خلال أسبوع واحد فقط تواترت خيوط الملف السورى بدرجة جعلت أوباما نفسه يقول: «إن بارقة الحل فى سوريا باتت قريبة جداً، ليس أوباما فقط الذى قال ذلك بل أردوغان والروس والإيرانيون والخليجيون أيضاً». هذا الأمل خلق متنفساً حقيقياً لشعب عظيم ضرب مثالاً فى الصبر والتضحية منذ فبراير 2011 وهو تاريخ الثورة السورية المخطوفة التى تم التآمر عليها من قبَل كثيرين، ثورة بدأت بريئة براءة أطفال درعا الذين كتبوا شعارات على سور مدرستهم فاعتقلهم النظام، ومن ثم انطلقت الشرارة إلى بقية المدن. ثورة انضم إليها المفكر العربى السورى الكبير الراحل الطيب تزينى وبعده المفكر برهان غليون وكثير من الفنانين النبلاء. ثورة بقدر ما أسقطت خواء نظام بشار أسقطت الأقنعة عن كثيرين كانوا زائفين مثله، وكشفت وحشيته وجبروته كشفاً خلف بعده لعنات بعدد شهداء سوريا، وبوجع كل أم على فلذات كبدها، وبحسرة كل أسرة هُجّرت. ثورة أظهرت صلابة غريبة لدى شعب ظل منذ ما يقرب من خمسة أعوام ينزف كى يخضع وينحنى فلم يخضع ولم ينحن، وظل صامداً صابراً وهو يرى الأعداء يتكاثرون، النظام ومن خلفه إيران وميليشياتها وحزب الله وروسيا وتواطؤ أمريكا وخنوع كثير من العرب. اليوم هذا الشعب حين يستمع إلى ما قاله أوباما أو غيره هل يصدقهم أم عليه أن ينتظر الأفعال وليس الأقوال بعد أن تأكد له أنه كان ورقة فى كثير من الصفقات، خصوصاً الأمريكية الروسية، والإيرانية الغربية؟! أيها الشعب العظيم، لطالما باعوا واشتروا فيك، لكنك ستبقى فى زمن العبيد سيداً عليهم حتى لو جار عليك الزمن. عوامل التغير نحو الحل جملة من المواقف التى جعلت الكثيرين يقولون إن الحل بات وشيكا، ووشيكا جداً، ربما الذى أعلنه الرئيس الأمريكى باراك أوباما أثناء اجتماع فى البيت الأبيض مع عدد من الصحفيين يؤكد ذلك، حيث قال: «الحل بات قريباً لأن حليفى بشار، وهما روسياوإيران، باتا يعتقدان أن أيام بشار أصبحت معدودة، صحيح روسياوإيران لا تتأثران ولا تهتمان كثيراً بالأزمة الإنسانية فى سوريا لكنهما أيضاً خائفتان من إمكانية انهيار الدولة السورية». انتهى كلام «أوباما»، والإشارة إلى فكرة انهيار ما بقى من الدولة فكرة مهمة، وهنا أعنى المؤسسات التى باتت باقية والتى يمكن أن يتم البناء عليها وإحياؤها، خصوصاً مؤسسة الجيش أو ما بقى منها هى فكرة شديدة الخطورة بعدما جربنا وجرب العالم فشل فكرة «بول بريمر» فى العراق حين حل الجيش العراقى، التغير الإيرانى الكل كان يتوقع أن يكون هناك حل للورقة السورية فى حال قبلت إيران ووقّعت على الاتفاق الإيرانى مع الغرب، ولما وقّعت لم ننتظر كثيراً حتى وجدنا تحركات كثيرة من إيران ومن الغرب تؤكد التغير وتشى باقتراب الحل. إيران بعد التوقيع مباشرة تعيد إحياء مبادرة قديمة كانت قد قدمتها سابقاً وأطلقت عليها المبادرة المعدلة، صحيح هى غامضة المعالم والتفاصيل، لكن الرسالة المهمة هى أن إيران تعلن من خلالها استعدادها للقبول بمبدأ النقاش، وبالتالى استقبلت طهران مسئولين روسيين كباراً واستقبلت وليد المعلم وزير الخارجية السورى، وكان لقاء الحلفاء الذين تغيروا كما قال أوباما. بعدها مباشرة زار وليد المعلم سلطنة عمان، ومعروف أن السلطنة لم تقطع علاقاتها مع النظام السورى كما تربطها علاقات مع إيران. وكانت هناك رسالة إيرانية سورية وُجهت إلى دول الخليج التى ساندت الثورة السورية ولم تترك الشعب السورى فى أزمته. لم يعرف أحد فحوى الرسالة التى تسلمتها سلطنة عمان لكن التوقعات لم تبتعد كثيراً عن مقررات «جنيف 1» التى تؤكد أن المرحلة الانتقالية لن يكون بشار طرفاً ولا جزءاً فيها. بعد يوم من اللقاء عرف الجميع أن «على مملوك»، الرجل القوى فى نظام بشار، رئيس جهاز المخابرات، مدبر المجازر الكبرى، قد تجرأ وذهب إلى جدة لتوصيل رسائل مباشرة إلى السعوديين، ولعل بعض من تحدثت معهم رأوا أن محاولة «على مملوك» هى مراوغة ماكرة قُصد بها الإساءة إلى المملكة باعتبارها ترتب أموراً بعيداً عن أشقائها الخليجيين لكن لم يمض وقت حتى عرفنا أن المملكة أخبرت جميع أشقائها بزيارة على مملوك، وفوّتت الفرصة الماكرة عليه. الروس والتغير الروس حماة بشار على مدار أربعة أعوام ونصف، وهم المدافعون عنه على طول الخط، قرروا أخذ خطوات إلى الوراء، ولعل أول من بشّر بهذا التغير الرئيس التركى أردوغان، حيث صرح بعد لقاء جمعه ببوتين فى أذربيجان بأن بوتين رفع يده ودعمه عن بشار، ثم خرج «لافروف»، وزير الخارجية الروسى، وأعلن أن هناك اتفاقاً أمريكياً روسياً يحدث لأول مرة حول الورقة السورية. ولم يمض وقت طويل حتى أصدر مجلس الأمن الدولى الجمعة الماضى قراراً بالإجماع وبموافقة روسية يطلب من الأمين العام «بان كى مون» تشكيل لجنة تحقيق فى تحديد مسئولية مرتكبى جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية فى سوريا. والبعض رأى فى هذه الخطوة تحضيراً دقيقاً ومهماً لمستقبل بشار، لأنه لو أن هذه اللجنة أكدت أن نظام بشار هو الذى استخدم غاز السارين والكلور فى إبادته لقرى سورية فيجب أن يحال إلى المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالى ستكون هناك فرصة للتخلص من هذا المجرم ومعاقبته بشكل قانونى. ثم مسألة إثبات مرتكبى هذه الجريمة واضحة للعيان لأن هذه الغازات يتم استخدامها عبر طائرات ولا أحد من هذه الفصائل المتحاربة الموجودة فى سوريا يملك طائرة واحدة، فبشار هو الذى يملك طائرات. لكن هذا القرار يعنى شيئاً آخر، وهو أنه لأول مرة يتفق الروس والأمريكان على شأن سورى وهما المختلفان دائماً. أمريكاوتركيا تركياوأمريكا تسعيان لإقامة تحالف مصالح وإقامة منطقة آمنة وخالية من تنظيم داعش، وفعلاً تم فتح «قاعدة إنجرليك الجوية» جنوبتركيا لطائرات الائتلافف الدولى بقيادة أمريكا، ونفذوا عدداً من الضربات الجوية فى الأراضى السورية ضد داعش. لكن البعض يرى أن التحالف التركى الأمريكى قد لا يدوم ويعتريه كثير من الخلافات، خصوصاً فى المسألة الكردية، فالأتراك يركزون هجومهم على حزب العمال الكردستانى، أكثر من داعش، وأمريكا ترى أن حزب العمال الكردستانى بل الأكراد جزء أصيل من القتال ضد داعش، وربما نجاح الوحدات الكردية فى طرد تنظيم داعش من مدينة كوبانى فى يناير الماضى جعلهم القوى الأكثر فاعلية فى مقاتلة داعش، وعلى هذا الأساس بات الأكراد حليفاً رئيسياً للائتلاف الدولى الذى يقاتل داعش وبالتالى حلفاء لأمريكا. وهنا يبقى السؤال عن مدى ظهور الأكراد كنقطة خلاف بين الأتراك والأمريكان؟ الأتراك والأمريكان يسعون لإقامة منطقة آمنة، أى خالية من داعش، تتسع لعودة ما يقرب من 2 مليون سورى مهجّر إليها، وبالتالى يخف الضغط على الأتراك والأردن وكثير من الدول الأخرى التى لجأ إليها الإخوة الأعزاء السوريون فى محنتهم. وواضح أن فكرة هذه المنطقة تلقى قبولاً عند كثير من الفصائل المتقاتلة، فمثلاً جبهة النصرة، التى هى ذراع القاعدة فى سوريا، استجابت للفكرة وانسحبت فعلاً من بعض الأماكن لتسمح بتنفيذها. الخليجيون حالة الحلحلة الحادثة فى الملف السورى كانت تصب فى القنوات الخليجية، ولعل حضور وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف» لقاء وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى مع نظرائه الخليجيين فى الدوحة أعطى رسالة شديدة الأهمية، فيما يتعلق بأنه إذا كان هناك اتفاق، وهو فعلاً موجود، حول مصير بشار وحول سوريا سيتم برضا ومعرفة الخليجيين ومن قبلهم مصر لأن جون كيرى بدأ جولته من القاهرة التى لن تكون بعيدة عن أى اتفاق يخص الورقة السورية. الخليجيون كانوا يريدون أن يطمئنّوا على تفاصيل الاتفاق الإيرانى بأنه ليس على حسابهم، وأنه يضمن وقفاً حقيقياً لمحاولة إيران تصنيع قنبلة نووية ويطمئنّوا على حالة التوازن الاستراتيجى فى المنطقة، لأن الأموال المفرج عنها والتى ستدخل إلى الخزينة الإيرانية ستُستخدم فى تسليح الميليشيات وفك الحصار عن إيران، وهذا سيجعلها تمتلك ما تريد من السلاح. والشىء الأهم عند الخليجيين أن يتم حل الملف السورى وألا يكون بشار جزءاً من سوريا المستقبل ولا نظامه. فى الختام.. وأمام كل هذه التغيرات الجذرية فى مواقف الدول الحليفة لإيران وغير الحليفة يبقى علينا جميعاً أن ننتظر اللحظة التى يغادر فيها بشار إلى غير رجعة وغير مأسوف عليه، مع ضمان بقاء المؤسسات وتشكيل هيئة انتقالية لحين إجراء انتخابات وبداية الإعمار. وسنبقى دائماً رافعين قبعاتنا إجلالاً وتقديراً لهذا الشعب الذى ضرب المثل الأكبر بين شعوب الربيع العربى فى الصبر والصمود. دامت سوريا.. ودام شعبها..