تناولنا فى المقالين السابقين المؤشرات الدالة على نجاح الأداء الرئاسى، كما عرضنا لبعض مؤشرات الأداء تثير القلق والجدل وتنبئ عن احتمالات غير إيجابية بالقياس إلى الأهداف المعلنة من الرئيس والتزاماته، التى توافق عليها مع الشعب مفجر ثورة 30 يونيو. واليوم نطرح قضيتين رئيستين يتوقف عليهما تحقيق آمال الشعب وأهدافه فى بناء مصر كدولة ديمقراطية حديثة، وتحقيق التنمية المستدامة. والقضية الأولى هى التى فجرت ثورتى الشعب فى 25 يناير و30 يونيو، وهى غياب الديمقراطية وافتقاد الناس للكرامة والحرية، واستبداد السلطة الحاكمة سواء فى نظام «مبارك» أو نظام الإخوان الإرهابى. ورغم ثورتى الشعب فإن أغلب المظاهر والأفكار غير الديمقراطية للنظامين السابقين ما تزال سائدة تعمل على إفساد وتشويه مسيرة الشعب نحو بناء مستقبله، وتحاول صرفه عن طريقه الذى ارتضاه متعاوناً مع رئيسه المنتخب فى الثالث من يوليو 2013. وبرغم التزام الرئيس السيسى فى رؤيته للمستقبل بضرورة «تحقيق تحول ديمقراطى على أرض الواقع يمثل ضماناً لمستقبل مشرق، وتحقيق عملية تحول ديمقراطى قائمة على احترام التعددية السياسية والحزبية وتداول السلطة واحترام الحقوق والحريات»، فإنه لم تتضح بعد المؤشرات الدالة على توجه الرئاسة إلى تفعيل ذلك الهدف. ولعل السبب فى هذا انشغال الدولة بمكافحة الإرهاب ومحاولة التخفيف من أزمات الكهرباء وتنشيط الاقتصاد. ولكن، وكما التزم الرئيس بالعمل بأسلوب المحاور المتوازية، فإن الانشغال بتلك القضايا على أهميتها لا يبرر اختفاء قضايا التحول الديمقراطى من على خريطة العمل الرئاسى. جانب آخر يتصل بقضية التحول الديمقراطى، أن الرئاسة (والحكومة والشعب جميعاً) مطالبون بالعمل الدائب والمكثف لتفعيل مبادئ الدستور وتحويلها إلى تشريعات ونظم عمل وإجراءات تنفيذية وتجنب إبقائها نصوصاً جامدة تبقى شاهدة على إهمال الاستحقاق الأول من خريطة المستقبل، الذى حاز موافقة أغلبية من لهم حق التصويت فى الاستفتاء على الدستور فى يناير 2014. نحن نريد أن تتبنى الرئاسة خطة وطنية للتحول الديمقراطى تتضمن تدعيم التعددية السياسية وتطوير قانون الأحزاب السياسية لتفعيل نص المادة 74 من الدستور «بأنه لا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى، أو ممارسة نشاط معادٍ لمبادئ الديمقراطية، أو سرى، أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى». كذلك فالمطلوب إنجاز قانون تقسيم الدوائر الانتخابية وإجراء انتخابات مجلس النواب فى موعدها المحدد بمعرفة اللجنة العليا للانتخابات، وتدعيم الديمقراطية الشعبية التشاركية، ودعم وتنمية المجتمع المدنى وتبنى الرئاسة لآليات الحوار المجتمعى الشفافة والجادة لمناقشة القضايا والاهتمامات ذات التأثير على مستقبل الوطن. كما نطالب بسرعة إنشاء وتفعيل «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» الذى نص عليه الدستور فى مادته رقم 211، ليسهم فى تصحيح مسيرة الإعلام للمساعدة فى إعادة بناء الدولة. والقضية الثانية هى حتمية إعادة تصميم البناء المؤسسى والهيكلة الشاملة للجهاز الإدارى للدولة على أسس ثورية وعلمية فى آن واحد، وهى القضية التى لا توجد مؤشرات على الانشغال بها حين رصد الأداء الرئاسى، برغم التزام الرئيس السيسى فى رؤيته للمستقبل بالتوجه إلى «إصلاح مؤسسى شامل للجهاز الإدارى للدولة يحقق الكفاءة فى الأداء ويقضى على الفساد». وتلك القضية ذات أهمية قصوى وتأثير بالغ فى نجاح الرئاسة (أو تعثرها لا قدر الله) فى تنفيذ مشروعات التنمية والنهوض بالاقتصاد الوطنى وتحقيق أى من المحاور الثلاثين لرؤية الرئيس للمستقبل. إن جهاز الدولة الإدارى الذى يمثل المظهر الأساس والأداة الرئيسة للسلطة التنفيذية بدءاً من الهيكل الوزارى وما يتبعه من وزارات ومصالح وهيئات ومجالس وأجهزة مركزية للتخطيط والرقابة والتوابع من الوحدات المحلية - هو من أشد المهددات ومصادر الخطر على مسيرة الوطن نحو التنمية المستدامة والتحول الديمقراطى والانطلاق إلى المستقبل، فذلك الجهاز الإدارى يعانى من الترهل وعدم الكفاءة، وغياب المفاهيم والأدوات الإدارية الحديثة، وغياب الاستخدام العلمى للتقنيات الحديثة، وتغلب مفهوم السلطة على أعمال أجهزة ومؤسسات الدولة وغياب مفهوم الخدمة، ناهيك عن تفشى الفساد، والاختراق الإخوانى لعناصر مؤثرة فيه تحارب الوطن وتشارك فى النشاط الإرهابى لتدمير طاقات البلاد. نحن نريد تصميم وتفعيل خطة وطنية شاملة للتطوير المؤسسى وإعادة بناء أجهزة الدولة، وفقاً لمدخل ثورى جسور لاقتحام مشكلات تخلف وتقادم وتكلس الجهاز الإدارى وتوابعه، إذ لم يعد مفهوم «الإصلاح الإدارى» مناسباً الآن، بل المطلوب «إعادة تصميم الجهاز الإدارى للدولة»، ولم يعد مقبولاً الحديث عن خطة التطوير المؤسسى باعتبارها قضية منفصلة أو مستقلة، بل يجب أن تكون عنصراً محورياً ضمن خطة وطنية تهدف إلى «تحديث مصر». كذلك لم يعد مقبولاً إعادة تصميم الجهاز الإدارى للدولة وفق ذات المفاهيم التقليدية التى قام عليها والتى لم تعد ملائمة للتطور المجتمعى ولا السياسى ولا التقنى فى عالم اليوم، بل يجب استبدال بمفهوم «السلطة» مفهوم «الخدمة» فى علاقات جهاز الدولة بعملائه أى المواطنين، كذلك استبدال بمفهوم «المركزية» فى إطلاقه مفهوم «اللامركزية المناسبة» المتوافقة مع متطلبات الأداء فى كل وحدة من وحدات الجهاز الإدارى للدولة، والتحول عن منطق «التنميط الجامد» إلى منطق «التنوع الإيجابى»، الذى يتيح لكل وحدة رئيسية من وحدات جهاز الدولة الإدارى تشكيل أوضاعها التنظيمية وأساليبها فى الأداء وتحقيق الأهداف، بما يتناسب وطبيعة النشاط الذى تقوم به والمناخ الذى تعمل فى إطاره وخصائص العملاء الذين تقوم على خدمتهم. والنصر لمصر