في البداية أود أن أوضح أن العنوان مجازي لأن الله وحده هو من بيده مصائر خلقه. ولكن هذا التعبير هو أول ما جال بخاطري حينما صادت كاميرات التيفزيون أحد المشجعين في الاستاد وهو يسب شيكابالا، فقط لأنه تعثر في تسديد الكرة بعدما راوغ الحارس ببراعة في مباراة الحرس. وذلك لأني تخيلت الصورة الأكبر وفيها مئات اللاعبين من الأندية الأخري يتعرضون لأفظع الألفاظ من قبل الآلاف بل الملايين ممن يشاهدون مباريات كرة القدم سواء في المدرجات أو علي الشاشات. هذا فضلا عن كون الضحية هذه المرة أحد أكثر اللاعبين شعبية وله الفضل في صنع الفرحة لدي جماهير فريقه في أكثر من مناسبة بموهبته النادرة. ولكن هذا لم يشفع له عند المشجع الغاضب الذي لم يجد إلا السباب ليعبر عن غضبه العارم أمام فرصة لا تذكر. فإذا كان هذا يحدث مع لاعب قلما يخطئ في تمريرة من قبل مشجع يرتدي نفس الفانلة، فكيف هو الحال إذا عند باقي اللاعبين في كل الفرق؟! ورأيي يمثل رؤية بسيطة من السلوك السيئ الذي ساد الملاعب المصرية إذ أنه فقط يجسد ردة فعل المشجع تجاه إخفاق لاعبي فريقه، أما بالنسبة لسلوك المشجع تجاه لاعبي الخصم، فإن الأمر يحتاج إلي محاضرات لمعالجة ما نحن في من كوارث أخلاقية. كما لا أريد الخوض في قضية السباب الجماعي الذي أصبح "عادي" في المدرجات المصرية واصبح من المستحيل أن يمر أسبوع بدون أن توقع غرامة مالية علي الأهلي والزمالك معا. وأعلم أنه من الصعب انتظار نجاح حل هذه الازمة الاخلاقية بتغيير المشجع لسلوكه الفردي لأنني ببساطة لن "أصلح الكون" كما إنني لست ملاكا لا يخطئ. لكن الملفت أن الإعلام والجماهير بدأت تتعامل مع هذه الأمور على أنها عادية، ولا تمثل مشكلة، بل إن البعض أصبح يعتبر السباب جزء أساسي من التشجيع! لذلك قررت تسليط الضوء على هذا المشهد، لأننا لو لم نظهر استياء على أقل تقدير تجاهه فإن الأمور لن تقف عند حد السباب. وقتها سيتحول السباب الفردي إلى جماعي، وبعده شغب بكل أنواعه بداية من الاحتكاك بالأمن ووصولا إلى تهديد حياة اللاعبين في نهاية المطاف. ماذا يضر المشجع؟ وأزمة انحطاط الأخلاق في مصر في تصاعد مستمر (وشكرا للنظام البائد) وبما إن كرة القدم تستحق أن توصف بنبض الشارع المصري، فإن سلوك المشجع في المدرج يعكس مستوي أخلاقه في الشارع أو في الحياة عامة. مع الاعتراف بأن احتراف كرة القدم أصبح من أكثر المجالات المربحة في بلد يعاني فيه الغالبية العظمي من ضعف مستوي المعيشة، فإن هذا لا يعطي الحق للمشجع الذي يعاني ماديا في إهانة اللاعب حتي في حال ما إذا أخطأ الأخير، وإن كان له الحق في انتقاده فنيا. إخفاق اللاعب من إهدار فرصة أو خسارة مباراة أو ضياع بطولة يعود بالضرر عليه في المقام الاول. فإذا اعتبرنا أن اللاعب يكون أكثر الناس فرحا بتسجيله لهدف، فمن نفس المنطلق لا يمكن لمشجع أن يحزن علي ضياع فرصة اكثر من اللاعب نفسه الذي أهدرها. وهنا يأتي السؤال: ما هي الاضرار التي تصيب مشجع كرة القدم ماديا أو أدبيا أو معنويا عندما يقدم اللاعب آداء سيئا أو يخفق الفريق في إحراز بطولة؟ وماذا يضر اللاعب أو المدرب في نفس السياق؟ عندما يخسر الفريق، يحرم اللاعب مكافآة الفوز ويسيطر الحزن علي الأجواء داخل غرف خلع الملابس أو داخل النادي وحتي الباب البيت وفي النهاية "يا ويل" اللاعب إن حاول النزول إلي الشارع والمشي بين الناس كمواطن عادي مما سيقابله من مضايقات قد تنال أفراد أسرته في معظم الأحيان. أما إذا نظرنا للمشجع، فإنه ولا شك يحزن علي خسارة فريقه وقد يتعرض لبعض الاستفزازات التي لا تتعدي المزاح من زملائه في العمل أو أصدقائه المناصرين لفريق منافس مثلا، ثم يعود لممارسة حياته الطبيعية و"أكل عيشه"...علي عكس اللاعب الذي يعتبر الملعب هو أكل عيشه. ملحوظة: هذا الرأي ليس دفاعا عن لاعبي الكرة لأن الكثير منهم يحتاج بالتأكيد للنظر في سلوكيانه بالإضافة لضرورة انتقاده حين يخفق، ولكن بما أن قاعدة المشجعين هي الأكبر فإن البدء بمعالجة سلوك المشجع قد تكون من أهم خطوات الإصلاح نحو مجتمع رياضي خالي من الفساد الأخلاقي.