قرار أخير اتخذه مجلس جامعة القاهرة أجده فى منتهى الأهمية، يقضى بأن يقتصر التسجيل للطلاب الجدد الراغبين فى الالتحاق ببرنامجى الحقوق والإعلام بالتعليم المفتوح، على الحاصلين على الثانوية العامة فقط. قرار أتصور أنه يستجيب للمشكلات التى ثارت حول مطلب خريجى التعليم المفتوح، وطموحهم الإنسانى الجدير بالاحترام، بالانضمام إلى نقابتى المحامين والصحفيين، لكن وجه الاستغراب الحقيقى فيه يرتبط بتخصيص شرط الحصول على الثانوية العامة على هذين البرنامجين فقط. فهناك برامج تقدمها كليات الزراعة والآداب ودار العلوم ورياض الأطفال لن ينطبق عليها هذا الشرط، الأمر الذى أخشى أن يفهم منه أن هذه الكليات «درجة تانية»، وأن ما ينطبق على برنامج إعلام وحقوق لا ينطبق عليها، وهى مسألة غير مبررة. اللافت فى هذا القرار أيضاً أن ثمة جامعات حكومية أخرى لا تطبق مثل هذا الشرط على برنامجى الإعلام والحقوق، مثل جامعة عين شمس، التى تقبل الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة أو ما يعادلها. فى تقديرى أن مجلس جامعة القاهرة اتخذ هذا القرار، وهو يرى فيه قدراً كبيراً من الوجاهة، وهو بالفعل كذلك، لكن يبقى أن المنطق يقتضى نوعاً من الشمول فى تطبيقه، بحيث لا يقتصر داخل جامعة القاهرة على برنامجى الإعلام والحقوق، بل يمتد إلى جميع البرامج الأخرى التى تقدمها، بل والعدل يقتضى أيضاً أن يقرر المجلس الأعلى للجامعات تطبيقه على جميع الجامعات التى يوجد بها برامج تعليم مفتوح، لأن قواعد القبول يجب ألا يكون فيها «خيار وفقوس». وثمة نقطة أخرى جديرة بالالتفات إليها إذا كنا صادقى العزم فى تطوير هذه البرامج، ترتبط بتوصيف الشهادة التى يحصل عليها الخريج ك«شهادة مهنية»، والنظر إلى بكالوريوس التعليم المفتوح، كبكالوريوس مهنى، هدفه الرئيسى اختيار من يصلح للدراسة ببرامجه طبقاً لقواعد موضوعية وعادلة، وإعداد الملتحقين به من خلال مقررات وأدوات تدريبية قادرة بالفعل على تطويرهم مهنياً. ومن الواجب ألا «يزعل» أحد من هذا الكلام، لأن القصد من التعليم ليس الحصول على «الشهادة» قدر ما يتحدد فى تطوير قدرات المتعلمين، وعلى من يدرسون فى برامج التعليم المفتوح أن يستوعبوا أن تكالبهم على الحصول على الورقة التى تفيد حصولهم على بكالوريوس كذا أو كذا كانت واحدة من الأسباب المباشرة التى أدت إلى تحويل هذا البرنامج إلى مجرد «سبوبة»، حصلت منها بعض القيادات الجامعية السابقة على ملايين، وهذا الكلام موثق ومسجل، بل وتعلمه الكثير من القيادات الجامعية الحالية التى تسعى إلى تطوير هذا البرنامج. إن أى قرار فى الدنيا لكى يكون مقنعاً لا بد أن يتأسس على رؤية تحتكم إلى مبدأين، أولهما «تكافؤ الفرص»، وهو يرتبط بعدم التضارب فى الشروط التى تعتمدها المؤسسة فى اختيار المنتسبين إليها، وثانيهما «العدالة»، وتتعلق بتطبيق هذه الشروط بشكل متساوٍ على الجميع، وبأعلى درجات الشفافية. القرار الذى اتخذه مجلس جامعة القاهرة فى محله، وجاء فى توقيته، لكنه يحتاج «كمالة»!.