انتهت المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب، ثم ستجرى انتخابات المرحلة الثانية، ويفوز مرشحون ويخسر آخرون، وفى غضون شهرين على الأكثر سوف يتشكل مجلس النواب الأول لمصر بعد ثورتين، إذ لا يعتبر مجلسا الشعب والشورى اللذان انتخبا فى 2011 و2012 فى عداد المجالس التشريعية الوطنية، ولم تكن لهما أى مساهمة سوى تأكيد استيلاء الجماعة الإرهابية على السلطة التشريعية لخدمة أهداف الجماعة وحلفائها من تيارات التضليل والمتاجرة بالدين! وسوف يلى تشكيل مجلس النواب أن تتقدم الحكومة بتشكيلها وبرنامجها إلى المجلس لمحاولة الفوز بثقته، ومن ثم تصبح مؤهلة لممارسة اختصاصاتها التى نص عليها الدستور، باعتبارها هى الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة التى يرأسها رئيس الجمهورية، الذى هو فى ذات الوقت رئيس السلطة التنفيذية. وبانتخاب مجلس النواب يكون قد اكتمل عقد خارطة المستقبل التى أعلنها القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبدالفتاح السيسى يوم الثالث من يوليو 2013، يوم استجابت القوات المسلحة لمطالب أكثر من ثلاثة وثلاثين مليون مصرى بعزل محمد مرسى وإنهاء حكم الجماعة الإرهابية، وبعدها تمت كتابة دستور جديد لمصر، وانتخب المشير السيسى بأغلبية ساحقة غير مسبوقة وتم تنصيبه رئيساً لمصر فى الثامن من يوليو 2014! ومع اكتمال الاستحقاق الثالث لخارطة المستقبل، يجب ألا تغلق الملفات ويعتقد المسئولون فى الدولة وعن الدولة أنهم أتموا المطلوب، ومن ثم تعود الحياة على ذات الوتيرة وبذات المشكلات والتحديات، بل يبقى الاستحقاق الرابع والأهم والأخطر، ذلك هو إعادة بناء الوطن على مبادئ الدستور وأسس الديمقراطية وسيادة القانون والمواطنة، من أجل تحقيق رفاهية الشعب بالتنمية الوطنية الشاملة، ورفع مستويات جودة الحياة للمصريين جميعاً، والالتزام بالعدالة الاجتماعية. إن مصر فى حاجة إلى إعادة صياغة شاملة وجريئة لهيكل المجتمع وعناصره السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، لتصبح أكثر اتساعاً ورحابة فى استيعاب حركة المواطنين أفراداً وجماعات فى سعيهم النشط لتحسين وجه الحياة فى مجتمعهم، ومن المهم أن تبنى عملية إعادة بناء الوطن على أساس تصميم استراتيجية جريئة بالمشاركة بين الحكومة ومجلس النواب، وأن تكون هذه الاستراتيجية المحور الأساسى لبرنامج الحكومة الذى ستتقدم به للمجلس لتنال ثقته. وسيكون مطلوباً مشاركة فعالة وإيجابية فى تصميم تلك الاستراتيجية وتنفيذها من كافة مؤسسات الدولة المختلفة والهيئات والمؤسسات الاقتصادية العامة والخاصة وهيئات ومؤسسات التعليم والبحث العلمى على كافة المستويات، وهيئات ومؤسسات المجتمع المدنى من الجمعيات الأهلية والنقابات والاتحادات والروابط المهنية والمنظمات غير الحكومية العاملة فى الحقول الثقافية والاجتماعية والعلمية على اختلافها، والمؤسسات الصحفية والإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية، والمواطنين جميعاً. وتهدف عملية إعادة بناء الوطن إلى تحقيق العدالة فى توزيع الدخول وعوائد التقدم والتنمية كى تعم المواطنين جميعاً، وتجنب تكرار مشكلات تاريخية حين تستحوذ فئة قليلة على النصيب الأكبر من الدخل الوطنى والثروة فى مصر، من جانب آخر سوف يكون مطلباً رئيسياً فى السعى لإعادة بناء الوطن تفعيل قوى الشباب وتمكينه من ممارسة دور فعال فى حل قضايا المجتمع وبناء نهضته، وتمكين المرأة من المشاركة الفاعلة وإزالة ما يعوق مسيرتها ومشاركاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. إن إعادة بناء الوطن تستهدف إحداث نقلة نوعية شاملة فى كافة مرافق الحياة ومجالاتها، تنتقل بالمواطنين إلى الأحسن والأفضل بالمعايير العالمية والنظرة الديمقراطية، مع احترام وتفعيل مبدأ الرجوع إلى القاعدة الشعبية فى جميع المسائل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المصيرية، كما يجب التنفيذ الصارم لمواد الحريات والحقوق التى جاء بها الدستور الجديد، وضرورة تفعيل المبادئ الأساسية التى نص عليها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وضرورة مراجعة قاعدة التشريعات المصرية وتنقيتها من جميع التشريعات المقيدة للحريات والمعاكسة لروح الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك تحرير النقابات المهنية والعمالية ومؤسسات المجتمع المدنى، وتفعيل حرية تشكيل الأحزاب السياسية. ومن أجل تحقيق تلك الاستراتيجية الوطنية لإعادة بناء الوطن يجب أن تعتمد الدولة على مفاهيم وتقنيات التخطيط الاستراتيجى ومنهجية الإدارة العلمية، التى تعتمد فى الأساس على البحث الموضوعى والتحليل العلمى للأوضاع القائمة، وتحديد مصادر القوة والضعف فى المجتمع، والتقييم الموضوعى لتأثير المتغيرات المختلفة الداخلية والخارجية على مجمل الحالة المصرية، والمصارحة الوطنية والمكاشفة بالعيوب والأخطاء والممارسات غير الديمقراطية، كما تعمل على حشد الموارد والإمكانيات وتوظيفها لتحقيق الأهداف المجتمعية فى التغيير الديمقراطى الشامل. كما سيكون مطلوباً تغيير الهياكل والنظم والآليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتشريعات المنظمة لكل مجالات الحياة، وإعادة هيكلة مؤسسات الإدارة العامة وأجهزة الحكم المركزية والمحلية، وتحديث الهياكل والمؤسسات والنظم والتقنيات فى مجالات الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية فى الزراعة، الصناعة، السياحة، الخدمات المالية، خدمات النقل، التجارة ونظم التداول، وغيرها من أنشطة الإنتاج السلعى والخدمات، وتحديث نظم وعلاقات العمل، وتأكيد الحقوق المتوازنة لأصحاب العمل والعاملين والمجتمع بأسره. ومن المطالب الرئيسية فى إعادة بناء الوطن تغيير الهياكل والنظم والآليات والمؤسسات العلمية والتعليمية والتقنية والثقافية، وتحديث تقنيات التعليم والتدريب ومنهجيات إعداد وتطوير وتنمية الموارد البشرية، والتحديث العمرانى وتنمية المجتمعات الجديدة، والتوسع فى استثمار مساحات متزايدة من الأرض المصرية المتاحة وزيادة المعمور منها، وإقامة التجمعات البشرية المتكاملة، واستثمار الصحراء والتوسع فى تطبيق التقنيات الجديدة فى زراعة الأراضى القاحلة، وتحديث الثقافة وأنماط الحياة الفنية والأدبية والارتقاء بالذوق العام فى كافة المجالات. لقد وُصفت مصر فى مراحل سابقة بأنها «دولة فاشلة» أيام حكم الجماعة الإرهابية، بسبب الفشل الذريع لذلك الحكم الفاشى فى تحقيق أى إنجاز له معنى، واليوم وقد تخلص الشعب من الجماعة الإرهابية، واستكمل الشعب المصرى بناء مؤسساته، يجب العمل على إخراج مصر من دائرة الدول الفاشلة كشرط محورى لإعادة بناء الوطن والتقدم فى مسيرة الدول الناهضة وصولاً إلى المستوى العالمى التى هى جديرة به.