منذ بداية الأزمة السورية،لم يقف الرئيس الأمريكي شبه وحيد كما هو الآن، بعدما أعلن عن توجيه ضربة عسكرية للأراضي السورية ولقوات الجيش العربي السوري، حيث وجه مجلس العموم البريطاني "لطمة" قوية على وجه الحليف التاريخي "واشنطن"، برفض المشاركة في العدوان على سوريا. المتابع لخطابات أوباما، يلاحظ تراجعاً ملحوظاً في تهديداته حيال دمشق، ونظام الأسد، بعدما تراجع حلفاؤه عن المشاركة، مثل ألمانيا وإيطاليا وكندا، ولهجة التحدي الواضحة من قيادات محور المقاومة "سوريا وإيران وحزب الله"، والذين أكدوا أنهم سيردون على العدوان ب"كل الوسائل المتاحة"، كما أشار بعضهم إلى أن أياديهم مثلما ستطال البوارج والغواصات الأمريكية ستطال تل أبيب، مما سبب فزعاً ورعباً بين المستوطنين اليهود داخل الكيان. فشل أوباما، بشكل واضح في كسب عدد كبير من المشاركين في قمة العشرين، زاد من خيبته، الأمر الذي جعله يتراجع خطوة أخرى، فبعدما صرح أكثر من متحدث بالبيت الأبيض، والخارجية الأمريكية بأن بإمكان الرئيس أن يتخذ قرار "الحرب" دون الرجوع إلى الكونجرس، رفض أوباما، في مؤتمر صحفي على هامش قمة مجموعة العشرين، في مدينة سان بطرسبرج الروسية، التكهن بما إذا كان سيوجه ضربة لسوريا في حالة رفض الكونجرس، مكتفياً بالإشارة إلى أنه سيعمل على إقناع الأمريكيين والمشرعين بضرورة التحرك ضد "الأسد". لم تعد المسألة السورية متعلقة ب"بشار الأسد" كما يروج بعض أنصار المعارضة السورية التي أسقطت عن نفسها أقنعة الوطنية، والدفاع عن الدم السورى، بمباركتها المعلنة للعدوان على بلادها، الأمر الذي وصل حد سفر أحمد الجربا إلى "لندن" لإقناع مسئوليها تغيير موقفهم الرافض للمشاركة بضرب بلاده.. حقاً، الأمر أصبح يخص سوريا بأكملها، وبالأمن القومي السوري والعربى، والمصري أيضاً، والتهديدات التي باتت وشيكة على قيام أمريكا بالعدوان على دمشق كشفت النقاب عن الهدف سوريا نفسها، ومثلما يقول المفكر السلوفيني سلافوي جيجيك "على الرغم من أن نظام الأسد لا يستحق التعاطف، فأوراق الاعتماد السياسية-الإيديولوجية لمعارضيه بعيدة عن الوضوح". الإدارة الأمريكية،لم يعد أمامها الآن سوى عملية لحفظ ماء الوجه، وحفظ مصداقية واشنطن، وإلا لن تأخذ الدول بعد الآن كلامها على محمل الجد، بخاصة بعد "خيبة" التعامل مع الملف المصرى، وتحدي الإدارة المصرية، على الأقل المعلن لإدارة أوباما الديمقراطية، وفشل أمريكا في الدفاع عن جماعة الإخوان. كما أن الفرصة باتت سانحة لمحور المقاومة، وحلفائها، بتوجيه أكبر عدد من اللطمات لأمريكا وذيلها الصهيوني، في حال جُن جنون أوباما وشن عدواناً واسعاً، أو انفلت منه زمام المعركة وبات في يد الجيش العربي السوري وحزب الله، وتحولت من "ضربة محدودة" ل"حرب إقليمية" تشارك فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتقف خلفها روسيا بشكل واضح، والصين بطريقة غير مباشرة، وتصل نيرانها داخل الكيان الصهيوني والأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما تخشاه قيادات الحكومة الصهىونية، ففي رأينا تسعي إسرائيل، في المرحلة الراهنة، إلى أن تكون سوريا متوترة، مشتتة، وفي الوقت ذاته غير متدهورة تماماً بشكل يصعب السيطرة عليه، عملاً بنظرية "لا يطفو ولا يغرق"، ووصولا إلى هذه المعادلة، يحاول الرئيس الأمريكي الوصول إلى "تدخل عسكري محدود"، بحيث يخرج منه لا منتصرًا ولا مهزوماً، حيث يمكن لأوباما أن يستثمرها أمام الشعب الأمريكي لكي يقول "حققنا الهدف"، لكنه لم يفكر في أن النظام السوري سيستغلها "إعلامياً" في الترويج لفكرة انحسار الإمبريالية الأمريكية أمام محور المقاومة والجيش العربي السوري. مقولة أوباما، في قمة العشرين، والتي أشار فيها إلى أن نظيره السوري لن يكون حكيماً إن رد على الضربة العسكرية التي ستوجه لسوريا، ليست ببعيدة عن فكرة ضربة ال"لا نصر واللا هزيمة"، وكأنها رسالة إلى الأسد، تقول له "الضربة ليست إلا وخزة دبوس"، أما نفي هاجل لن يكون "وخزة دبوس" وسيقلص قدرات الرئيس بشار الأسد العسكرية إلى حدٍ بعيد.. هى مناورات لغوية ولعب على الاحتمالات، لتبقي الدائرة مفتوحة لأي مستجد أو ظروف قد تطرأ على الساحة الدولية. [email protected]