من حيث الشكل فإن الدستور المقترح تم إقراره ب«الليل الحزين» وبسرعة تقترب من اختراع د.أحمد زويل «الفيمتو ثانية»؛ فإقرار 234 مادة فى 20 ساعة يؤكد أنها «سرقة» وليس تقنين وضع مصر.. وليتذكر الجميع عندما كان حكم القضاء الإدارى يهدد الجمعية التأسيسية استعجل الأعضاء وأعلنوا إجراء الاستفتاء عقب عيد الفطر مباشرة أو قبله بأيام، ثم انتهى خطر المحكمة الإدارية فتم التريث قليلاً، وعندما كان هناك خطر من المحكمة الدستورية «أغلقوها» وعجلوا بالاستفتاء رغم أن رئيسهم «مرسى» مد العمل شهرين.. وكيف يثق الناس فى دستور لم يجتمع عليه سوى الإخوان والسلفيين وأنصارهم من «المتأخونين»، وحاول رئيس الجمعية المستشار «الغريانى خالص» إنهاء الجلسة بأى طريقة لدرجة أنه طالب بعدم تلاوة المواد عند التصويت واكتفاء الأعضاء بقراءة المواد فى الأوراق الموزعة عليهم (وهو اقتراح لم يحدث فى بلاد الواق واق)، خاصة أن «مولانا»، كما كان يناديه الغريانى، نسى جزءا من مادة وقيل وقتها إنه تم إدراجها فى المادة التالية لها. ولا يمكن قبول دستور معظم من شاركوا فى وضعه تم تعيينهم فى مناصب تنفيذية أثناء إعداد الدستور أو حصلوا على قضايا تجلب الملايين لمكاتبهم من خلال التفاوض مع رموز النظام السابق للتصالح أو من وعدوا بالتعيين فى مجلس الشورى، كما لا يمكن قبول دستور ارتكب رئيس الجمهورية جرائم قانونية ودستورية من أجل تمريره وإقراره، كما أن كل فقهاء الدستور وأغلبهم من المستقلين أقروا بأن هذا الدستور سيعيد مصر للوراء باستثناء اثنين د.عاطف البنا الذى شارك فى لجنة «البشرى» للتعديلات الدستورية ود.ثروت بدوى الذى اكتشف ميوله الإخوانية بعد الثورة.. والاثنان «البنا وبدوى» أيدا كل قرارات الرئيس التى أجمع الخبراء على أنها غير دستورية بداية من عودة مجلس الشعب ثم الإعلان الدستورى الأول.. والإعلان الدستورى الثانى وغيرها. كل هذه الأسباب من حيث الشكل.. أما المضمون فما يردده المؤيدون بأن هذا الدستور سيحقق الاستقرار «غير صحيح» إلا إذا كانوا يقصدون استقرار الإخوان فى الحكم للأبد، بل إن تأييد الدستور سيعمق الديكتاتورية ويجعل تيارا واحدا مسيطرا رغم فشله خلال الأشهر الماضية فى إقناع المواطن.. وبالمناسبة هذا الكلام تردد قبل إعلان الانتخابات الرئاسية فهدد الإخوان إذا لم ينجح مرشحهم بأنه لن تهدأ مصر... ونجح د.مرسى وظل البلد فى حالة توتر دائم وإذا سيطر الإخوان بدستورهم الجديد فهذا سيعنى ضياع أمل الشباب فى «بلد ديمقراطى» مما سيؤدى إلى استمرار الاعتراضات، كما أن التصويت ب«نعم» سيجعل «مرسى وإخوانه ومتأخونيه» يستكملون طريق الديكتاتورية بلا حساب لأحد. أما الكلام عن أن معظم مواد الدستور تم إقرارها بالتوافق باستثناء 12 مادة فقط، فأذكر مردديه بأن التعديلات الدستورية التى جرت عام 2007 على 34 مادة تم التوافق عليها جميعاً باستثناء مادتين الأولى خاصة بإلغاء الإشراف القضائى على الانتخابات والثانية المادة 76 الخاصة بالترشح لرئاسة الجمهورية.. أما إقحام الشريعة فى هذا الأمر فهو عملية خطيرة اعتاد عليها تيار الإسلام السياسى بعد فشلهم الإدارى. والسؤال: لماذا لا يطبق مرسى الشريعة مباشرة وهو يملك كل السلطات «التنفيذية والتشريعية والتحصينات القضائية»؟ وماذا فعل مع إخوانه للشريعة على مدى 5 أشهر فى البرلمان ومثلها فى الرئاسة؟ ولن أعلق على كلام «المتأخونين» من تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وتعميق استقلال القضاء والتوازن بين السلطات فهذا الكلام يشبه ما يرددونه بأن الشهيد الحسينى أبوضيف كان إخوانياً، وأن «مرسى» رئيس لكل المصريين وأى قارئ يستطيع قراءة الدستور ليكتشف أن هذا الكلام «وهم كبير». لقد تم تفصيل الدستور الجديد بدليل أن الإخوان انقلبوا على أفكارهم السابقة فحينما استحوذوا على الأكثرية فى البرلمان اقترح القيادى م.سعد الحسينى بأن يختار مجلس الشعب رؤساء الهيئات الرقابية مثل رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، وعندما وصلوا للرئاسة منحوا ذلك الأمر إلى الرئيس فى «دستورهم الجديد»، وظل الإخوان يطالبون بإلغاء مجلس الشورى وعندما استحوذوا على أغلبيته أبقوا عليه فى الدستور، ونفس الأمر على نسبة «العمال والفلاحين»، كما أنهم «أقصوا» منافسيهم من خلال مادة «العزل السياسى» التى ستؤدى إلى الاحتقان فى المجتمع وانتقموا من الصحفيين ببقاء الحبس وإمكانية إغلاق الصحف بحكم قضائى وصبوا لعناتهم على المحكمة الدستورية العليا فقلصوا اختصاصاتها وحرموها من تفسير القوانين ولم يحددوا اختصاصها بشكل كامل فى الدستور وتركوا الأمر للقانون «على عكس بقية الهيئات القضائية»، كما جعلوا «الرئيس الإله» صاحب الحق فى تعيين أعضائها دون ضابط أو رابط لأول مرة فى التاريخ، كما استبعدوا رئيس المحكمة الدستورية العليا من رئاسة الجمهورية فى حالة خلو المنصب، وقلصوا عدد أعضاء المحكمة ليتخلصوا من المستشارين تهانى الجبالى وحاتم بجاتو وحسن بدراوى وغيرهم، كما ألغوا منصب «نائب رئيس الجمهورية» ليكون مرسى «الحاكم بأمره» بلا بديل.. كل ذلك ويخرج من يردد «أن هذا الدستور من أرقى دساتير العالم»، بلا خجل. رغم كل المشاكل التى فى الدستور فإن هناك فضيلة واحدة هى أن الجدل داخل الأسرة والعائلة لم يعد موجودا بعد أن تفرقنا مرات عديدة فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستفتاء سواء قبل الثورة أو بعدها أما فى هذا الدستور فهناك حالة إجماع على رفضه دون جدل حتى بمن فيهم أطفالى الصغار؛ ليؤكد «مرسى» أنه «موحد الأسر والعائلات» بعد أن قسم الشعب المصرى إلى نصفين: «إخوان ومتأخونين» يؤيدون الدستور الراقى و«ضد الإخوان» يرفضون «دستور الليل الحزين».