ليلى العامرية معشوقة قيس بن الملوح، شاعرة عربية، وابنة عم مجنونها قيس، وكانا يرعيان الأغنام معاً فى البادية، ولما كبرت أبعدوها عنه وفرّقوا بينهما، فجُنّ بها، وذهب عقله فى حبها، وأصابته لوثة الغرام وهام على وجهه باحثاً عنها، يراه الناس فى الشام، ويقول البعض إنهم رأوه فى الحجاز باحثاً عن عشقه فى أبيات الشعراء وقوافى المحبين. بادلته ليلى أشعار الحب والهيام قالت فيه: «كلانا مُظهرٌ للناسِ بُغضاً... وكلٌّ عندَ صاحبهِ مكينُ». قيس بن الملوح هو قيس بن معاذ، لقّبوه «مجنون ليلى». قالوا: عاشا فى القرن الأول الهجرى فى عهد الخليفتين، الأول: مروان بن الحكم الذى تولى الخلافة الأموية بعد معاوية بن يزيد، والثانى: ابنه الخليفة عبدالملك بن مروان.. مما قاله فى عشق ليلى «تداويت من ليلى بليلى عن الهوى... كما يتداوى شارب الخمر بالخمر». قالوا: لم يكن اسمها ليلى، ولم يكن لها اسم أو عنوان، ليلى صناعة كل العشاق ومفتونة الشعراء، تغنى بها القوم كل على ليلاه، فكانت الليالى والظلمة والعتمة عشق كل الشعراء والمحبين. قالوا عنها: أسطورة قديمة من الأساطير العربية يحكيها الغاوون ويصدقها الشعراء. لا شعر دون كذب، ولا شعر يمشى على قدمين، أروع الأشعار حين يتبادل العشاق الكذب، ويحبو بلا أقدام ويطير بلا أجنحة. قالوا: إن أبا الفرج الأصفهانى سأل وتقصى وجاب البلاد شرقها وغربها، باحثاً عن أطلال ليلى ومجنونها قيس، فلم يجد لهما أثراً، ولم يجد للعاشقيْن أطلالاً ولا عنواناً. لو كانا توّجا عشقهما بالزواج، كان استدل أبوالفرج على أحفادهما ونسلهما ونسبهما. الحب يا أبا الفرج يموت من الالتصاق والدفء، الحب خالد بلا لمس ولا اقترب، تظل المحبوبة نضرة عذراء، جزيرة بلا شاطئ، يحوم حولها المحبوب لا يهدأ ولا يرتاح. يموت الحب مع الراحة، ويزيد الوجد مع البعد. هل رأيت حباً يدوم بعد وصاله وقربه. هذا عن أكذوبتنا الأولى. خذ الثانية: كذبة اكتشفها الأديب طه حسين عميدنا، أن تاريخنا العربى زيف وبطولاته وهم وبهتان، والشعر الجاهلى الذى طالما تغنينا ببطولاته لم يكن شعراً جاهلياً، ولم تكن بطولات أجدادنا حقيقية، بل شعر كتبه السكارى بعد الجاهلية بعشرات السنين فى مواخير البطولة، ينشدون عن المروءة والشهامة والفداء قصائد من الكذب والرياء. تغنوا ببطولات بلا معارك، كما تغنى قيس بلا محبوبة. شعرنا العربى فخرنا ساقط ومنحول، بطولاته نسيج خيال، وسيوفه سُلّت من غمدها لسبى النساء، وقرع صليلها أرهب دموع الصبية الصغار، وجحافلها دهست وداست العجائز والكبار. بطولاتنا العربية صناعة خيال الفرسان والشعراء، يمر تاريخنا علينا وهماً، ونكتبه لأجيالنا محض افتراء. وقعنا بين شعر عذرى نبكيه بلا دموع، وشعر ننشده عن بطولات أجدادنا بلا فرسان، أعظم البطولات بلا أعداء، وأقوى معاركنا بلا نزال، وأعظم أنواع الحب بلا محبوب، وبين الوهم والخيال ضاعت أحلامنا العربية. ورث حكامنا العرب غرام قيس المجنون المجهول، وشعر عنترة المنحول. حلمنا العربى حب بلا عذرية، اقتراب حتى الاغتصاب، واغتصاب حتى ممات ليلى. الحب عند العرب خيال، وأكاذيب عشق فى خدر النساء. بطولاتنا العربية جابت خيولها حانات السكر، وخمر قيس، وسيف عنترة الخشبى، وخطوة الأولياء. يتغنون بالسيوف ويترنحون ولا يفيقون وآخر الليل عند الفجر يتوضأون ويصلون. أعظم بطولاتنا فى غرفنا المغلقة، وأعظم انتصاراتنا مضاجعة النساء، وأعظم قصائدنا على موائد البغاء. قالوا: إن الجيوش العربية من القمة العربية، ستحمى الحمى وتذود عن الشرعية، وتنتصر للمظلوم، وتجوب شوارعنا تبحث عن المسروق من أحلامنا الوهمية، ستعيد سبايا نساء العالم إلى حضن أمهاتهن، وتدفع دية المقتول فى تاريخنا القاتل، وتحرر المظلوم من ظلمنا. قلت: ستغزو الجيوش العربية خدر ليلى العامرية، وتدمر قصائد الوهم العذرية، وتغزو كل الدول العربية. جيوشنا العربية دوماً تخطئ طلقاتها الهدف، وبيوت أشعارنا تحتضن أبناء ليسوا لنا، وشوارعنا المنهكة الرقيعة يتوارى فيها خجلاً أطفالنا. قالوا فى كتبنا فى القراءة إن اليمن سعيد، هذه أكذوبتنا الرابعة، لستَ سعيداً أيها اليمن. أتضحك الأرض ويبكى سكانها، أتستدفئ الأرض ويبرد صغارها، أتشبع الأرض ويجوع أبناؤها. قالوا: إن الإغريق وصفوهم باليمن السعيد، ورسولنا قال: الحكمة يمانية، كذب الإغريق علينا ولو صدقوا فكذبهم مرفوع، وحديث رسولنا عنه مكذوب وضعيف وموضوع. يا مشايخنا، يا كتّاب الزيف فى تاريخنا، وفتاوى الضلال لحكامنا، يا مشايخ الشيعة ومشايخ السنة، تقاتلوا، وصُبّوا الزيت، وأشعلوا نيران الحرب، كل قتلاكم شهداء، الكل ينعم بالحور العين، القاتل والمقتول، ورسول الله يقول: كلاهما فى النار. يا سيدى يا رسول الله عذراً، سيقتسمون الجنة والنار، النار بحديثك، والجنة بفتوى التجار، وكأن الجنة للقاتل، والمظلوم إلى النار. يا أيتها الجيوش العربية، إن جاءكم فاسق بنبأ فلا تتبينوا حتى تصيبوا العامرية. يا أيها الشعراء العرب أحرقوا شعر البطولة والهوى ولا تفيقوا من السكر والعربدة. فهى أرحم من سكرة الحقيقة المدمرة.