ماذا لو قررنا أن نقف معاً دقيقة فى أرض العقل، قبل أن نضطر جميعاً أن نقف دقيقة حداداً على العقل ذاته؟! من سلسلة الأزمات الأخيرة، وتحديداً أزمة أمناء الشرطة، يمكنك أن تستخلص نتيجة واحدة تقول إن مصر تعيش بين طرفين، كلاهما أكثر جنوناً من الآخر، وجنونهما عدوى، ومصر الوحيدة الخاسرة من انتشار مثل هذا المرض. هواة المؤامرة يرون أن كل ما يحدث فى مصر بسبب مؤامرة أعدها الإخوان أو الأمريكان أو قطر أو تركيا أو المجلس الأعلى للعالم أو الماسونية، وبناء عليه يقولون إن التجاوزات المتكررة لأمناء الشرطة جزء من مؤامرة على مصر، ووصل الأمر بأن خرج علينا لواء حمدى بخيت وهو نائب فى مجلس الشعب، ليؤكد هذا المعنى، وسبقه فى القول هذا العزمى مجاهد الذى ضل طريقه إلى استديوهات مدينة الإنتاج الإعلامى عبر فضائية أسسها رجل وجد لديه فائضاً مالياً من اللعب فى الأعشاب والنصب على الغلابة باسم حبة البركة وزيت ورك الفيل، فلم يجد أفضل من عقولهم ليلعب فيها. المهم هذا الفريق الذى يرى أن كل خطأ فى مصر وكل أزمة سببها مؤامرة، ويرى أن حدوتة أمناء الشرطة جزء من المؤامرة، لا يعترف أبداً وصراحة بأن ما حدث من تجاوزات لأفراد الشرطة جريمة، هو فقط يستند لفكرة المؤامرة كتفسير ومبرر وكفى. الطرف الثانى الذى يدعى العلم والمعرفة وامتلاك الرؤية لا يفعل شيئاً سوى السخرية من فكرة المؤامرة، يرفضها وينكرها تماماً، رغم أن كافة المعطيات تدعوه لأن يعترف ولو على الأقل بأن هناك مخططاً شريراً لا يريد بهذه المنطقة، ومن ضمنها مصر، الخير، وهذا المخطط معالمه واضحة فى سوريا والعراق وليبيا، ويسألونك لماذا تريدنا أن نعترف بوجود مخطط أو مؤامرة؟، تجيبهم لأن معرفة الكارثة تجعلك أكثر قدرة على تجنبها ووضع رؤية جديدة للتعامل معها حتى لا تسقط فى فخها وتفشل وتتحول بدورك إلى هدف لسخرية من كنت تسخر منهم قبلاً. بين هؤلاء وأولئك نعيش نحن أصحاب الخط الثالث، نحن أهل الوسط القادرون على أن نقول للطرف الأول، نعم عندكم حق هناك مؤامرة بالفعل على مصر، وهناك محاولات لتركيع هذا الوطن بدأت بعمليات إرهابية لإنهاك الجيش والشرطة وتستمر لتفكيك نسيجه المجتمعى والاقتصادى، ولكن مشكلة هذه المؤامرة أن خطرها على مصر الآن كامن فى أن بعضهم يسخر منها، والبعض الآخر يهول من أمرها ويعرضها بشكل مثير للسخرية، بحيث حينما تحل ساعة الحقيقة لن تجد فى الشعب من يتعامل مع نداء مواجهة المؤامرة بجدية. المشكلة الكبيرة أن الساخرين من المؤامرة لا يرونها، بينما المروجون لوجودها يضخمون أمرها، يستخدمون المؤامرة كشماعة يعلقون عليها أى خطأ حكومى لأمين شرطة أو وزير أو رئيس حكومة أو رئيس؟، نعم هناك مؤامرة ولكن لا يجوز أبداً أن ننسب لها كل فشل تقع فيه الدولة، كما لا يجوز أن يكون هناك مخطط للنيل من هذا الوطن ونعيش بشكل طبيعى ونسخر وكفى، كما لا يجوز أن يكون هناك مؤامرة خارجية بينما نحن نتآمر على أنفسنا داخلياً بالفشل وارتكاب الأخطاء، ولا يجوز أن يكون أهل الدولة هم الجهة التى تمنح المتربصين الفرصة للنيل من هذا الوطن سواء بأخطاء أمناء الشرطة أو بأحكام القضاء، كما حدث فى قضية أحمد ناجى، أو بتصريحات الوزراء شديدة التفاهة، أو ببيضة محافظ المنيا، هؤلاء ومن مثلهم هم أصل المؤامرة.