نونيا هو الاسم الشائع فى الوسط الفنى للفنانة الشاملة القديرة لبلبة المكرّمة هذه الدورة من مهرجان القاهرة السينمائى، مع قرينتها وقريبتها، ابنة خالها، الفنانة الكبيرة نيللى، يجمع بين الفنانتين، إلى جانب الأواصر العائلية، أنهما متقاربتان فى العمر حيث تفصل بين ميلاديهما شهور قليلة، وأنهما من عائلة موسرة فوالد كل منهما كان يعمل فى تجارة الجلود، أى أن نشأتهما وظروفهما الاجتماعية والاقتصادية والمناخ الذى انطلقا منه متشابهة إلى حد كبير، كما أنهما تنتميان إلى طائفة الأرمن الذين نزحوا إلى مصر فى القرن التاسع عشر هرباً من فاشية حكم الخلافة العثمانية الذى مارس نوعاً من التطهير العرقى باسم الإسلام، ليجدوا فى مصر وطناً يحميهم.. ينتسبون إليه وينصهرون فى نسيجه ويثرون الحياة الثقافية والفنية به.. وطناً يحمى حقوق المواطنة ويرفض التمييز الطائفى أو العرقى على خلاف ممارسات الطغمة الحاكمة الغاشمة من الخلفاء الجدد من الإخوان أو من يظاهرونهم من سلفيين وجهاديين وتكفيريين. بحسه الفنى المرهف، التقط المخرج الفطن نيازى مصطفى، تلك الطفلة الشقية نونيا، التى رأى فيها وعداً بنجمة استعراضية موهوبة سوف تنفتح أمامها أبواب التألق والنجاح فى ظل مزاج جماهيرى يعشق الأعمال الغنائية والاستعراضية، فقد سبق أن منح هذا الجمهور حبه لابنة خالها الطفلة المعجزة فيروز -كما أُطلق عليها فى تلك الفترة- بعد أن قدّمها نجم تلك المرحلة أنور وجدى فى فيلم «ياسمين» عام 1950، مما شجّع نيازى على منح لبلبة اسمها الفنى، ومساحة لا باس بها فى فيلمه «حبيبتى سوسو»1950 بعد عام واحد من فيلم فيروز. آمن الأب أرتين كالغيان -خال نونيا- بقدرات طفلاته الثلاث فيروز وميرفت ونيللى اللائى وفّر لهن دراسة عملية للباليه والموسيقى، خاصة بعد تألق ابنته الكبرى فيروز فأقدم على إنتاج فيلم «الحرمان» أول أفلام المخرج عاطف سالم عام 1953 لاستثمار موهبة فيروز فأتاح الفرصة لأن تبدأ الصغرى نيللى إبحارها فى عالم السينما. توازت رحلة نونيا ونيللى فى البدايات الطفولية، ثم اتخذت كل منهما طريقها الخاص، حيث شاركت الأولى فى عشرات الأفلام الكوميدية الخفيفة وانطلقت الثانية تلعب أدوار المراهقة الصغيرة والفتاة الدلّوعة فى العديد من الأعمال التجارية مع المخرجين محمود ذو الفقار ومحمود فريد وحسن الإمام وعباس كامل وغيرهم من أساطين السينما الجماهيرية فى تلك الفترة.. الذين ساهموا فى تكريس هذه الصورة، وإن أفلتت نيللى فى بعض أعمالها من تلك الأدوار النمطية المكرّرة حين التقت المخرجين الكبار كمال الشيخ وأشرف فهمى ومحمد عبدالعزيز ثم عاطف سالم بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من «الحرمان»، وفى نهاية السبعينات، انشغلت نيللى بتقديم فوازير رمضان على شاشة التليفزيون واستثمر مخرجوها موهبتها فى الرقص والغناء والاستعراض فحققت من خلالها شهرةً واسعةً وقبولاً جماهيرياً عريضاً، جعل الفوازير تقترن باسمها لفترة طويلة. فى تلك الأثناء، راحت لبلبة تبحث عن طريقٍ آخر للإجادة، بعد أن اكتسبت الخبرة واللياقة الفنية التى فتحت لها آفاقاً رحبة فى سينما يوسف شاهين «الآخر - إسكندرية نيو يورك» وعاطف الطيب «ضد الحكومة وليلة ساخنة» وأسامة فوزى «جنة الشياطين» وسمير سيف فى «معالى الوزير» وبدا نضجها واضحاً واتسم أداؤها بالبساطة والسلاسة والعمق والقدرة على تفهّم دواخل الشخصيات، مما أكسبها تقدير الجمهور والنقاد، وأهّلها لعضوية العديد من لجان التحكيم فى المهرجانات السينمائية المصرية والعربية والدولية. تكريم مستحق.. لفنانتين متميزتين.. من مصر المحروسة.