عاد إلينا المصريون فى أواخر الستينات وبداية السبعينات من إعاراتهم إلى دول عربية عدة، وقد غيّروا فكرهم الدينى واعتنقوا الخمار والنقاب. الحجاب والخمار مسألتان خاضعتان للنقاش بين الفقهاء وهو نقاش أودى بحياة الدكتور فرج فودة عام 1992 بسبب تطرّف الجماعات الإرهابية الملتحفة بالدين. أما النقاب فى حد ذاته، فمسألة ثار حولها جدل دينى كبير وتعتبره من ترتديه إتقاناً وتجويداً فى الستر الذى أمر به الله عند فساد الناس ورقة دينهم، بينما لم يرد به نص صريح. هذا الجدل حول النقاب ثائر الآن فى الإمارات بعد أن طعنت منتقبة إحدى المدرسات الأمريكيات فى مركز للتسوق وزرعت قنبلة صغيرة (بوبى تراب، كما يسمونها بالإنجليزية) على باب شقة أمريكى آخر. السيدة المنتقبة سورية وزوجها إماراتى. هذا ما توصلت إليه الشرطة الإماراتية بعد رحلة بحث للتعرّف على مرتكبة الجريمتين ومتابعتها من كاميرا المراقبة المنتشرة فى مراكز التسوق والشوارع. السيدة أمعنت فى التخفّى، فلفّت علم الإمارات على سيارتها رباعية الدفع الكبيرة الحجم، فغطى العلم أرقام السيارة، وصارت مسألة الوصول إليها بالغة الصعوبة، إن لم تكن مستحيلة. وهنا يبرز الجدل: هل يجب أن تُمنع أى امرأة من ارتداء النقاب والدخول إلى أماكن عامة كالجامعات ومراكز التسوق والدواوين الحكومية، وغير ذلك؟ فى مصر مؤخراً استخدم النقاب لارتكاب جرائم عديدة، كما استخدمه الإخوان ومرشدهم فى التخفّى بعيداً عن أعين السلطات. المطلب المرفوع من كثيرين هو منع ارتداء النقاب. وهنا ورغم عدم اقتناعى بارتداء النقاب، فإننى أنتصر للحرية الشخصية فى اختيار الملابس. غير أن الحرية لها ضوابط، وعدم وجود ضوابط يحوّل الحرية إلى فوضى. والضابط الأساسى هنا هو وجود نساء تكشف المنتقبات أمامهن وجوههن. ليس فى هذا عيب، ورغم ذلك تحارب منتقبات مثل هذا الإجراء. عاصرت وغطيت دعاوى قضائية رفعتها منتقبات فى الفترة ما بين 2006 و2010 بعد أن منعتهن الجامعة الأمريكية من الدخول إلى مبانيها بالنقاب. محامى المنتقبات نزار غراب. ولا أتذكر الآن الحكم الذى صدر، لكننى متأكد من ضرورة الإفصاح عن الهوية حين يُطلب ذلك، وفى حالة دخول الجامعة والمبانى الحكومية ومراكز التسوق تصبح المسألة حتمية فى زمن ساد فيه الإرهاب والفسق والرذيلة والجريمة. إن الهدف الأساسى من ارتداء النقاب هو عدم فتنة الناس، وحتى لا يعرف الناس هوية البنت أو المرأة فتتعرّض لأذى لأى سبب من الأسباب. ولكن كشف الوجه أمام امرأة عند الدخول إلى لجنة الامتحان مثلاً أو على باب مصلحة حكومية أو غير ذلك من أماكن تستوجب التأكد من الهوية لن يفتن المرأة الأخرى، وهى مسألة لحظية. كيف مثلاً يمكن تصوير المنتقبة لرخصة القيادة أو للبطاقة الشخصية أو كارنيه الجامعة الذى ستستخدمه لدخول الامتحانات. لن أكون متجاوزاً إذا أضفنا مراكز التسوق وأى مكان تقول سياسته بضرورة التأكد من الهوية قبل تقديم الخدمة أو تسهيل الخطوة التالية. هل صادفتم منتقبة تجلس فى مطعم وترفع الجزء الذى يُغطى فمها لتأكل بالملعقة؟ هل شاهدتم الطعام يسقط ويلوث ملابسها؟ أيها السادة من حق المرأة أن ترتدى النقاب فى إطار حرية الملبس، ولكن من حق أى مكان التأكد من هويتها قبل السماح بالدخول إليه. لن أخشى من النقاب الفعلى الذى يُرتدى، سواء لغرض نبيل أو لسبب خبيث، لكننى أخشى من نقاب الفكر الذى يدفعنا إلى التطرّف فى اتجاهين متضادين.