سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
*هياكل فراخ.. «مصمصة» بطعم الزفر «عم على»: الفقراء بيمصمصوا فيها أو يعملوا عليها شوية شوربة أو يطبخوها مع صينية بطاطس.. واهو أى حاجة يبقى فيها ريحة الزفر
يجلس على منضدة خشبية أمام دكانه الصغير بمنطقة «ناهيا» الشعبية، معمماً بطاقية بيضاء اللون.. هديل الحمام، ونقنقة الدجاج، وصوت الأرانب هو كل ما يجذب أذنيه، فهم خير جُلساء له، خطوات لسيدة تمشى على استحياء، ملابسها المهترئة تظهر أنها من الطبقة الكادحة الفقيرة، تنظر والخجل يملأ وجنتيها إلى «أوراك وصدور» الفراخ المخلية المتراصة أمامها، ثم ما تلبث أن تهرول بعيداً، إلا أن نداءات متكررة من «عم على» صاحب المحل توقف خُطاها: «اؤمرى يا حاجة».. تسأله السيدة الخمسينية: «انت ما عندكش هياكل ولا إيه؟»، يجيبها الرجل المُعمم: «كل حاجة موجودة يا ستى.. كيلو الهياكل ب5 جنيه»، الهيكل أو «العفشة»، كما يطلق عليها صاحب المحل، عبارة عن «عضم صدر الفرخة مع رقبتها وجناحها». «عفشة الفراخ وأرجلها وأجنحتها ورقابها» أصبحت هى الطعام المفضل لدى الفقراء من الشعب و«الكلاب» -وفقاً للرجل الستينى-: «الناس مش قادرة تشترى فرخة.. فبيشتروا أجزاء منها، وفيه ساعات ناس مستريحة كانوا بياخدوا بال5 كيلو هياكل أو رجول عشان الكلاب اللى عندهم»، إلا أن الحاج «على» يفضل ألا يبيع «عفشة الفراخ» للبهوات: «الفقراء أولى بيها». «37 قرشا».. كان ثمن كيلو الفراخ البيضاء فى عهد جمال عبدالناصر، ويقول الحاج «على» -الذى يعمل «فرارجى» منذ الستينات-: «الفراخ البيضا كانت لسه طالعة أيام عبدالناصر والناس كانت خايفة منها وعشان كده كانت رخيصة لكن فى العموم كانت الحياة فيها بركة؛ لأن الزعيم كان واقف جنب الفقير، أهم حاجة عنده كان محدودى الدخل، وفى عهد أنور السادات كانت تسعيرة كيلو الفراخ 70 قرشا، لكن للأسف لم يستطع التحكم فى سعرها بسبب سياسة الانفتاح التى سار على نهجها، زمان كان الرغيف بتعريفة دلوقتى بنص جنيه ومش مكفى لقمتين». عمر المحل من عمر ذلك الرجل، أكثر من 50 عاماً، ينام بداخله فى كثير من الأحيان، يجد أن فراخ الفقير توازى «جبنة المستورين»، ويقول: «لو رحت عند اللبان دلوقتى هتدفعلك 20 جنيه عشان قالبين جبنة.. الواحد يجيبله نص كيلو هياكل أو رقاب ويفضل يمصمص فيهم للصبح». الرجل الذى تربطه بالفراخ علاقة صداقة وألفة يستبعد ما تردد أيام نظام حسنى مبارك بشأن وجود ما يسمى «أنفلونزا الطيور»، قائلاً: «ده كلام فاضى وكله وهم.. عمرك سمعت عن صاحب مزرعة مات بسبب الموضوع ده؟ دى سياسة يا باشا عشان يلهوا الناس عن أى فساد بيحصل فى البلد». «الفاصوليا ب13 جنيها، والطماطم ب8، والبامية ب9.. طب الموظف اللى عنده 5 عيال يعيش ازاى ومنين وفين؟»، يعلق صاحب العينين الخضراوين على الزيادة فى الأسعار: «الواحد طبعا مش هيعرف يجيب فراخ لأنه لو اشترى واحدة هيطبخ عليها إيه، يا إما بتنجان يا إما بطاطس.. طب لو كده بقى يعملوا أسواق للناس الأغنيا وتانية للفقرا على الأقل يخفوا الزحمة شوية». أطول فترة كسدت فيها تجارة الفراخ كانت فى عهد النظام السابق كما يقول الحاج «على»: «لما قالوا إن فيه أنفلونزا طيور»، أما فى أوقات الصيف والمواسم والأعياد فيصل الكيلو ل18 جنيها، وفى الأيام العادية ب13، مضيفاً: «الناس الفقرا بقت أكلتهم الرسمية الهياكل والرجول.. لكن لما سعر الفرخة بيكون غالى الطبقة المتوسطة كمان بتشتريهم.. المشكلة مش فى الفلوس.. المشكلة أنا بقبض كام وعندى كام عيل وازاى أوكلهم (زفر) كل يوم».