لا يمكن الجزم بأن إقدام الاتحاد المصرى لكرة القدم على التعاقد مع الإيطالى ماركو تارديللى لتدريب المنتخب الوطنى تعد بمثابة "قفزة فى الهواء" ولكنها مغامرة من الطرفين: مغامرة من الاتحاد تعاقد مع مدرب لم يسبق له الإشراف على أى منتخب أول من قبل ، ومغامرة من قبل تارديللى الذى يسعى لترميم سمعته التدريبية بعد مسيرة متباينة النجاح فى السنوات العشر الأخيرة بتدريب منتخب على أبواب تحد بحجم تصفيات كأس العالم. مسيرة تارديللى الكروية التى تتجاوز الثلاثين عاماً الآن تعتبر نموذجاً مثالياً لذلك الصراع التقليدى بين صورة النجم الأسطورى التى لا تفارق أذهان الجمهور، و صورته كمدرب مطالب دوماً بتحقيق كل الألقاب و الأحلام و الطموحات. و فى حالة تارديللى فإن المهمة اكثر صعوبة و لا سيما مع اسم يعد من اهم الأسماء التى عرفتها الكرة الإيطالية. فهو ليس فقط أحد اعضاء مجموعة "أسبانيا 1982" التى تقدسها جماهير الكرة الايطالية، و لكنه أيضاً لاعب الوسط الحديدى الذى حصد كافة الألقاب المحلية و القارية التى يحلم بها أى لاعب أوروبى بحصدها على صعيد الأندية و المنتخبات، كما إنه تلميذ نجيب بمدرستين عريقيتين بحجم مدرستى اليوفنتوس و الانتر. و لكن يبدو أن مشوار تارديللى "المدرب" كان أكثر وعورة مما كان يتخيله لدى إعلانه إعتزال اللعب 1988، حيث تميز هذا المشوار حتى الآن بالتقلب مع الأندية، فى حين تكللت تجربته مع المنتخبات الوطنية ، وخماصة منتخبات الشباب فى إيطاليا ، بنجاح كبير ، توجه بقيادته لمنتخب دون 21 عاماً إلى لقبه الأوروبى الرابع عام 2000 بسلوفاكيا ، وهو العام الذى كان فيه إسم تادريللى يتردد إعلامياً باعتباره الأبرز بين جيل جديد من المدربين الإيطاليين. فى سلوفاكيا ، اعاد هذا المدرب الشاب انتاج صرامة الكرة الإيطالية المعروفة برفقة مجموعة من الشباب الواعدين من أمثال جينيرو جاتسو، اندريه بيرلو، ماسيمو امبروزينى، فرانشيسكو كوكو، كريستيانو زانيتى. حيث أعطت مجموعة تارديللى انطباعاً مؤثراً بأن مستقبل اوروبا ربما سيكون ايطالياً. على الجانب الأخر تبدو تجربة تارديللى على صعيد تدريب الأندية مزيجاً بين سوء الحظ و قلة الخبرة، حيث لم يفلح فى ترك انطباع حقيقى كمدير الفنى داخل "مطحنة" الدورى الإيطالى بأقسامه الثلاثة، و ذلك فى الوقت الذى حقق فيه العديد من ابناء الجيل التالى من امثل كارلو انشيلوتى، روبرتو مانشينى ، لويجى ديل نيرى، سيرسى كوزمى نجاحات متتالية، جعلت منهم اوراق رابحة فى "سوق المدربين" الإيطالى. فقد بدأت أسطورة تارديللى اللاعب تطارده كمدرب فى العديد من التجارب غير المكتملة، سواء فى بداية المشوار برفقة كل من كومو و تشيزينا بالقسم الثانى، أو حتى تجربته المؤلمة برفقة ناديه السابق الإنتر موسم 2000/2001، التى كان فيها بطلنا مجرد ضحية أخرى من ضحايا "رمال الإنتر المتحركة" بمشاكله ، و سياسته المتخبطة فى إدارة شئون الكرة . و لعل هذه التجربة كانت بمثابة عشرة خطوات للوراء فى وقت كان فيه تارديللى قبل عدة أشهر مرشحاً لقيادة "الأزورى" أمام استاذه و المدرب الحالى للفريق جيوفانى تراباتونى. حتى عندما قرر تارديللى الإنسحاب قليلاً من الأضواء و قبول عرض بتدريب نادى بارى لانتشاله من غياهب القسم الثانى، كانت التجربة اكثر إيلاماً على مدار موسمين، حيث حل فى المركز الحادى عشر بالموسم الأول، ثم تمت إقالته بعد شهرين بداية الموسم الثانى بأكتوبر الماضى، حاصداً خمس نقاط فقط من سبعة مباريات. ليفكر للمرة الأولى وقتها الرحيل تماماً عن الملاعب الإيطالية. ينتمى تارديللى إلى الجانب التقليدى المحافظ فى مدرسة التدريب الإيطالية ، فهو ابن بار لمدرسة تراباتونى، و إنزو بيزوت و تشيزارى مالدينى، والتى تؤمن بالدفاع كخط أول للفريق، و هيمنة خط الوسط، والصرامة التكتيكية، إلى جانب العنف البدنى، فى مقابل اسلوب "المجددين" الذى يقوده حالياً ب "البروفيسور" فابيو كابيللو ، و معه اسماء شابة بالغة الطموح مثل ديل نيرى و مانشينى ، بإهتمامهم الشديد بتقديم كرة هجومية إحتفالية، يفسح فيها المجال لخيال اللاعبين الخصب. لعل تارديللى "المدرب" قد يتخلص قليلاً فى مهمته المصرية من كابوس أسطورته كلاعب كرة كبير. فربما لن يعير أحد اهتماماً لعدد مرات إحرازه لقب السكوديتو أو عدد مبارياته الدولية، و لكن تارديللى سيكون كما كان الحال دوماً "مطالباً" بتحقيق الأحلام، و فى أصعب الظروف أيضاً. فقد لا يعلم المدرب الإيطالى بأنه قادم لتدريب فريق لا يثق به أحد الان على أبواب تصفيات كأس عالم لها طابع "انتحارى"، و سيكون عليه التأقلم فى اجواء ربما ستكون اكثر صعوبة من اجواء سان سيرو عندما كان قائداً للإنتر، أو مرافقة منتخب وطنى فى رحلته للبحث عن لقب عالمى أو ميدالية اوليم