تعتبر قناة السويس من أهم القنوات الملاحية الدولية نظرًا لموقعها الجغرافي الفريد، حيث تعد أقصر الطرق بين الشرق والغرب، كونها تربط بين البحر الأبيض المتوسط عند بورسعيد والبحر الأحمر عند السويس. ولم تكن قناة السويس هي أول محاولة لشق قناة تربط بين البحرين الأحمر والأبيض، فمنذ قديم الزمن كافة دول العالم كانت تعي تمامًا أهمية إنشاء مثل هذه القناة في هذا المكان للاستغناء عن طريق رأس الرجاء الصالح وما به من أخطار وتنشيط التجارة العالمية. تشير معظم الدراسات التاريخية إلى أن هناك عدة محاولات لإنشاء قناة تربط بين البحرين الأبيض والأحمر سبقت شق قناة السويس القديمة، وتعود فكرة إنشائها إلى 40 قرنًا مضت، بدءًا من عصر الفراعنة، ومرورًا بالعصر الإسلامي، وحتى تم حفرها للوصول لحالتها الراهنة اليوم. على الرغم من كثرة المحاولات وتعددها إلا أن الشواهد التاريخية تؤكد أن مصر كانت أول بلد فكر في حفر قناة مائية لربط بحرين لتنشيط التجارة العالمية، حيث حُفرت أول قناة في عهد فرعون مصر سنوسرت الثالث عام (1887-1849) قبل الميلاد، إلا أن هذه القناة قد طمرت بالطمى بسبب افتقارها إلى الصيانة فترة طويلة من الزمن. أعيد افتتاح قناة سنوسرت الثالث عدة مرات بعد صيانتها وتم إطلاق العديد من الأسماء عليها، بحسب الحاكم الذي كانت تفتتح في عهده، حيث سميت بقناة سيتي الأول 1310ق.م، وقناة نخاو الثاني 610 ق.م، الذي أنشئت في عهده قناة تربط بين الفرع البيلوزى لنهر النيل والنهاية الشمالية للبحيرات المرة، والتي راح ضحية حفرها نحو مات 100.000 شخص، ولكن على مدى سنوات عديدة أهملت صيانتها ثم أعيد إنشاؤها من جديد في عهد داريوس الأول 510ق.م. تم مد هذه القناة إلى البحر الأحمر خلال عهد بطليموس الثاني فيلادلف (285-246 ق م)، وأهملت في وقت مبكر خلال الحكم الروماني، ولكن أعيد بناؤها من جديد فى عهد تراجان (98-117 م). وبعد الفتح الإسلامي لمصر 640م، أعاد أمير المؤمنين عمرو بن العاص بناء القناة وربط النيل إلى البحر الاحمر، لاستخدامها في شحن الحبوب الى الجزيرة العربية ونقل الحجاج إلى الأراضي المقدسة، إلا أن القناة أغلقت في 767 م من قبل الخليفة العباسي المنصور لقطع الإمدادات عن المتمردين في الدلتا وتجويع الثوريين في المدينة المنورة. وعلى الرغم من تعدد محاولات افتتاح القناة إلا أن قناة السويس تعتبر أول قناة تربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر مباشرة، دون اللجوء إلى فروع النيل، وتعود أولى الجهود المبذولة لبنائها إلى حملة نابليون بونابرت على مصر، الذي آمل في أن يسبب المشروع مشكلة مدمرة للتجارة الإنجليزية، وقد بدأ هذا المشروع فعليًا في 1799 من قبل تشارلز لوبير، ولكن سوء الحسابات قدرت أن الفرق في المستوى بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر كبير جدًا، وقد يتسبب في غرق الدلتا، ما أدى إلى توقف العمل فى القناة بسرعة. وعلى الرغم من الدراسات التى كانت تشير إلى وجود فارق كبير بين البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، جاءت مجموعة من العلماء الفرنسيين المعروفة بإسم سان سيمون إلى القاهرة عام 1833، وأبدت اهتمامًا كبيرًا بإنشاء مشروع قناة السويس، ولسوء الحظ كان محمد علي باشا الحاكم آنذاك قليل الاهتمام بذلك المشروع في ذلك الوقت. وفي عام 1835 قتل الطاعون عددا كبيرا من المجموعة ومعظم المهندسين عادوا إلى فرنسا، وتركوا وراءهم العديد من المتحمسين للقناة من بينهم فرديناند دي ليسبس، الذي أصبح فيما بعد نائب القنصل الفرنسي في الإسكندرية، والمهندس الفرنسى لينان دى بلفون. وفي باريس قامت مجموعة سان سيمون بإنشاء رابطة في عام 1846 لدراسة إمكانية حفر قناة السويس مرة أخرى، وفي عام 1847 أكد بوردالو أنه لا يوجد فرق حقيقي في المستوى بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، ووضع لينان دى بلفون التقرير الفني، إلا أن المشروع لاقى قدرا كبيرًا من المعارضة البريطانية، بجانب قلة تحمس محمد علي باشا بسبب مرضه. في عام 1854 نجح الدبلوماسى الفرنسى المهندس فرديناند ماري دي ليسبس في حشد اهتمام نائب الوالي سعيد باشا للمشروع، وفي عام 1858 تشكلت الشركة العالمية لقناة السويس البحرية وحصلت على امتياز لحفر القناة وتشغيلها لمدة 99 عاما على أن تؤول ملكيتها بعد ذلك إلى الحكومة المصرية. تأسست الشركة على أنها مؤسسة مصرية خاصة ويتملك معظم أسهمها مستثمرين مصريين وفرنسيين، إلا أن الحكومة البريطانية قامت بشراء أسهم الحكومة المصرية عام 1875. لم تكن فكرة إنشاء قناة السويس سهلة، حيث حُفرت بدم وعرق الفلاحين والبسطاء من الشعب المصري وراح ضحيتها أكثر من 120 ألف مصري فيما يعرف ب"نظام السُّخرة" إثر الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة، ومعظمهم لم يستدل على جثمانه ودفن في الصحراء أو تحت مياه القناة. بدأ حفر القناة فعليًا في 25 أبريل لعام 1859، وفي عام 1862 تم الانتهاء من الجزء الأول من القناة، ومع تولي إسماعيل الحكم خلفًا لسعيد باشا توقف العمل من جديد، فلجأ فرديناند دي لسبس مرة أخرى لنابليون الثالث، وتشكلت لجنة دولية فى مارس من عام 1864، وقامت اللجنة بحل المشاكل وفي غضون 3 سنوات اكتملت القناة وافتتحت للملاحة العالمية في 17 نوفمبر 1869. أقيم حفل كبير بمدينة بورسعيد في مايو عام 1869، حضره معظم ملوك وأمراء أوروبا ورؤساء الحكومات ورجال السياسة والعلم والأدب والفن، وأنفق عليه الخديو إسماعيل أموالًا خيالية ربما ساهمت بشكل كبير في تفاقم الديون على الحكومة المصرية وتحكم الدول الأجنبية في اقتصادها. في أكتوبر 1888، وقعت الدول الكبرى على اتفاقية "القسطينطينية" الخاصة بضمان حرية المرور في القناة ووقعت عليها كل من بريطانيا العظمى، فرنسا، النمسا، المجر، إسبانيا، إيطاليا، هولندا، روسيا، تركيا التي وقعت الاتفاقية نيابة عن مصر. حلم "قناة السويس" لم يغب عن المصريين لحظة منذ أن باتت حقيقة على الأرض يذهب خيرها إلى تلك الشركة الأجنبية التي أعطاها الخديو سعيد امتياز إدارتها لمدة 99 عامًا على الأراضي المصرية، ليأتي الزعيم المصري جمال عبدالناصر، ويتخذ قرارًا تاريخيًا بتأميم شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية في 26 يوليو 1956 السويس، خلال خطابه الذي ألقاه في المنشية بالإسكندرية، ردًا على سحب الولاياتالمتحدة عرض تمويل السد العالي بطريقة مهينة لمصر، ثم تبعتها بريطانيا والبنك الدولي، وخرجت جموع المصريين إلى الشوارع تأييدًا لقرار الزعيم وسط حالة من الفرح والبهجة. أثار قرار التأميم غضب الدول الكبرى الذى أدى بدوره إلى العدوان الثلاثى على مصر في 29 أكتوبر 1956، وتسبب فى إغلاق قناة السويس، وأعيد فتحها في مارس 1957، كما أغلقت القناة مرة أخرى بعد حرب يونيو 1967 مع إسرائيل واستمر حتى عام 1975، عندما وقعت مصر وإسرائيل اتفاق فك الاشتباك الثاني. التأميم لم يكن آخر المشوار لقناة "الخير"، فكان للرئيس عبدالفتاح السيسي رأي آخر في 5 أغسطس 2014، حينما أعلن تدشين مشروع حفر قناة جديدة موازية للممر الملاحي الحالي بطول 72 كم، فيما يعرف ب"قناة السويس الجديدة"، لتمكين السفن والناقلات من عبور القناة في الاتجاهين في ذات الوقت، وتلافي المشكلات الحالية من توقف قافلة الشمال لمدة تزيد عن 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، وتقليل زمن رحلة عبور القناة بشكل عام، ما يسهم في زيادة الإيرادات الحالية للقناة، حتى حانت لحظة الصفر يوم الخميس 6 أغسطس لعام 2015 لتكون انطلاقة جديدة نحو حياة أفضل للمصريين.