لا أحب الدورات الأوليمبية ولا أستلطفها , بل لا أظيقها , ولا أعتقد أن أحدا في مصر كلها يبدي أي اهتمام بمتابعة مسابقاتها , وباستثناء مباريات كرة القدم ومباريات فريقنا الوطني لكرة اليد لا يوجد ما يمكن أن يجذب اهتمام المشاهد الرياضي في مصر في دورات مملة وتافهة كهذه رغم أن ما يغيظ هو أن التليفزيون الأرضي يبث معظم وقائعا مجانا! إذا سألت أحدا من المشاهدين عن أسباب عدم وجود "عمار" بينه وبين الأوليمبياد , ستجده يقول لك على الفور : "يا عم أوليمبياد إيه وكلام فاضي إيه"؟ "إحنا بتوع الدوري والأهلي والزمالك" , "هما دول الفلفل والشطة" , "هية الكورة وبس" , وغير كدة , يا إما كأس العالم أو كأس الأمم الأوروبية أو الأمم الأفريقية ! صدقوني الناس معذورة : فما هي مصلحة أي مواطن مصري في متابعة مسابقة الفروسية مثلا , وكل علاقتنا بالخيول هي تلك الأحصنة المسكينة التي نشاهدها "تتمخطر" في شوارعنا حاملة الخضروات والفاكهة وأحيانا "ردش المباني" وهي تدق بكعوبها الحديدية على الأرض , وأحيانا ما تساهم في إعطاء أبعاد أخرى لقذارة الشوارع! من منا لديه القدرة على اقتناء حصان ليتعلم عليه ركوب الخيل؟ وكم هو عدد الأفراد القادرين على الذهاب إلى نادي الجزيرة وخلافه لممارسة رياضة ركوب الخيل؟ ألا يشكل استدعاء أندريا سكاكيني من أوروبا قبل كل دورة أوليمبية لتمثيل مصر في الأوليمبياد سببا كافيا للتدليل على صحة ما أقول؟! وما هي حكاية ألعاب القوى هذه التي يسمونها "أم الألعاب"؟ أم الألعاب لماذا وكيف؟ وما علاقتها ب "أم المعارك" , أين يمكن أن نمارس هذه الرياضة طالما أنه لا يوجد أي شارع أو رصيف صالح للسير في بلدنا , بل إن الأندية الكبرى تحرص على "إخلاء" مضمار ألعاب القوى من كافة الرياضيين , الممارسين والرياضيين , عندما يحين موعد مران فريق الكرة في المستطيل الأخضر الذي يتوسط المضمار في مشهد يتكرر يوميا في كافة الأندية المصرية!
"من منا لديه القدرة على اقتناء حصان ليتعلم عليه ركوب الخيل؟ وكم هو عدد الأفراد القادرين على الذهاب إلى نادي الجزيرة وخلافه لممارسة رياضة ركوب الخيل"؟ وماذا عن السباحة؟ لماذا لم تعد مصر تنجب سباحين رغم امتلاكها كل هذه السواحل البحرية الممتدة فضلا عن مياه نهر النيل الجارية من شمال البلاد إلى جنوبها؟ هل تعرفون لماذا؟ لأن حمامات السباحة في الأندية أصبحت مزدحمة , والنزول فيها للعوم في كثير من الأندية الكبرى بات أشبه بالسير وسط زحام البشر في منطقة تقاطع شارعي رمسيس والجلاء عند الإسعاف , والسبب هو أن الأولوية هي للسادة الأعضاء من هواة "البلبطة" , فهم الذين يدفعون , وهم الذين يملكون الأصوات الانتخابية , طبعا أنا أتكلم عن الأندية الكبرى التي تملك حمامات سباحة على مستوى جيد , ولكني لن أتكلم عن أندية الأقاليم أو مراكز الشباب التي لا توجد فيها هذه الأشياء التافهة من الأصل! وحتى السباحة في نهر النيل لم تعد ممكنة في خضم جثث الحيوانات النافقة وسيل البواخر واللنشات السياحية التي تروح وتغدو ليل نهار وهي تلقي ما لذ وطاب من مخلفاتها في المياه , وربما كان الكلام نفسه ينطبق على رياضة التجديف التي نريد أن نفوز فيها بميدالية بالعافية , وبالتالي , لم يعد النيل لا نجاشي ولا حليوة ولا أسمر كما كان يزعم عبد الوهاب في أغنيته المشهورة "الخيالية"! حتى عندما انتشرت في شوارعنا وحاراتنا في فترة من الفترات ترابيزات تنس الطاولة وأقبل عليها شبابنا , لم يفكر أحد من المسئولين عن الرياضة في مصر في استغلال هذه الصحوة الطبيعية وتنظيمها من أجل إخراج جيل من اللاعبين الموهوبين في هذه اللعبة , والسبب في ذلك أن هذه الترابيزات كانت دائما ضحية عادة كسل المصريين وخلودهم إلى النوم ليلا ونهارا بسبب الأكل عمال على بطال , وقد شاهدت بعيني كيف كانت الترابيزة تنصب من هنا , وشكاوي السكان تخرج من هنا للأولاد المزعجين الذين يلعبون : "عاوزين ننام شوية" , "عندنا أشغال" , وبعدها الحكاية معروفة : "جردل مية" لفض الشباب , ويوم بعد آخر تتحول الترابيزة إلى دكة يجلس عليها الشباب لتدخين السجائر ومعاكسة البنات! وحتى كرة القدم ممنوعة في شوارعنا , ولم يعد من السهل أصلا ممارستها في الأندية الكبرى التي تغلق ملاعبها وتقصرها على استخدام الفرق فقط , وإذا فكر أي طفل في أن يلهو بكرته الصغيرة على الأرض الإسمنتية في هذا النادي أو ذاك , سيهرول إليه على الفور مسئولو الأمن وهم يكشرون عن أنيابهم وينهرونه بصوت غليظ قائلين : "ممنوع لعب الكرة على الحشائش يا ولد" , رغم أنه لا توجد حشائش , وممنوع لعب الكرة عشان الأعضاء ما يتضايقوش! طبعا جميع أندية مصر الآن , كبيرها قبل صغيرها , تحولت إلى مطاعم ومقاهي لشرب الشاي وتناول الفيشار , وتحولت مناطق كاملة منها إلى ما يشبه دار المسنين من كثرة الأشخاص الذين يذهبون لمجرد الجلوس على المقاعد والفرجة على بعضهم البعض , كما أن الملاعب العامة التي يتحدثون عنها مثل منشآت استاد القاهرة