فى مدرسته الإعدادية وقف مع زملائه خائفا وحزينا، بورسعيد تتعرض للعدوان الثلاثى، ومنازلهم وحياتهم مهددة، الخوف والفزع يسكن نفوس الجميع، لا حل أمامهم سوى الهجرة وترك بورسعيد حتى تنتهى آثار العدوان. هذا ما قاله وهو يبكى لأستاذ «شرف» معلم اللغة الإنجليزية وأستاذه المفضل: «سنضطر لترك بيتنا والمدرسة وكل شىء، حتى تزول غمة العدوان. سأله أستاذه: «لو إحنا سيبنا بورسعيد ومشينا، مين حيدافع عنها؟». تأثر التلميذ الصغير كثيرا بحديث معلمه، عاد إلى بيته ليؤكد لأمه أنه لن يترك بيته ولا محافظته وسيبقى فى بورسعيد ليدافع عنها ضد العدوان الغاشم. وافقت والدته على البقاء رغم مشاعر الرعب والفزع، وقررت الأسرة أن تبقى وتشارك فى المقاومة الشعبية، كان أول ثمن يدفعونه هو الاعتقال من قبل قوات الاحتلال لمدة 24 ساعة قبل أن يتم الإفراج عنهم، ليجدوا بعد ذلك منزلهم تهدم واحترق ونهبت جميع محتوياته. ما حدث لمنزله زاده إصرارا على الحفاظ على بورسعيد، حتى لا تتعرض لمصير بيته الصغير نفسه، وظلت كلمات مُعلمه تشعره بالمسئولية وتحفزه لاستكمال دوره. ذات يوم لاحظ أحد أبناء بورسعيد وهو يتكلم مع عسكرى إنجليزى، فقال له: «إياك تتعامل مع حد منهم، لا تبيع ولا تشترى علشان ما تبقاش خاين لبلدك». كان يحذر أهالى بلدته من التعامل مع العدو بأى شكل من الأشكال، وكان هذا الموضوع هو محتوى أول منشور سياسى وزعه فى حياته. نجح أهالى المدينة الباسلة فى صد العدوان، وذاكرته حتى اليوم لا تنسى لحظة انسحاب قوات الاحتلال من شواطئ بورسعيد، كل هذا زرع بداخله مشاعر الفخر والعزة والكرامة، وعشق الوطن، وطوال عمره كانت السياسة ومصر مجالى اهتمامه الأول. فى السنوات الأخيرة من عهد مبارك تأزمت الأوضاع السياسية والمعيشية، فكر فى ضرورة أن يكون هناك حل لما تعانيه مصر، وهذا الحل لا بد أن يكون بأيدى أبناء مصر أنفسهم، كما علمه أستاذ «شرف». أسس مع عدد من السياسيين حركة معارضة، هدفها الوقوف فى وجه النظام السابق، تساهم فى توعية المواطن برفض الظلم، والإصرار على تحقيق مطالبه والحفاظ على كرامته مهما بلغ الثمن. نجحت الحركة وكانت أول حركة تقول «لا»، وظلت شوكة فى حلق النظام السابق، لم يستطع التخلص منها، حتى أسقطه الشعب بيديه فى ثورة يناير، ودون تدخل قوى أجنبية، كما كان مؤمنا طوال حياته. هل تعرف من هو؟ إنه جورج إسحق أول منسق عام لحركة كفاية.