يعمل الإنسان الطبيعى على إضفاء مظاهر وعوامل قبول الآخرين لمظهره وهيئته فلا ينفرون ولا يُدفعون إلى رفضه والاستياء منه أو المبالغة فى الاستثارة والعجب. تعمُّد الاختلاف عما هو طبيعى يعنى إبلاغ رسالة أو تأكيد فكرة والسعى لهدف أو ربما يعنى اضطراباً نفسياً. بعض المرضى النفسيين يرتدون ملابس غريبة أو يرتدون ملابس الشتاء فى الصيف مثلاً والعكس. ملابس المرء التى تتوافق مع مجتمعه ويرضى عنها ويُعجب بها تمنح المرء منذ طفولته الثقة وتشى بارتباطه بالمجتمع وتوافقهما. هناك من يسعى لارتداء ما يضفى حجماً أكبر على الجسد أو الرأس بحثاً عن الهيبة والمكانة، وقد يستخدم بعضهم ما يخلق حاجزاً بينهم وبين المحيطين ودفعهم إلى الاهتمام والسؤال والتوجس بخلق غموض بإخفاء العينين أو بإخفاء الوجه كله، مما يدفع المحيطين لمزيد من التطلع والبحث عن إجابة عن حقيقة المختفى خلف ستار. النقاب فى حقيقته حائط مقام بين لابسه ومن يتعامل معه. النقاب لم يعد قاصراً على النساء، فهناك مشايخ يرتدونه فى مجالس وعظ النساء بدعوى أن وجوههم فتنة للنساء، وهناك رجال يرتدونه ويسيرون به فى الشوارع، وهناك رجال يرتدونه ويصعدون به منازل لمقابلة نساء، وهناك رجال يرتدونه للتسول ولتنفيذ الجرائم. فى نطاق الاتصال الإنسانى يضفى النقاب غموضاً وسؤالاً مستمراً خلال فترة الاتصال نتيجة التخمين والترقب والبحث والتعرف، وهو يعطى لمن يرتديه/ترتديه هيمنة نفسية وسلطة فى مواقف التعامل مع الآخر. المنتقبة/المنتقب يرى بالكامل شخصاً لا يراه، ويفسر خلجات وتعبيرات وجهه ومشاعره بما يمنحه معرفة يتصرف على أساسها، بينما من يعامله خلوٌ من هذه المعرفة التى منعها النقاب. ربما كان المنتقب/المنتقبة يمتلئ رعباً وقلقاً فى إطار معاملة ما (تجارية مثلاً)، ولكن هذا لا يبين لمن يعامله بينما هو قد رأى/رأت خوف منافسه وقلقه وتصرف بناء على ذلك. هذه عملية غش وعدم عدالة فى حقيقة الأمر، وينبغى على الأفراد عدم التعامل مع منتقبات أو منتقبين قبل أن تنتفى الهيمنة الكاذبة وتتحقق الندية ويتعادل موقف الاتصال والمعاملة ويظهر لكل أطراف التعامل الوجه والعينين بوضوح. إن 65% من الرسائل التى تتم بين الأفراد هى رسائل غير لفظية، أى أنها أهم من الكلام الذى يقوله الناس لبعضهم، فقد يتضح الحب أو البغض من شفتَى شخص أو عينيه بينما هو ينكره بالقول، وقد يبدو على وجه أستاذة الجامعة المنتقبة أنها تجهل إجابة سؤال الطلاب أو فى حيرة أو رفض له بينما هى تراوغ بأعلى صوت. ويمكن للأستاذات المنتقبات فى الجامعة المعترضات على خلع النقاب أن يرسلن لطلابهن تسجيلاً صوتياً بالمادة ولا داعى للحضور. وكما أوضحنا أن مجرد ارتدائه هو غش فى قواعد التعامل المباشر حتى بين الأصدقاء، فإنه أيضاً يُستخدم فى عمليات النصب والسرقة والقتل، ولا يستطيع الشاهد الذى رأى المنتقب/المنتقبة فى ملابس السواد أن يجزم، وباليقين، أنها التى/الذى غرزت السكين مثلاً فى جنب العابر فى جرائم لا بد وحتماً من التعرف تماماً على الفاعل باليقين وبالجزم. إننا كما أضعنا -كمجتمع يسمح بالنقاب- حق المتعامل قبلاً، نضيع حق المجنى عليه (حق المجتمع) بسبب الوجوه المخفية. لا يمكن الاعتداد بأن هذه حرية دينية أو شخصية، فحق المجتمع أسبق، والمساواة بين أفراده وحماية حقوقهم من الضياع فى حال ارتكب المخفية وجوههم جريمة ضده أسبق وأهم. إذا رضينا بدعوى أن النقاب حرية شخصية فالعدالة تقتضى أن نقبل من يرى/ترى أن يتعامل فى المجتمع بالمايوه، وهو عموماً أقل ضرراً على البلاد من النقاب. إن الوجود فى مجتمع يفرض على جميع أفراده تنازلات، فإن لم يرد المنتقبون/المنتقبات كشف وجوههم، فليلزموا مساكنهم ويعتزلوا شوارعنا وعملنا ومجتمعنا.