لم أكن أعى وجوده فى الحياة حتى اشتد عودى وبدأت أرى الوجه العبوس من الدنيا، فشعرت بالاحتياج إليه، واستوعبت كيف يمكن له أن يقلب الأحوال رأساً على عقب (إيجاباً أو سلباً). نظرت إليه أول مرة فأشاح بوجهه عنى وكأن لسان حاله يقول لى: «أمامك وقت طويل حتى أعيرك اهتمامى»، ومن يومها وأنا أخشى ألا يكون هذا التهديد وقتياً وأنه قد يستمر معى ما حييت. وخلال مشوارى توترت معه علاقتى كثيراً، واختلفت حسب شدة احتياجى إليه، فمرة أنظر إليه طمعاً فى المزيد مع أن ساعتها يكون معى ما يكفى، وأحياناً أخرى كثيرة أنظر إليه بلهفة الغارق الذى ينظر إلى طوق النجاة وهو يطير فى الهواء بعيداً عنه -ووقتها أنتظر حتى طيفه- ولكنه يأبى إلا أن أستمر فى مشوارى بدون رفقته وكأنه أصبح حكراً على أناس بعينهم. إنه لا يعرف للأسف معنى العدل فى تعاملاته، فلو أحب شخصاً أنار له ظلمة الطريق، وفتح له الأبواب المغلقة بل وأهداه ما لم يكن يحلم يوماً بنصفه، وإن كره إنساناً يذيقه من التعاسة ما لذ وطاب ويجعل العالم فى عينيه أصغر من حجرته «وأحياناً أصغر من قبره» حتى يضيق ذرعاً بكل مَن حوله وحتى بنفسه. ولكنى وبعد مشوار ليس بالطويل ولكنه ملىء بالأحداث والخبرات والمفارقات أقول له: «أحترمك ولكنى لا أنتظرك، أحبك ولكنى لن أكره غيابك بعد الآن، لأننى سأعمل وأتوكل على خالق الكون ومسير الأقدار ورازق النملة فى جحرها.. وعندها سأستريح وأستكين وأرضى، وعندما أرضى سيكون وجودك مثل عدمه.. أيها الحظ».