النتيجة الطبيعية لإلقاء البنزين على النار، بكل تأكيد، هى مزيد من الحريق والاشتعال.. هذا بالضبط ما تفعله الحكومة، حسبما يرى الخبراء، بعدما أعلنت عزمها رفع دعم الطاقة تدريجيا، وزيادة أسعار المواد البترولية، التى سترفع فى علاقة طردية أسعار الأسواق التجارية المشتعلة أصلا. ورغم تأكيد الحكومة أن الخطة الجديدة لترشيد الدعم لن تؤثر على محدودى الدخل، فإن الخبراء يؤكدون أن المستهلك النهائى سيكون المتضرر الوحيد من هذه السياسات. «الوطن» انفردت، فى أعدادها السابقة، بنشر تفاصيل خطة الحكومة الخاصة برفع أسعار البنزين والسولار، وترصد فى هذا الملف الآثار المحتملة على القطاعات الاقتصادية المختلفة فى حال تطبيق الخطة. ويتناول الملف الأسواق قطاعيا، مع استطلاع آراء خبراء كل سوق على حدة (المواد الغذائية، الملابس الجاهزة، النقل، العقارات، خدمات المحمول، البرامج السياحية). وعلمت «الوطن» أن العديد من الشركات والمصانع بدأت بالفعل دراسة الزيادات الجديدة فى أسعار منتجاتها، بعد إصدار قرارات رسمية بتحرير الطاقة وزيادة أسعار البنزين والسولار. شركات المحمول.. تتحفز ل«رفع الأسعار» قال خالد حجازى، مدير العلاقات الخارجية بشركة فودافون: إن الشركة تنتظر الإفصاح عن الزيادة المرتقبة فى أسعار السولار والبنزين والطاقة بشكل عام، لحساب فرق التكلفة ومدى تأثيره على الشركة، وهل ستتحمل الشركة التكلفة كاملة أو ستحملها على الخدمات المقدمة للعملاء، مشيراً إلى أن أى زيادة فى أسعار الكهرباء ستؤثر على الشركة بشكل مباشر؛ حيث إنها تستخدم الكهرباء فى تشغيل المحطات وشبكات التقوية، ويظل احتياطى السولار والبنزين عاملا مساعدا فى حال انقطاع الكهرباء. وأوضح أن السولار تستخدمه شركات المحمول بشكل أساسى فى المناطق النائية والبعيدة، التى ليست لديها شبكة كهرباء قوية، لافتا إلى تعرض شركته لأزمة كبيرة مثل جميع قطاعات الدولة جرّاء الأزمة الأخيرة للسولار، ما دفع «فودافون» لتوقيع اتفاقية مع وزارة البترول لتوفير الكميات اللازمة لتشغيل محطاتها، خاصة فى الأماكن النائية أثناء الأزمة. من جانبه، أكد مصدر مسئول بشركة اتصالات مصر أن الشركة تنتظر الإعلان النهائى لرفع أسعار الطاقة ثم دراسة تأثير هذه الزيادة على الشركة. فيما قال طه سيف الله، مدير الإعلام بشركة موبينيل: إن الشركة ما زالت تنتظر إعلان الأسعار الجديدة للطاقة والانتهاء من القرار، وإعلانه بشكل رسمى. الوحدات السكنية.. القفز فوق «هامش الربح» توقع الدكتور سيف فرج، خبير الاقتصاد العمرانى، ارتفاع تكلفة مواد البناء وزيادة أسعار الوحدات السكنية بعد زيادة أسعار الطاقة؛ حيث يتحمل العميل الزيادة فى التكلفة، بدلا من الشركات، كبديل عن تقليل هامش الربح، مشيراً إلى أن أسعار الحديد والأسمنت ستكون الأكثر تأثراً حال اتخاذ قرار برفع الدعم عن المواد البترولية، لافتا إلى أن هذه المدخلات تمثل 10% من إجمالى تكلفة البناء لأى وحدة سكنية. من جانبه، قال الدكتور أحمد أنيس، مدير مركز التقييم العقارى بجامعة القاهرة رئيس جمعية خبراء التقييم العقارى: إن ارتفاع أسعار الطاقة سيرفع أسعار الوحدات السكنية، خاصة أن الزيادة فى أسعار مواد البناء غالبا ما تقابلها زيادة أكبر فى السعر النهائى للوحدة، فيما توقع مصدر مسئول باتحاد مقاولى التشييد والبناء تطبيق مصانع الحديد والأسمنت خططا سعرية جديدة فى ضوء الأسعار الجديدة للطاقة لإشعال سوق العقارات والبناء. قال عبدالمنعم الألفى، نائب رئيس هيئة الاستثمار لشئون المناطق الحرة المصرية: إن ما يتردد عن قرار مرتقب للحكومة برفع الدعم عن المنتجات البترولية سيؤثر نسبيا على الاستثمار الأجنبى فى السوق المحلية، لما له من أثر على زيادة تكلفة الإنتاج للمصانع. الملابس الجاهزة.. صناعة تصعقها أسعار الكهرباء قال يحيى زنانيرى، نائب رئيس الشعبة العامة للملابس الجاهزة بالاتحاد العام للغرف التجارية: إن مصانع الملابس الجاهزة لم تتأثر بأزمة السولار الحالية، بسبب اعتمادها على الكهرباء فى التشغيل، لافتا إلى أن أكثر من 14 ألف مصنع تعمل بالكهرباء. وتوقع زنانيرى زيادة أسعار منتجات مصانع الملابس بنسبة 10%، لارتفاع تكلفة العمليات اللوجستية الخاصة بنقل المستلزمات والمنتجات من المصانع إلى المنافذ، بسبب الزيادات المرتقبة فى أسعار السولار. وأضاف أن ارتفاع أسعار المنتجات البترولية سيؤثر على المنتجات المحلية، مقارنة بالمنتج المستورد الذى يتم تهريبه، لافتاً إلى أن قيمة ما يتم تهريبه من ملابس مستوردة إلى السوق المصرية تصل إلى 12 مليار جنيه سنوياً. موضحاً أن ارتفاع التكلفة، فى ظل الركود والكساد اللذين تعانيهما الأسواق، قد يتسبب فى توقف عدد آخر من المصانع، فضلا عن تخفيض قيمة سوق الملابس فى مصر سنويا، التى تصل إلى 16 مليار جنيه. النقل.. أسعار الطاقة الجديدة «كارثة» على الجميع تباينت آراء خبراء الطاقة بشأن خطة الحكومة لرفع أسعار البنزين بفئاته المختلفة، والسولار وأسطوانات البوتاجاز تدريجياً؛ حيث يرى البعض أن الخطة «كارثية» وستنتج عنها أزمات كبيرة، ويرى آخرون أن مصر تأخرت كثيرا فى تطبيق هذه الخطة، وكان يجب تنفيذها منذ فترة طويلة. وقال الدكتور حسام عرفات، رئيس الشعبة العامة للمواد البترولية باتحاد الغرف التجارية: إن زيادة أسعار الوقود ستمثل كارثة فى السوق المحلية بمختلف المحافظات، متوقعا ارتفاع تعريفة نقل الركاب وانتعاش تجارة المواد البترولية فى السوق السوداء. وأكد عرفات أن المهندس أسامة كمال، وزير البترول والثروة المعدنية، لا يملك صلاحيات اتخاذ قرار رفع أسعار البنزين، مؤكدا أن الحكومة لن تستطيع رفع أسعار البنزين فى الوقت الحالى، قائلا: «القرار يحتاج موافقة شعبية، والمواطنون يعانون ضغوطا كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار المنتجات بعد الثورة». وقال الدكتور حمدى البنبى، ووزير البترول الأسبق: يجب رفع أسعار بعض أنواع البنزين المرحلة المقبلة على الرغم من الأزمات التى قد تحدث جراء ذلك بسبب رفض المواطنين. السياحة.. رفاهية فى طريقها للانقراض توقع على غنيم، عضو اتحاد الغرف السياحية، أن يؤدى ارتفاع أسعار المواد البترولية إلى تناقص الدخل السياحى وأعداد السائحين، بنسب من 40 إلى 45% بسبب أسعار البرامج، تأثرا بارتفاع تكلفة الطاقة، وذلك فى الوقت الذى تمر فيه الدول الأوروبية بظروف اقتصادية صعبة، ما يؤدى إلى تراجع السياحة الوافدة منها إلى مصر بنحو 35%. وأضاف غنيم أن القطاع السياحى المصرى يمر بفترة انتقالية ويحتاج إلى تشجيع وخفض أسعار برامجه لجذب أكبر عدد ممكن من السياح بدلا من لجوئهم إلى دول أخرى مثل تركيا، مشيرا إلى أن بعض الفنادق والمطاعم ستضطر لتثبيت أسعارها الحالية، وسيكون ذلك على حساب «جودة الخدمات»، وهو ما يضر بسمعة السياحة المصرية، مشيرا إلى أن قطاع المنشآت الفندقية والسياحية سيكون الأكثر تضررا. وأوضح محمد حسيب، عضو غرفة المنشآت السياحية، أن ارتفاع أسعار المواد البترولية سيؤدى إلى ارتفاع تكلفة النقل، وبالتالى أسعار المواد الخام من الخضار والفاكهة التى تستخدم فى المطاعم، مشيرا إلى أن أسعار الوجبات السياحية سترتفع بنسبة 30% بعد إقرار الزيادات، وهو ما سيؤثر سلبيا على إقبال السائحين. وأشار ماهر نصيف، رئيس لجنة النقل بغرفة شركات السياحة، إلى أن زيادة أسعار السولار ستزيد من تكلفة النقل والبرامج السياحية بنسبة 25%؛ حيث تعتمد الأوتوبيسات بنسبة كبيرة على السولار.