عقارب الساعة تشير إلى الخامسة عصراً، يتبقى ساعتان على أذان المغرب، حينها كان أهالى شارع «أبو رافع» المتفرع من شارع «يلبغا» بشبرا، يعملون كخلية نحل للتحضير لمائدة الإفطار التى يحرصون على إعدادها منذ 33 عاماً، ويشارك فيها الجميع، حتى من رحل عن المكان، تحت إشراف عم «جميل بنايوتى»، أكبرهم سناً. لم يتزوج عم جميل، لكنه يعتبر أهالى المنطقة أهله، وشبابها أبناءه، حيث قرر استغلال الأرض التى يمتلكها وكانت فارغة، ووضع بها 5 «ترابيزات» لإفطار الصائمين فى رمضان، ومن وقتها، وعلى مدار 33 عاماً وهو يحرص على إعداد المائدة، ومشاركة الصائمين فرحتهم: «أجيال راحت وأجيال جت، والمائدة موجودة وبتكبر، وبقى فيه ناس بتقعد تاكل وناس بتاخد أكلها البيت، لأنهم من كبار السن والمرضى». يتذكر عم «جميل» مشاركته فى حرب العاشر من رمضان، عندما كان جندياً فى الجيش الثالث بسيناء، وكان يصوم مع زملائه، ويفطر معهم: «كانت أحلى وأصعب أيام، الأكل كان محدوداً، وكنا بنقسم اللقمة والميّه، أصل كان فيه حصار ومكانش بييجى إمدادات، وكان ليا الشرف إنى أدفن شهداء وجنود ماعرفش ديانتهم إيه، وفرحتنا بالانتصار نسيتنا الجوع والعطش، وكل حاجة صعبة». يجلس عم «جميل» على كرسيه الخشبى، ينظر لأهالى المنطقة وهم يعدون المائدة، ثم يذهب ليشاركهم العمل، مؤكداً أنهم أحياناً يسألون الناس عن نوع الأكل الذين يرغبون فى تناوله على المائدة، التى يتعاون فى إعدادها الجميع مسلم أو مسيحى. يمر الوقت، ويسرع الجميع فى التحضير، هنا «خالد خفاجة»، الذى رحل عن المنطقة، ولكنه يصر على المشاركة فى إعداد المائدة، وهناك «محمود شاهين»، الطالب بالفرقة الثالثة بكلية حقوق القاهرة، وكل همه أن يتناول الجميع الطعام، وبجانبه أصدقاؤه «خالد نجاتى»، «يسرى خفاجة»، والمهندس «سامى»، ثم يأتى «سيد محمود»، بسيارته حاملاً بعض الأطعمة للمائدة، فضلاً عن وجود الأطفال عمر ويوسف وعبدالرحمن، وسيدات يقمن بتقشير البطاطس والبصل. ينتظر عم «جميل» حضور زملائه القدامى للمائدة كل عام، حيث كان مدير عام حسابات جامعة عين شمس، ويفرح برؤية أناس لم يراهم منذ زمن: «مش عملية إحضار وجبات وتجهيزها، إحنا بعد الفطار بنقعد نتكلم مع بعض ونحس إننا فى بيتنا»، يقولها عم «جميل»، مؤكداً أن المشاركين فى المائدة بعد نهاية رمضان يبدأون فى البحث عن الأسر المحتاجة، لشراء ملابس العيد لأطفالهم، وبعدها يكافئون أنفسهم، ويذهبون فى رحلة قصيرة إلى الإسماعيلية، أو الإسكندرية للترفيه.