عند حافة بئر مسعود فى الإسكندرية، تتذكر ما قاله الكاتب الإنجليزى فورستر، الذى وصف الربوة المحيطة بالبئر بأنها غاية فى الروعة والسحر والغموض.. فحين زار الكاتب مدينة الإسكندرية سمع حكايات البئر الموجودة فى منطقة سيدى بشر التى يحرص على زيارتها كثير من الإسكندرانية والزائرين على السواء، أملا فى تحقيق أمانيهم. وقد شدت انتباه فورستر الربوة الكبيرة التى تواجه البئر من ناحية البحر وقال إنها تزيد حكايات بئر مسعود غموضا أكثر من الغموض الذى يدور حول حقيقة الأمانى التى تتحقق بمجرد إلقاء النقود المعدنية فيها. البئر فى الشتاء تشبه فوهة بركان ثائر، تخرج منها المياه لتعلن تضامنها مع الأمواج العاتية خلال الموسم، فالبئر تربطها بالبحر قناة مائية. عندما تزور المكان فى الليل وتزوره فى النهار تجد اختلافاً، نهاراً لا يوجد غير عدد قليل من الزائرين كما تقل المياه داخل البئر، أما فى الليل فتزيد المياه قليلاً على النهار ويتوافد عليها الزائرون «فالليل ستار»، هذه تلقى النقود فى الماء للزواج بمن تحب، وأخرى تريد الإنجاب، وشاب فقد الأمل فى العمل فلا يجد أمامه غير الدعوة عند بئر مسعود وإلقاء آخر جنيه فى جيبه ليستقر فى قاع البئر. فى الصيف قرب الفجر، اعتاد محمد ربيع الغطس فى البئر، ورغم الخطورة، لكنه ينزل ليجمع «الفلوس المرمية.. ورزق الهبل على المجانين»، هو يرى نفسه «أهبل» لتعريض نفسه لهذه المخاطر، وهم مجانين «عشان بيرموا الفلوس فى البحر». فتيات، سيدات، أطفال وشيوخ يمسكون بقطع النقود المعدنية ويلقون بها فى جوف البئر الصخرية المحفورة بأنامل البحر المتوسط، اعتقاداً منهم أن أمانيهم وأحلامهم ستتحقق بمجرد أن يهمسوا بها للقطعة المعدنية وابتلاع البئر لها. ثقافة ربما تعود جذورها إلى الأساطير اليونانية التى كانت تمجد سطوة البحار، فحكاية إلقاء الأموال بدأت مع الأجانب الذين كانوا يعيشون فى الإسكندرية. البئر مليئة بالأسرار والحكايات والقصص الدرامية، فيروى أهالى المنطقة قصص انتحار فتيات وشباب اصطدموا بواقع الحياة الأليم، فألقوا بأنفسهم داخل البئر الصخرية ليودعوا الحياة، وقد أوهم الجهل البعض بأن البئر مسحورة وأن الجثث تختفى ولا يتم العثور عليها أبداً، لكنها تنجرف مع الأمواج إلى البحر الواسع.