منذ أن علّمت صديقى كيف يدخل على شبكة الإنترنت ويجمع الكتب والموسوعات النادرة، أصبحت هواية يتلذذ بها، ويهاتفنى دوماً: هل حصلت على كتاب كذا، وقبل أن أجيب يكمل: إنه على موقع كذا، وعندما زرته فى بيته، وجدت الكمبيوتر الخاص به عامراً بأطنان الكتب، فبادرته: رائع كم كتاباً قرأت، ابتسم وهو يستعرض بنشوة: لم أقرأ، تعجبت من الإجابة وهمست: لماذا إذن تجمع هذه الكتب؟ قال وما زال يقلب فى نشوة: هواية، يمكن أقرأ فيما بعد. تركته وأنا أتذكر تلك المكتبة العامرة التى كانت فى مدرستنا الإعدادية فى سبعينات القرن الفائت، عندما هممت بإمساك كتاب فى حصة المكتبة، صرخت أمينة المكتبة ونهرتنى وأمسكت بالكتاب من يدى وهى تقول بعصبية: اترك الكتاب، واترك الكتب منظمة، اقرأ كتبك الدراسية الأول. تداعت إلىّ تلك الهواجس وأنا أجلس فى بيت صديق لى أدخل بيته لأول مرة، وشدتنى تلك المكتبة الأنيقة التى تأخذ جزءاً كبيراً من أركان الحجرة، وعليها تصطف المجلدات الفاخرة والكتب الأنيقة، وعندما وجدنى مشغولاً بالنظر والتأمل على الأرفف شارد الذهن، عن كل ما يدور حولى، ابتسم وهو يقول: ما زالت الكتب تستهويك حتى الآن، رغم كل وسائل المعرفة السمعية والبصرية، ألم تتغير بعد، ما زلت تقتنى الكتب كما كنت فى الماضى. همست: أنت تعرف يا صديقى، أنا ضعيف أمام الكتاب ولا أستطيع أن أنظر إليه دون أن أقلبه وأتصفحه، هل تأذن لى بالنظر عن كثب وتصفح بعض عناوين هذه الكتب. أومأ برأسه، وسرعان ما كنت مقترباً من أرفف المكتبة، وراعنى كمية التراب التى على الكتب، ولكن لا يهم لقد تعودت على ذلك. قال صديقى الجالس يقلب بالريموت فى القنوات الفضائية غير عابئ: أنت أول فرد يقلب هذه الكتب منذ أن وضعتها على أرفف المكتبة، حتى زوجتى لم تفكر فى تنظيفها وتطالبنى بالتخلص منها حتى تستطيع تنظيف الحجرة جيداً. قلت وأنا منهمك فى تصفح عناوين الكتب: ألم تفكر فى قراءة هذه الكتب؟ قال بسرعة: لا.. يكفى الأخبار من التلفاز، ومشاهدة البرامج، القراءة يا صديقى موضة قديمة، لا يتمسك بها إلا أمثالك وهم قلة. ضايقنى رده، وابتلعت ريقى وقلت: لماذا إذن تحتفظ بها وتصنع لها تلك المكتبة الفاخرة. همس وما زال يقلب صفحات التلفاز: ديكور.. مجرد ديكور ما ذكرته سالفاً محاولة لرسم الواقع، فأين مكمن الخلل؟