هذه رسالتى الثالثة -ولا أحسبها الأخيرة؛ فالتواصل مع رئيس مصر القادم بعد أسابيع معدودة مطلوب دائماً- وتتضمن رسالتى هذه حديثاً صريحاً عن قضية «التحول الديمقراطى» التى تعثرت طوال الفترات الانتقالية منذ ثورة 25 يناير وحتى ينجح الشعب المصرى فى إنجاز خارطة المستقبل، بعد أن ظل يعانى لثلاث سنوات أوضاعاً أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية متردية كان أبشعها الإرهاب الإخوانى فى أعقاب ثورة 30 يونيو، إلى درجة أن افتقدت مصر أملها فى بناء دولة ديمقراطية تسودها العدالة والقانون وقيم المواطنة التى تحمى حقوق المواطنين فى الحياة الآمنة والتمتع بعوائد التنمية الوطنية الشاملة. وحين نتحدث عن «التحول الديمقراطى»، فإننا نعنى الأمل فى إعادة صياغة شاملة وجريئة لهيكل المجتمع وعناصره السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية لتصبح أكثر اتساعاً ورحابة فى استيعاب حركة المواطنين أفراداً وجماعات فى سعيهم النشط لتحسين وجه الحياة فى مجتمعهم، وتحقيق ما يصبو إليه شعبنا من تحرر اقتصادى وسياسى وتطور اجتماعى وتقنى. ومن ثم يكون التحول الديمقراطى من ركائز تدعيم دولة المؤسسات ونظام الحكم المؤسس على سيادة القانون وتداول السلطة والمواطنة وحرية اختيار المواطنين لمن يحكمهم ومن يمثلهم فى المجالس التشريعية والمحلية. وثمة مبدأ أصيل نريد تأكيده منذ البداية أن التحول الديمقراطى المأمول لا يتسع أبداً للجماعة الإرهابية أو حلفائها الذين دمروا ولا يزالون يدمرون الوطن ويسعون إلى إسقاط الدولة المصرية بكل ما أوتوا من قوة وتمويل ومساندة أجنبية. إن هؤلاء الإرهابيين لا مكان لهم فى مجتمع ديمقراطى قبل أن ينالوا العقاب الرادع والناجز على ما اقترفوه فى حق الوطن والمواطنين، ومن ثم تصبح أول خطوة فى تحقيق التحول الديمقراطى هى تطبيق مبادئ «العدالة الانتقالية» القائمة على التحقيق فى جرائم الإخوان الإرهابيين ومن والاهم، والملاحقة والمحاسبة لكل من شارك فى الاعتداء على المواطنين وأفراد القوات المسلحة والشرطة، ودمر وحرق المنشآت العامة والجامعات. إن الرئيس القادم عليه قيادة العمل الوطنى لبناء وتفعيل آليات لتنمية وحفز مشاركة المواطنين والتنظيمات الأهلية وغير الحكومية فى تنفيذ مشروعات التحديث وتقييم الإنجازات واقتراح مجالات التطوير، وتفعيل عمليات الترابط والتشابك بين منظمات الدولة ومؤسساتها، وإطلاق الحرية والاستقلالية الإدارية للمؤسسات العامة فى مختلف قطاعات العمل الوطنى، والمحاسبة على النتائج. وعليه تصبح الدولة ممثلة فى الحكومة ومؤسسات الحكم الديمقراطية والمجالس التشريعية المنتخبة مسئولة عن إدارة عمليات التغيير المجتمعى الشامل، وعليها مباشرة مسئولية صياغة الرؤية المستقبلية لصورة الوطن المتفقة مع معايير التقدم ومستوياته التى تحققت فى دول العالم الأكثر تقدماً، والمعبرة عن قيم المجتمع المصرى وتقاليده وأصوله المحابية للتطور والتحديث. وبالمثل، فإن التحول الديمقراطى يركز على أهمية وخطورة دور الأحزاب السياسية الوطنية ومؤسسات المجتمع المدنى فى التغيير الديمقراطى الشامل، ومن ثَمَّ يجب عليها إعادة ترتيب أوضاعها وتطوير هياكلها وتدعيم إمكاناتها للعمل فى خدمة برنامج التغيير الوطنى الشامل. وبينما نؤكد أن هدف التحول الديمقراطى هو تأكيد حقوق المواطنين ورفع مستواهم الاقتصادى والعلمى والثقافى والاجتماعى وتوفير فرص العمل المنتج لهم وضمان تكافؤ الفرص بينهم، فإن المواطنين فى ذات الوقت مسئولون عن المشاركة فى تحقيق التغيير الديمقراطى الشامل بالبلاد بالالتزام بالواجبات المفروضة عليهم والتمسك بحقوقهم المشروعة، والحرص على الحق العام والمحافظة على الممتلكات العامة. ويتطلب تحقيق التحول الديمقراطى أن يتوافق الشعب ومؤسساته المجتمعية مع القيادة الجديدة فى مؤسسة الرئاسة على إحداث نقلة نوعية شاملة فى جميع مرافق الحياة ومجالاتها، وتأكيد وتفعيل مبدأ الرجوع إلى القاعدة الشعبية فى جميع المسائل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المصيرية، وضرورة موافقة الأغلبية الصحيحة للناخبين فى استفتاءات الرأى حين اتخاذ قرارات مصيرية حتى لا ينفرد الحاكم أو السلطة التنفيذية بتلك القرارات رغماً عن إرادة أصحاب الشأن. ومن ضرورات النجاح فى التحول الديمقراطى: تحديد معايير وأساليب اختيار القادة والمسئولين على جميع المستويات وتحديد مسئولياتهم وأسس ووسائل محاسبتهم ومساءلتهم عن نتائج قيادتهم. إن الاختيار الديمقراطى الحر للقادة فى كل المواقع وعلى كل المستويات ولفترات محددة لا تقبل التمديد سيكون دعامة حقيقية لنجاح جهود التغيير الديمقراطى الشامل، ومن ثم المساءلة والمحاسبة لجميع القائمين بالوظائف العامة بدءاً من رئيس الجمهورية وحتى أصغر عامل فى الدولة، وتقرير حق أصحاب المصلحة فى محاسبة ومساءلة شاغلى الوظائف العامة وممثليهم فى المجالس والنقابات وغيرها من المؤسسات الديمقراطية فى المجتمع. كما أن من أسس نجاح الرئاسة الجديدة السعى إلى حفز جميع مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدنى على المشاركة فى تصميم وإدارة وتفعيل برامج التغيير الديمقراطى الشامل. حمى الله مصر!