اختتم الرئيس «السيسى» رؤيته لمستقبل مصر بتساؤل مهم هو «هل تحقق الرؤية فى ضوء ما سبق عيشاً أفضل؟»، وكانت الرؤية قد تناولت ثلاثين محوراً بدءاً من العيش والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية إلى خريطة إدارية وأخرى استثمارية، «تمثلان توجهاً جديداً يفتح آفاقاً بلا حدود لمشروعات فى قطاعات اقتصادية متعددة، تحفز الاقتصاد نحو نمو غير مسبوق من أجل عيش أفضل ثار من أجله المصريون»، فهل نحن على الطريق نحو تحقيق هذا الأمل؟ للإجابة عن تساؤل الرئيس وسؤالنا نحن المصريين يجب أن نفرق بين أمرين لكل منهما تأثير كبير فى الوصول إلى النتيجة التى ينتظرها المصريون؛ الأمر الأول هو الدراسات التى بُنيت عليها الرؤية المتميزة التى شكلت برنامجاً رئاسياً لتحقيق نقلة نوعية فى حياة المصريين. والأمر الثانى هو القدرة التنفيذية على تحويل مشروعات الرؤية إلى واقع مادى ملموس يشعر به الناس ويؤدى إلى تحسين مستوى جودة الحياة فى المحروسة. فمن حيث الدراسات حفلت الرؤية الرئاسية بأفكار إذا تم تنفيذها سوف تحقق زيادة فى الإنتاج وفرص العمل فى كل مجالات الاقتصاد الوطنى والخدمات العامة، الأمر الذى «يؤدى بالطبع إلى تحسين دخل الأسرة ككل وخروجها من دائرة (الفقر)». وعند هذا الحد، يجب أن نطرح الشق الثانى والمكمل الذى لم تتعرض له الرؤية بقدر مماثل من التفصيل والإيضاح؛ ذلك هو القدرة التنفيذية على نقل هذه الآمال إلى واقع على الأرض، وهذا الشق يثير قضية غياب خطة استراتيجية متكاملة وثورية للإصلاح المؤسسى كشرط ضرورى ولازم لخلق قدرة تنفيذية فاعلة ذات كفاءة. وحيث طرح الرئيس رؤيته للمستقبل، فإنه يتعين على الحكومة ورئيسها اعتماد برنامج متكامل وعاجل للإصلاح المؤسسى، وتثوير الجهاز الإدارى للدولة بكل أبعاده المركزية والمحلية حتى يكون قادراً وفاعلاً فى تنفيذ مهام التنمية الشاملة للوطن جنباً إلى جنب مع قطاع الأعمال العام والقطاعين الخاص والأهلى. وفى هذا السياق، أعلن وزير التخطيط عن خطة للإصلاح الإدارى بعد ستة أشهر، ومع التجاوز عن طول مدة إعداد الخطة فيجب أن تشمل تلك الخطة إعادة هيكلة شاملة للجهاز الإدارى للدولة من منظور استراتيجى يتكامل ويتزامن مع عملية التغيير الديمقراطى الشامل بأبعاده الدستورية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية، تستهدف تغيير الأساس الفكرى للإدارة العامة فى مصر، وإعادة تحديد أدوار عناصر الجهاز الإدارى على أسس ومعايير واضحة لتكوين البناء الوزارى، وتحقيق درجة كافية من الاستقرار الإيجابى فى تكوين واختصاصات الوزارات، وتمنع عمليات الفك والدمج والإحداث والإلغاء المتعاقبة مع كل تشكيلة وزارية جديدة، وتضع قواعد لتوجيه عمل الحكومة بكل وزاراتها وهيئاتها ومجالسها. ونرجو ألا تقع الخطة الجديدة فى خطأ اختزال فكرة الإصلاح الإدارى فى مشروع «اللامركزية» فى بعض القطاعات أو الوزارات، أو الخطأ المتكرر بالانحصار فيما يسمى «تبسيط الإجراءات»، بل لا بد أن يكون الانطلاق نحو «اللامركزية الإدارية» من فكر سياسى واعٍ يتبنى مفهوم توزيع السلطة السياسية وعدم تركيزها فى قمة جهاز الحكم، ليؤسس لمشاركة المواطنين أصحاب المصلحة الحقيقية فى اتخاذ القرارات بشأن كل ما يتصل بحياتهم وأوضاعهم الحالية والمستقبلية. وفى نفس الوقت، يجب قبل الخوض فى متاهة تبسيط الإجراءات أن يتم تحديد اختصاصات كل وحدة من وحدات الجهاز الإدارى للدولة والمخرجات المطالبة بتحقيقها لمصلحة المواطنين، ثم يكون تخطيط إجراءات وأساليب تنفيذ تلك الاختصاصات باستخدام تقنيات الاتصالات والمعلومات. كما يجب أن تتعامل الخطة المأمولة مع مشكلة توزع أنشطة الجهاز الإدارى للدولة بين برامج وخطط ومشروعات تصدر عن كل وزارة من دون أن يتوافر الترابط أو التناسق بينها وبين ما تقوم به باقى الوزارات، وفى هذا الخصوص من المقترح إنشاء «هيئة وطنية للمشروعات الكبرى» تختص بدراسة المشروعات الكبرى المدرجة فى خطة التنمية وإعداد المخططات التفصيلية والتنفيذية لها، وتدبير مصادر التمويل وترسية التنفيذ على مختلف الأجهزة المختصة والشركات الوطنية والأجنبية، ومتابعة التنفيذ وتقييم مدى التزام جهات التنفيذ بالتعاقدات والمعايير العلمية ومواصفات الجودة، حتى يتم تسليم المشروعات التامة لجهات التشغيل، وبذلك يتحقق ل«هيئة المشروعات الوطنية الكبرى» الاستقلال التام عن أجهزة الوزارات وحرية الحركة والتصرف وفق المبادئ الإدارية والعلمية السليمة والمرونة فى اتخاذ القرارات، بما يضمن إنهاء المشروعات دون تعطيل أو تدخلات بيروقراطية من جانب الوزراء، وكذا تكون عملية دراسة وتنفيذ المشروعات مؤمنة من مشكلات التغييرات الوزارية وارتباطها بتوجهات الوزراء المختلفين. كما تكون مصادر التمويل مؤمنة من مختلف المصادر سواء من الموازنة العامة للدولة أو الاستثمارات الخاصة الوطنية والأجنبية أو المنح والقروض، ما دامت أُدرجت فى الخطة الاستراتيجية للدولة، وبذلك تتخلص المشروعات من مشكلة سنوية موازنة الدولة وتعطل التنفيذ أو توقف المشروعات بسبب عدم إدراج المبالغ الكافية فى موازنة الدولة. وهذه الهيئة الوطنية للمشروعات الكبرى تحاكى ما كان معمولاً به حين أنشئت «هيئة مشروعات السنوات الخمس» فى الخمسينات، على أن تكون الهيئة المقترحة تابعة مباشرة لرئيس الوزراء. ويجب أن ترافق عملية إعادة هيكلة الإدارة العامة محاولة جادة للتحول من نمط الموازنة الحكومية الحالية؛ كونها موازنة اعتمادات ونفقات موزعة إلى أبواب، إلى موازنة للبرامج والأداء توزع فيها الاعتمادات على برامج لها أهداف قابلة للقياس، ومن ثم تتحول طريقة متابعة الإنفاق إلى قياس لمدى تحقيق الأهداف. إن التعامل مع رؤية الرئيس «السيسى» الطموحة لا يكون إلا بثورة فى الجهاز الإدارى للدولة، ترتفع إلى مستوى يحقق أهداف ثورتى الشعب فى 25 يناير و30 يونيو.