست سنوات يخرج من منزله ليرى الآلاف يركضون في الشارع ويقولون هتاف واحد فقط "جوهااااااااري .. جوهاااااااااري". الجمعة 17 نوفمبر 1989 .. مباراة الإياب بين مصر والجزائر .. كان هذا هو المنظر الأول الذي خرج من ذاكرتي لبداية علاقتي بالراحل محمود الجوهري. اتذكر ما حدث أثناء المباراة التي سجل فيها حسام حسن بعد أربع دقائق فقط، وظل المصريون على أعصابهم حتى أطلق الحكم علي بن ناصر صافرته فأنطلقت الأفراح والزغاريد من كل بيت في مصر. رغم أن التليفزيون أذاع "مبروك .. مبروك، والمصريين أهمه"، لكن الشعب المصري لم ينتظر لسماع برقية الرئيس وخرج ليهتف باسم الرجل صاحب الفضل في التأهل لكأس العالم بعد غياب 56 عاما. العقلية الكروية الشعبية المصرية أدركت أن الفضل يعود للجوهري واقتصرت الهتاف عليه وحده ولم تهتف للاعبين أو لمصر، فالرجل نجح فيما فشل فيه الجميع على الأقل في ال20 التي سبقت مونديال 90. الهتاف نفسه خرج من حناجر المصريين عندما قدم المنتخب أداء خياليا أمام نظيره الهولندي الذي أرعب العالم في هذا الوقت بنجومه أبطال أوروبا 88 ماركو فان باستن ورود خوليت وفرانك ريكارد وخرج بالتعادل 1-1. وحتى طوال السنوات التالية لم تهتف الجماهير باسم مدرب بعد الجوهري سوى حسن شحاتة صاحب ال3 أمم إفريقيا ولكن بشكل أقل. وذهاب مئات الآلاف إلى مطار القاهرة لاستقبال أبطال أمم إفريقيا بوركينا فاسو 98 خير دليل. فخلال الثمانينات والتسعينات كان الجوهري نافذتنا على العالم في أيام لم يكن فيها "ايه أر تي أو جزيرة رياضية"، وكان كل ما يربطنا بالخارج مباراتين في الأسبوع من دوري أبطال أوروبا على القناة الثانية في تمام ال9:45. عندما تخطيت مرحلة المراهقة وبدأ عصر الانترنت عشت مع هذا الرجل بكل جوارحي في مشوار تصفيات كأس العالم 2002 مثل كل جيلي.
فقد تحملت مع أصدقائي مشقة الذهاب إلى استاد القاهرة منذ الساعة 12 ظهرا لمشاهدة مباراة تنطلق في الثامنة مساء. مباريات مصر أمام المغرب والجزائر والسنغال في تصفيات 2002 تمثل ذكريات كروية خاصة بالنسبة لي، فرغم عدم حبي لطريقة اللعب الذي يعتمد عليها الجوهري، فقد تحملت مع أصدقائي مشقة الذهاب إلى استاد القاهرة منذ الساعة 12 ظهرا لمشاهدة مباراة تنطلق في الثامنة مساء. فالجوهري وجد نفسه في مجموعة واحدة مع المغرب والجزائر، فضلا عن السنغاليين المجهولين، ولكنه ناضل حتى المباراة الأخيرة، وفعل محمد عمارة ما فعله فيه وفينا مجدي طلبه في تصفيات مونديال 94. ويبقى المشهد الأبرز لدي خلال المشوار الذي انخفضت وارتفعت الآمال في التأهل للمونديال وفقا لنتائج المباريات، عندما اعتلينا أسطح الميكروباصات العائدة من الاستاد عقب خماسية الجزائر لنهتف "يا جوهري يا فنان .. ودينا ع اليابان". .... هذا المشوار التاريخي الطويل لم يدفع التليفزيون الحكومي المصري لتسميته بأسطورة التدريب في الكرة المصرية أثناء إذاعة خبر مرضه واكتفى بأنه مستشار الاتحاد الأردني. وحتى النادي الأهلي الذي تربى فيه المدرب الكبير كان كل ما فعله هو نعي الجوهري عقب إعلان خبر وفاته، ولا اعتقد أن القلعة الحمراء ستفعل شيئا لتكريمه كما فعلت في سنواته الأخيرة، فعادتنا كمصريين أن نكرم الانسان بعد وفاته وليس في حياته. ورغم كل النجاحات التي حققها معه في التسعينات .. فأن الزمالك أيضا لم يفعل شيئا للجوهري في حياته ونعاه عقب وفاته عبر موقعه مثل الأغراب، فالموقع الرسمي لنادي جمهورية شبين نعى الجوهري. ناقشوني على تويتر: http://twitter.com/7elmy7elmy وعلى فيس بوك: www.facebook.com/7elmy7elmy